رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أذربيجان.. وتجارة أردوغان بالإسلام


كل الأطراف دعت أذربيجان وأرمينيا إلى ضبط النفس ووقف إطلاق النار، إثر اشتباكات حدودية دامية.. لكن الغراب التركى «غرّد» منفردًا بدعمه طرفًا ضد الآخر، وأقحم، كعادته، «الإسلام» فى الموضوع، متجاهلًا أن أذربيجان إلى اليهود أقرب، وأن بينها وبين دولتهم المزعومة تعاونًا عسكريًا ومخابراتيًا، وأن لليهود الإسرائيليين فيها أكثر مما لغيرهم.
وسط المساعى الدولية، للتهدئة بين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين، ظهر الغراب التركى نعاقًا ولاعبًا على وتر التوتر، الذى أشعله على الأرجح، إذ لم يعد خافيًا على أحد أن العقلية العثمانية التوسعية التى تحرك الرئيس التركى جعلته يعيد قراءة الخريطة، بحثًا عن أى شبر كان يخضع لسيطرة أسلافه، كما أن هناك معلومات مؤكدة عن قيام ضباط أتراك بتدريب الجيش الأذرى وتسليحه، خاصة بالطائرات المسيَّرة، التى يقوم صهر أردوغان بتصنيعها، والتى رأينا عشرات منها تتساقط كالعصافير المُغتصَبة، بفتح الصاد، على الأراضى الليبية.
بدأت الاشتباكات الأحد الماضى، وأدت إلى مقتل ١٧ على الأقل، وفق الإحصاءات الرسمية. وما زالت الدولتان تتبادلان الاتهامات بشأن مَنْ بدأ القصف.. وفى خطوة مفاجئة، أقال الرئيس الأذربيجانى إلهام علييف، الخميس الماضى، وزير خارجيته، إلمار ماميدياروف، الذى يشغل منصبه منذ سنة ٢٠٠٤، وقرر تعيين جيحون بيراموف، وزير التعليم، خلفًا له، بزعم أن ماميدياروف غاب عن مكان عمله وقت بدء الاشتباكات، بينما ذكرت تقارير صحفية محلية أن وزير الخارجية المُقال كان من معارضى اللجوء للخيار العسكرى فى النزاع مع أرمينيا.
المهم، هو أن الولايات المتحدة وأوروبا وإيران دعت إلى وقف فورى لإطلاق النار، بينما قال أردوغان إن بلاده «لن تتردد أبدًا فى التصدى للهجوم على حقوق وأراضى أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة»، ثم نقلت وكالة أنباء الأناضول ما كتبه إسماعيل دمير، رئيس قطاع الصناعات الدفاعية، فى حسابه على تويتر، عن لقائه فى أنقرة مع قائد جيش جمهورية نخجوان (ذاتية الحكم)، ونائب وزير الدفاع الأذرى، والذى أوضح فيه أن الصناعات الدفاعية التركية «بكل خبراتها وتقنياتها وقدراتها وأنظمتها الحربية الإلكترونية» ستكون دائمًا تحت تصرف أذربيجان، مشيرًا إلى أن هناك «أنظمة جديدة وصيانة وتدريبًا ستقدمها أنقرة إلى باكو».
هذا الكرم التركى الزائد لا علاقة له بالإسلام، كما زعم أردوغان، ولا يرجع فقط إلى العداء التاريخى بين تركيا وأرمينيا على خلفية المذابح التى ارتكبها العثمانيون ضد مليون ونصف المليون من الأرمن، إبان الحرب العالمية الأولى، ولكن السبب الأساسى والرئيسى هو العقلية العثمانية التوسعية، كما أشرنا، إضافة إلى أن أذربيجان غنية بالنفط، الذى يسيل له لعاب، أو «ريالة» الرئيس التركى.. وربما أراد، أيضًا، أن يتحرش، مجددًا، بروسيا، الداعمة لأرمينيا، كما فعل حين أعلن عدم اعترافه بضمّها شبه جزيرة القرم، وقام بتطوير علاقاته مع أوكرانيا.
قد لا يلتفت الغراب التركى إلى دعوات التهدئة الأمريكية، الأوروبية، الإيرانية، أو الأممية، لكن المؤكد هو أن فرائصه ارتعدت، وتحسس «قفاه» أو جبهته، وربما أشياء أخرى، حين قال ديميترى بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أعرب، خلال لقائه مجلس الأمن القومى، عن «قلقه العميق من التصعيد الحالى»، وأنه شدّد على ضرورة «ضمان وقف إطلاق النار» بشكل عاجل.
سبق أن توسطت روسيا بين أرمينيا وأذربيجان خلال مواجهات سابقة بين البلدين اللذين يتنازعان منذ عقود حول مرتفعات ناجورنى قره باخ، التى تقع جغرافيًا داخل أذربيجان، لكن يسكنها الأرمن، وتشهد حربًا منذ بداية التسعينيات، أسفرت عن مقتل ٣٠ ألف شخص من الجانبين، غير أن الاشتباكات الحالية وقعت بعيدًا عن هذا الإقليم: على الحدود الأرمنية الأذربيجانية، فى منطقتى توفوز وتافوش على الحدود مع جورجيا.. وليس مستبعدًا أن يكون للغراب التركى دور فى إشعالها؛ توسيعًا لنفوذه ولفتح أسواق جديدة أمام تجارته بالإسلام.
هذه التجارة، أو محاولة وصف الصراع بأنه بين «أرمنى مسيحى» و«أذربيجانى مسلم»، قائمة على تدليس و«تهييس»، ليس فقط لوجود تعاون عسكرى بين باكو وتل أبيب، ولكن أيضًا لأن الإسرائيليين يسيطرون على اقتصاد أذربيجان، ما يجعل التوصيف الأكثر واقعية، لو جاز إقحام الدين فى الموضوع، هو أن الأرمنى المسيحى، المدعوم من روسيا المسيحية، يواجه الأذربيجانى المسلم، شكلًا، المدعوم من اليهود، ومن أردوغان، الذى لا يعبد غير الغاز وكرسى الحكم.
لا علاقة للإسلام، إذن، بالطرفين المتنازعين، أو بالأطراف الداعمة، ولو أردت مزيدًا من التأكيد، نشير إلى أن مهريبان عارف قيزى علييف، سيدة أذربيجان الأولى، التى هى نفسها نائبة الرئيس، تحمل الدكتوراه الفخرية من «أكاديمية إسرائيل الطبية»، كما أن ابنتها ليلى، ابنة الرئيس الأذربيجانى، إلهام علييف، كانت متزوجة، حتى سنة ٢٠١٥، من أمين أجالاروف، المغنى ورجل الأعمال المعروف، الذى يحمل الجنسيتين الروسية والإسرائيلية، إضافة إلى جنسيته الوطنية!.