رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القيوم».. الافتقار إليه قمة العبودية


من أسماء الله الحسنى، اسم الله «القيوم»، سبحانه هو القائم على شئون عباده «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ»، فلا يغيب لحظة عن تدبير أمور خلقه، ولا يستريح من تعب، كل المخلوقات تخضع لأمره، ولا يمكن لأحد أن يستغنى عنه، ليست للإنسان ذاتية مستقلة حتى يستطيع أن يستغنى عن الله.. لا غنى عن الله أبدًا.. فالإنسان بحاجة إلى من يقيمه.. لـ«قيوم» يقيمه.. فهو لا يملك أن يقيم ذاته بذاته.
الله قائم بذاته، وكلنا قيامنا بالله.. نحن نحيا بإمداد الله لنا.. ومدد الله لنا هو سر وجودنا فى هذا الكون.. يوم القيامة مشتق من كلمة القيام: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ»، كل العباد بلا استثناء يقومون بين يدى الله القيوم.. كل واحد منا مفتقر إلى الله، أما الله سبحانه فقائم بذاته مطلقًا لا بغيره، ويقوم به كل موجود «كُن فَيَكُونُ».. زل فيزول.. كل شىء قائم به وهو قائم بذاته.. الشمس قائمة به والنجوم والبحار والناس.. فإذا أمر القيوم بإزالتها.. زالت «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ».
ومن عظمة الله القيوم، أنه يجعل كل شىء مفتقرًا إليه فى قيامه، فلا يوجد شىء فى هذا الكون قائم بذاته.. السماوات لا عمد لها.. كل إنسان له مهارات، ومفتقد إلى مهارات أخرى لدى غيره «توزيع المهارات»، فكل منا يحتاج إلى غيره.
وكان من دعاء النبى، صلى الله عليه وسلم، عند الاستيقاظ: «الحمد لله الذى أحيانى بعدما أماتنى وإليه النشور، الحمد لله الذى عافانى فى جسدى ورد علىّ روحى وأذن لى بذكره»، وكان إذا اشتد عليه أمر دعا الله: «يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث».
اسم الله الأعظم فى صحيح البخارى «اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن».. «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ»، القائم على كل نفس بما كسبت.. كل له معاملة.. الصادق له معاملة، والخائن له معاملة، والمهمل له معاملة، والكسول له معاملة.. الشاب العفيف قبل الزواج، له زواج خاص، وأولاد مختلفون، وعمل مختلف.. هذا هو القيوم.. كما أن الشاب المنحرف قبل الزواج له زوجة مناسبة، وأولاد مختلفون، وعمل مختلف.
«القيوم» يعامل كل إنسان بما يقيمه ويصلحه، لذلك جاء بعد القيوم: «لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ»، ولذلك جاء بعد القيوم «مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ»، لأن الكل مفتقر إليه فى الدنيا والآخرة.
ترى الدنيا صعبة أكبر من حجمك.. أكبر من قدرتك.. ادخل ربك مالك الملك فى المعادلة، لا تكن وحدك.. اخرج من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته.. ادخل ربنا فى معادلة حياتك.. فمشكلة أغلب الناس أنه مُصر على أن يعيش بحوله وقوته.. اخرج إلى حول الله وقوته.. تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه، إذا رأيت قوتك تذكر أن واهب القوة لك هو الله.. فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إذا رأيت مالك تذكر أن واهب المال لك هو الله. إذا تذكرت علمك.. تذكر قارون: «إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِى»، «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ».
تخيل لو أنك عشت بهذا الاسم اسم الله «الكبير».. كأنك تراه.. من كثرة تعلقك وإحساسك به.. تعبد الله به كأنك تراه.. فأسماء الله الحسنى هى طريق الإحساس العميق بالله.. طريقك للإحسان.. الذكر يملأ عقلك الباطن بحب الله.. وأفكارك وتصرفاتك هى ناتج المخزون فى عقلك الباطن، الذكر يملأ عقلك الباطل بالله، ولن تصل للإحسان إلا بالذكر.