رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قانون قيصر «2»


أشرنا فى مقالنا السابق إلى دخول مجموعة الإجراءات التشريعية، العقابية، التى أقرتها الإدارة الأمريكية ضد سوريا، تحت مُسمَّى «قانون قيصر»، منذ منتصف هذا الشهر، حيز التنفيذ، و«قيصر» المزعوم هذا، قيل إنه شخص سورى سَرَّبَ إلى أجهزة الأمن الأمريكية نحو ٥٥ ألف صورة، للتعذيب الذى يمارسه نظام الأسد ضد معارضيه، وأساسًا من أعضاء الجماعات الإرهابية.
والطريف أنه حسب المصادر الأمريكية، واستحياءً من أفلام الجاسوسة الأمريكية الشهيرة، وكما ذكرت صحيفة «الشرق الأوسط» فى تقرير من واشنطن، «٣١ مايو الماضى»، فإن المستر «قيصر»: «عُرف فى أروقة الكونجرس، الذى زاره باستمرار على مدى الأعوام السابقة، بمعطفه الأزرق الذى يُغطّى معظم وجهه، والقُفازات التى تُخفى يديه، فهو يخشى من ظهور أى علامة قد تُشير إلى هويته، وتؤدى إلى مُلاحقته من النظام السورى».
والشاهد من قراءة بنود القانون أنه يتضمن مجموعة مُتنوعة من العقوبات، ظاهرها معاقبة النظام السورى بدعوى انتهاكه حقوق الإنسان، «باعتبار أن الولايات المتحدة «الترامبية»، هى مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ البشرية المُعَذَّبة، والدليل ما جرى فى سجن «أبوغريب»، ومعتقل «جوانتانامو»»، لكن جوهرها تخريب كل محاولة لإعادة الاستقرار إلى سوريا المنكوبة، وإعادة تأهيل الجماعات الإرهابية التى عاثت فيها فسادًا وتخريبًا بعد تراجع قدراتها وتأثيرها، بإكراه النظام على وقف عملياته ضدها، والتى حقّقت نجاحًا ملحوظًا، رغم أى تطورات، والسماح لها بالعودة إلى الداخل السورى الذى طُردت منه، وكذلك معاقبة روسيا وإيران على المساعدات التى قُدِّمت منهما للنظام السورى، وعاونته على الصمود وكسر شوكة الهجمات الإرهابية.
وهدف ثالث مهم هو وقف كل محاولة لترميم البنية التحتية السورية التى تم تخريبها بشكلٍ كبير، وتخريب أى خطة لإعادة إعمار ما هدمته الحرب من منازل ومدارس ومستشفيات ومراكز خدمية وحكومية، فضلًا عن إحباط كل محاولة سورية لتنشيط المجال الاقتصادى بما يُساعد على تلبية مُتطلبات الحياة الأساسية الضرورية لملايين من المواطنين السوريين، هم فى الأغلب الأعم يحيون بالفعل تحت خط الفقر، ويجدون مشقة بالغة فى توفير الحد الأدنى من مستلزمات الوجود.
ويفخر المبعوث الأمريكى إلى سوريا، «جيمس جيفرى»، بأن انهيار قيمة الليرة السورية يعود إلى الإجراءات العقابية التى اتخذتها الولايات المتحدة، ودليل على أن روسيا وإيران «لم تعودا قادرتين على تعويم النظام»، بل ويشير «جيفرى»، من طرفٍ خفى، إلى أن الولايات المتحدة، كانت سببًا فى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى عانى منها لبنان مؤخرًا، وما زال تحت تأثيراتها الخطيرة، بحجة أن هذه الإجراءات العقابية منعت النظام السورى من «تبييض الأموال فى المصارف اللبنانية، التى تعانى هى أيضًا من أزمة»، رغم أن المتضرر الأول والرئيسى من هذه الإجراءات، «وقد رأينا هذا الأمر من قبل فى حصار العراق قبل احتلاله عام ٢٠٠٣، كما أشرت فى المقال السابق»، هو الشعب قبل النظام، فالقانون يستهدف، كما يقول واضعوه، إحداث شلل كامل يطال مُجمل الاقتصاد السورى، وهو شلل سيضرب البنك المركزى والشبكات المُرتبطة به، وبما سيؤدى حتمًا إلى مضاعفة معاناة الملايين من المواطنين السوريين، وتدهور أوضاعهم المعيشية، المتدهورة أصلًا.
وعلى سبيل المثال، فإن القانون يفرض عقوبات على أى شركة عالمية أو أى فرد يستثمر فى قطاعى الطاقة والطيران، وكل من يزود الخطوط الجوية بقطع غيار وصيانة، هو ما يحوّل الأسطول الجوى السورى إلى قطع من «الخردة» لا قيمة لها، ويعزل سوريا وشعبها عن العالم والمحيط، كما أن القانون يُعاقب أى حكومة أو مجموعة تُسَهِّلُ صيانة أو توسيع إنتاج الحكومة المحلّى من الغاز الطبيعى أو البترول ومُشتقاته، وهو أمر جد خطير، خاصة إذا علمنا أن سوريا لا تستطيع تأمين إلا أقل من رُبع احتياجاتها من الغاز محليًا، وهو ما يعنى خلق أزمة عنيفة، تمس، فى المقام الأول، أوضاع ملايين السوريين، حتى وإن كانت تضر النظام.
وقد يُجادل البعض: وما حاجتنا الآن لإشغال أنفسنا بقضية سوريا ونحن مُحاطون بالأوضاع المتصاعدة فى الغرب «ليبيا»، والجنوب «إثيوبيا»، والإرهاب المحلى، والأزمة الاقتصادية بعد كورونا، وغيرها، ولهم أقول إن قضية سوريا ليست قضية منعزلة عن كل هذه المخاطر والتهديدات، فسوريا هى «البوابة الشرقية» لمصر، وسقوطها عسكريًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا، رغم أى اعتبارات، يضرب الأمن الوطنى المصرى والأمن القومى فى مقتل، ويوجه ضربة عنيفة إلى مصالح شعبنا العُليا، وإلى مقومات استقراره.