رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تورطت «الإخوان» فى بناء سد النهضة وخططت لتسهيل تمويله والشراكة فيه؟

ناصر ومطر
ناصر ومطر

قبل أن تبدى تعجبك من العنوان وتشكك ولو للحظة فى مصداقيته، فلتعُد معى إلى مايو ٢٠١٣، وتحديدًا يوم ٢٧ من الشهر، ولتكتب فى محرك البحث «إثيوبيا تعلن تحويل مجرى نهر النيل».. سيظهر لك تفاصيل ما حدث فى هذا اليوم المشئوم.

فلتواصل البحث وحاول أن تعرف أين كان محمد مرسى قبلها بـ٢٤ ساعة.. نعم كان عائدًا من إثيوبيا، التى زارها لحضور القمة الإفريقية يوم ٢٥، وبعد عودته بيوم واحد، أعلنت أديس أبابا عن أولى الخطوات الفعلية لبناء السد الذى تتاجر به جماعة «الإخوان» حاليًا.

ماذا إذن عن عرض المشاركة فى بناء السد وتسهيل جلب التمويل له، الذى قدمته الجماعة لإثيوبيا؟ ولماذا تحولت بقياداتها وعناصرها وإعلامييها الآن إلى الدعوة للحرب وتوجيه ضربة عسكرية ضد السد؟ وما علاقة ليبيا بذلك؟.. أسئلة تجيب عنها «الدستور» فيما يلى.

إثيوبيا أطلقت المشروع رسميًا بعد يوم من زيارة مرسى.. والجماعة تبرر الفشل: «اتفاجئنا»

تحاول جماعة الإخوان الإرهابية طوال الوقت إخفاء حقيقة إعلان إثيوبيا عن أولى خطوات بناء سد النهضة خلال فترة حكم الجماعة لمصر، بل بعد يوم واحد فقط من زيارة محمد مرسى إلى أديس أبابا لحضور القمة الإفريقية، فى ٢٥ مايو ٢٠١٣.
ففى ذلك اليوم زار «مرسى» إثيوبيا، وبعد أن رتبت له أديس أبابا استقبالًا متواضعًا وباهتًا، ناقش مع مسئوليها هناك «ملف النيل بشكل عام»، وفقًا لما كشفه مصدر مقرب من الرئاسة المصرية، فى تصريحات صحفية حينها، ثم عاد إلى القاهرة يوم ٢٦ من الشهر ذاته.
وفى خطوة تعكس نظرة إثيوبيا لجماعة الإخوان واستهتارها بها، أعلنت بشكل أحادى ومفاجئ، وتحديدًا فى ٢٧ مايو بعد أقل من ٢٤ ساعة على عودة «مرسى»، عن بدء تحويل مجرى نهر النيل رسميًا، فى تقديم لتلك الخطوة ٣ أشهر بعد أن كان مقررًا لها سبتمبر ٢٠١٣.
وخرج وزير الرى الإخوانى حينها، محمد بهاءالدين، ليصرح بأن جماعته «فوجئت من خلال وسائل الإعلام بأن إثيوبيا ستبدأ فى بناء السد»، زاعمًا أن رئيسه كان فى أديس أبابا لحضور قمة الاتحاد الإفريقى فقط.
وقال «بهاءالدين»: «مكناش رايحين مخصوص عشان نناقش سد النهضة»، فى تصريح يدين الجماعة لا ينصف موقفها، لأنه يؤكد أن إثيوبيا لم تحترم «الإخوان» و«مرسى»، ولم تخبرهما بموقف بناء السد، رغم مناقشة أوضاع دول حوض النيل خلال القمة الإفريقية، وذلك لأنها أدركت ضعف الجماعة وتخاذلها، بل عدم اكتراثها بهذا الملف.
ولم يمل التنظيم الإرهابى من المتاجرة بـ«ثورة ٢٥ يناير»، التى استغلوها جيدًا فى الوصول إلى كرسى الرئاسة، وأصبحت «الحيطة المايلة» التى يبررون بها أى مصيبة جلبوها إلى مصر، فخرج «بهاءالدين» ليقول أيضًا فى تصريحات تليفزيونية: «إحنا كلنا فوجئنا إن هم بيعلنوا عن إنشاء سد.. كنا مشغولين بالثورة».
واعتبر الوزير الإخوانى، الذى دار على القنوات التليفزيونية والصحف بتصريحاته، أن «إجراء إثيوبيا طبيعى، ولن يضر مصر بشكل مباشر»، داعيًا إلى «إعطاء الأمور حجمها الطبيعى، وعدم الذعر مما حدث»، خاصة أن «حصة مصر فى المياه لن تتأثر أبدًا».
وكأنه مواطن إثيوبى، شدد «بهاءالدين» على أن ملس زيناوى، رئيس الوزراء الإثيوبى آنذاك، زار مصر عندما شعر بقلقها من إعلان بدء بناء سد النهضة، قائلًا: «زيناوى قرر زيارة مصر لطمأنة الشعب، وقال إنه والشعب الإثيوبى لا يمكن يقبلوا إن السد ينقص كوباية من المياه اللى بتيجى لمصر والسودان».
ولم يختلف موقف الرئاسة بالطبع، وأصدرت بيان طمأنة بأن «حصة مصر لن تتأثر بتحويل مجرى النهر»، معتبرة أن «أى مشروع هندسى على نهر النيل يتطلب تحويل المجرى المائى قبل البدء فى أى إجراءات إنشائية».
وفى تلك الأثناء، حاول هشام قنديل الحصول على معلومات من إثيوبيا بشكل مباشر بشأن قرار تحويل النهر، لكنه فشل، ما أثار تساؤلات عديدة حول كيف لشخص يتولى رئاسة الحكومة لا يستطيع الحصول على معلومات حول أمر يهدد أمن مصر المائى.
وحسب مصادر سيادية حينها، فإن الجماعة كان «لديها علم بخطوة تحويل مجرى النهر منذ شهر»، وأن السيناريوهات التى جهزوها للتفاوض تتضمن «تسهيل تمويل السد من جهات دولية، وتقليل سعته التخزينية وبناءه وفقًا لمعايير محددة، وأن تكون مصر شريكًا فى المياه والكهرباء معها، وليست مشتريًا لها».
تناست جماعة الإخوان كل هذا، وواصلت نهجها فى الكذب وتزييف الحقائق وتناقض المواقف، فالتنظيم الذى كان يعمل على سيناريوهات «تفاوضية» فقط، ويخطط لأن يصبح شريكًا فى النهضة الإثيوبية، يستميت الآن فى دعوته لدخول الحرب ضد إثيوبيا، وشن ضربة عسكرية ضد السد مباشرة.
ولا يجرؤ أعضاء تنظيم الإخوان على التطرق لهذه الحقيقة، لكن التواريخ لا تكذب رغم محاولاتهم محوها، وتثبيت حوادث مفبركة بدلًا منها، سعيًا لغسل أيديهم من التورط فى ملف سد النهضة، وهو الأمر الذى تقوم عليه قنواتهم التركية- الناطقة بالمصرية- ونعرضه فيما يلى:


ناصر ومطر يحتفيان بـ«عطش مصر».. وأيمن نور يدعو إلى الحرب بعد رفضه لها فى 2013

«إعلام الخيانة»... هذا هو الوصف الأدق لما فعلته قنوات جماعة الإخوان التى تبث من تركيا بعد إعلان إثيوبيا عن بدء مل سد النهضة، قبل أيام، ثم نفيها الأمر بعدها بنحو الساعة.
فبتاريخ ١٥ يوليو الجارى، خرج محمد ناصر، المذيع فى قناة «مكملين» الإخوانية، محتفيًا بإعلان إثيوبيا عبر وزيرها للرى سيليشى بيكيلى عن بدء ملء سد النهضة، مشيرًا إلى أن السودان أكد انخفاض منسوب المياه لديه، وأن مصر «اكتفت بطلب توضيح رسمى للتصريحات الإثيوبية».
ورغم أن «بيكيلى» خرج بعدها بأقل من ساعة لينفى الأمر، مؤكدًا أن الإعلام الإثيوبى أساء فهم تصريحاته، تجاهل «ناصر» كل ذلك، وكعادته تعمد عدم إظهار الصورة كاملة، فى مثال لعمل التنظيم الإرهابى، وخوفه من إدراك مناصريه الحقيقة فينصرفون عنهم.
وتناسى «ناصر» أن موقف مصر بطلب توضيح رسمى من إثيوبيا يعنى إدراكها الجيد ما يحدث، وأن معارك النفس الطويل يجب أن تُدار بشكل احترافى، يصعب على «الإخوان» إدراكه وفهمه، وهو ما ظهر فى أن الطلب المصرى دفع إثيوبيا لأن تهرول معتذرة- على مدار يومين- عن تصريحاتها التى أسىء فهمها، نافية اتخاذ أى خطوات لملء السد.
وفى حلقته، التى نُشر جزء منها بعنوان «إثيوبيا تبدأ بملء السد بشكل رسمى.. والشعب هيموت من العطش»، على مواقع التواصل الاجتماعى، تحدث «ناصر» مع أحد ضيوفه، وظلا يدفعان فى اتجاه واحد وهو «الحرب»، مطالبين الجيش ببدء عملية عسكرية ضد إثيوبيا، منطلقين من رغبة «الإخوان» فى دخول مصر «الحرب» بأى ثمن، لعل وعسى ينجحون فى إثارة البلبلة وإشغال مصر ورأيها العام عن أعمال المحتل التركى فى ليبيا، وهو ما ظهر فى ترويجهم لادعاء أن «القاهرة تهتم بملف ليبيا أكثر من سد النهضة».
وفى الحلقة ذاتها، تحدث الإخوانى الهارب أيمن نور، عبر الهاتف، محاولًا الظهور بأنه «خبير فى ملف سد النهضة» سياسيًا وقانونيًا، فبدأ يتلاعب بالكلمات، رغم كونه يتحدث بجهل، قائلًا: «نحن أمام تهديد وجودى بدأ يوم ١٥ يوليو ٢٠٢٠. الأمر أصبح أكبر من الفشل. لا أحد فى مصر يعرف معنى المسئولية».
وكشفت هذه التصريحات عن التناقض الكبير لدى «نور»، الذى منذ أن هرب إلى تركيا مع العديد من قيادات الجماعة الإرهابية، فإنه يزعم أن مصر لا تسعى لحسم ملف سد النهضة، ويدعو للحل العسكرى، على الرغم من مطالبته باستبعاد هذا الحل، عندما أُخذ رأيه فى «الاجتماع الفضيحة» الذى عقده «مرسى» لمناقشة حلول الأزمة وأذاعه على الهواء مباشرة، ودعوته إلى «الضغط لتأخير التمويل والتنفيذ، للوصول إلى حلول بديلة فقط»، وليس هدم السد أو وقف استكمال بنائه، كما يطالب الآن.
وطالب «نور»، فى الاجتماع الذى عُقد يوم ٣ يونيو ٢٠١٣، بحضور «مرسى» ومن سماهم «القوى السياسية»، بالتدخل المباشر فى الشئون الداخلية لإثيوبيا، وتسريب معلومات مخابراتية عن قوة مصر العسكرية، قائلًا: «الكلام ده معرفش المفروض يتقال ولا لأ.. نحتاج لوجود فريق سياسى ومخابراتى للعمل على تغيير الواقع الإثيوبى، والإنفاق على ذلك سيكون أقل بكثير من الإنفاق فى مجالات أخرى لتدارك الأخطار (الحرب).. يكون فيه تدخل فى الشأن الداخلى وتأثير على القرار والاختيارات فى إثيوبيا، المجتمع هناك مهترئ لأقصى درجة».
وأضاف: «نقدر نسرب معلومات استخباراتية أن مصر تسعى لشراء طيارات يمكنها تزويد الطيارات فى الجو بالوقود، حتى إن لم يكن ذلك واقعيًا».
وبذكر «مؤتمر الفضيحة»، لا يمكننا أن ننسى ما احتواه من أفكار مضحكة، فهناك من نادى بتدخل مخابراتى، مثل «نور»، وآخر دعا إلى «تقليب القبائل الداخلية هناك مقابل الأموال»، وصولًا إلى مجدى حسين الذى اقترح «إلغاء السد العالى»، والربط الكهربائى مع إثيوبيا.
ولم يختلف موقف معتز مطر، فى برنامجه المذاع على قناة «الشرق» الإخوانية، فى حلقته بتاريخ ١٥ يوليو الجارى، حيث قال إن وسائل الإعلام الإثيوبية احتفلت لمدة ٨ ساعات كاملة بإعلان بدء ملء السد.
ومن غير المعروف مصدر «مطر» عن هذه المعلومة سوى خياله، فهيئة الإذاعة الإثيوبية أعلنت عن تصريحات ملء السد فى الثالثة عصرًا، لتعود وتعتذر عنها وتنفيها، بعد نحو ساعة واحدة فقط، فمن أين جاء هو بالـ٨ ساعات؟


«إثيوبيا أهم من ليبيا».. مخطط «أحفاد البنا» لخدمة ولى نعمتهم أردوغان

بطريقة خبيثة كعادتهم دائمًا، يروج عناصر جماعة الإخوان الإرهابية حاليًا لمقولة «إثيوبيا أهم من ليبيا»، زاعمين أن القيادة السياسية المصرية تتجاهل ملف سد النهضة الإثيوبى وتركز فقط على التصدى لتركيا فى ليبيا.
ويصعب على هؤلاء تصديق أن القاهرة حاليًا تتعامل مع أكثر من ٥ ملفات، من بينها ليبيا وسد النهضة الإثيوبى، بشكل متوازٍ ومتوازن، كما أنهم يجهلون أن صانع القرار المصرى يدرك جيدًا لعبتهم القذرة هذه.
مذيع «مكملين» محمد ناصر كان من بين هؤلاء، وحاول فى حلقاته الأخيرة إثارة أى معارضة لتحركات مصر للحفاظ على أمنها القومى، وتوحيد الليبيين والحفاظ على سيادتهم لأراضيهم، بالتعاون مع القيادات الليبية ومشايخ وأعيان القبائل.
وقال «ناصر»: «أى أمن قومى فى ليبيا؟ الأمن القومى هناك فى إثيوبيا.. يا ريت مصر تتحرك عشان تضرب السد مش سرت»، متناسيًا أن مصر لها حدود برية مباشرة مع ليبيا، التى تعد امتدادًا لأمنها القومى، بينما تركيا عبرت البحر المتوسط للتدخل فى سيادة البلد العربى الشقيق.
وكذلك كتب حمزة زوبع، الإعلامى الإخوانى، فى تغريدة على «تويتر»: «بدأوا ملء السد يا سيسى.. متى ستتقدم القوات؟ تجاه ليبيا طبعًا»، كما هاجم استضافة أبناء القبائل الليبية، واعتبر الموقف المصرى تجاه ليبيا «كلام فاضى ولعب بمشاعر الناس».
«زوبع»، وهو اسم على مسمى، يتحدث عن اللعب بمشاعر الناس، ويدافع فى نفس الوقت عن «أردوغان»، الذى يتسلح دومًا بـ«الكلام الفاضى» واللعب على مشاعر أنصاره لكسب تعاطفهم ودعمهم، وما تحويل متحف إلى مسجد ببعيد.
يزعم «ناصر» و«زوبع» وكل عناصر جماعة الإخوان أن مصر تشارك فى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، حال تدخلت فى تركيا، ويحرضون ضد أى خطوات مصرية للحفاظ على السيادة الليبية والأمن القومى المصرى، متجاهلين عن عمد أن الحدود البرية بين البلدين تتجاوز الـ١٢٠٠ كيلومتر، بل يرددون ما لقنهم إياه نظام «أردوغان» بأن عدوانه فى ليبيا «مبرر»، رغم عدم وجود حدود له مع ليبيا.