رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أهمية أن ننضبط يا ناس


مع الاعتذار للكاتب الكبير الراحل يوسف إدريس وعنوان مقاله وكتابه المهم والشهير «أهمية أن نتثقف يا ناس»، ولكن لا بديل أروع من التعبير عن مباشرة التواصل مع مواطنينا على هذا النحو المؤثر ولكن المفعم بأمل الاستجابة.
لا شك أنه موقف وإعلان مهم كنا ننتظره من أيام حقب الترهل الإدارى والتهاون فى الرقابة والتراجع عن التجويد والنوم العميق بدلًا من السعى للتطوير.. نعم أسعدنا كمواطنين إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى وتشديده على ضرورة محاربة أوجه الفوضى والمخالفات التى تتم من جانب قطاع من البشر ما زالوا يمارسون العمل الانتهازى عبر استغلال ثغرات فى اللوائح والقوانين أو اللعب مع أصحاب النفوس المريضة غير الوطنية للأسف ودون مواجهات قانونية نافذة وعاجلة لعقابهم.
أسعدنا تصريح الرئيس الحازم: «لن نعود إلى ما كنا عليه من فوضى فى كل شىء، هذه المراحل انتهت، الفوضى غير مقبولة هذه بلدنا كلنا.. هو ليه محدش فكر محافظ أو رئيس حى أو وزير مختص، وقال بلاش نبنى تانى فى المحافظات دى، ولو هنبنى يكون الارتفاعات قليلة، فى مناطق زى مصر الجديدة، العباسية، مدينة نصر، المطرية، شبرا، كنتوا مستنين إيه يا مصريين ويا مسئولين علشان تتصدوا وتقولوا كفاية كده، الحل هيكون إيه، هو بس نقول إن المرور مش بيضبط ليه».
معلوم أن حياة الإنسان يتخللها صراع ساخن مستمر بين الغرائز والمصالح والرغبات والأنانية، وبين ما يمثل الضابط للتعامل والتفاعل مع تلك الغرائز والرغبات، وذلك عبر مجموعة الضوابط الاجتماعية «قيم وأعراف»، القيم الحضارية «تفاعل الإنسان مع الآخر ومع المحيط» والوازع الدينى «تعاليم الكتب المقدسة» والقانون. فإن طغت الأولى المتمثلة فى الغرائز والمصالح الخاصة تحت أى اسم تفشت الجريمة والعنف وأكل القوى حق الضعيف، وإن طغت الثانية انتشر الأمان والبناء والتعاون والتطور العلمى. وبما أن الهدف الأسمى من وجود الإنسان هو إعمار الأرض، فلا بد من إطلاق قدرات الفرد ضمن الضوابط القانونية والاجتماعية والحضارية والدينية دون تقييد.
لقد كنا نتميز غيظًا من مشهد الأبراج الهائلة وهى تعلو، ثم وهى تُزال بعد شهور من وجودها، وكنا نسأل أين كان المسئول الممثل للعديد من الأجهزة التنفيذية والرقابية، بينما كان صاحب البناء يرتكب العديد من المخالفات والتى قد يكون من بينها البناء على أرض الدولة، وبارتفاعات متجاوزة كل شروط البناء، والحصول على حقوق توصيل المياه والكهرباء وغيرها والمستحقة فقط لمن يمتلكون أوراقًا معتمدة حكومية للحصول عليها؟.
والغيظ وكل علامات الاستفهام والتعجب على كل ما طرح الرئيس من أمثلة لعموم التصرفات الفوضوية، وكأن أصحاب المخالفات وبناياتهم المخالفة قد ارتدوا «طاقية الإخفاء» حتى يبدو المشهد وكأنه الاحتجاب النهائى عن عيون أهل المسئولية والرقابة حتى يتم تمكين أهل تلك المخالفات على مدى شهور وسنين ليفرضوا واقعًا جديدًا على الأرض، وهو ما كشفه الرئيس وأعلنه أنه لا عودة لأزمنة الفوضى وعودة الدولة الفاعلة بكل مؤسساتها التنفيذية والرقابية والقانونية والأمنية.
فى مواجهة تلك الفوضى يجدر التفريق بين الانضباط الفردى والانضباط العام، لأن الانضباط تنظمه مجموعة من القواعد والمحددات الضاغطة التى يفرضها كل من المجتمع والأسرة.
لقد شاهدنا تلك الملامح المبشرة بعودة الدولة الفاعلة عندما قررت الحكومة ووزارة التربية والتعليم عقد امتحانات الثانوية العامة فى موعدها، ووضع كل الخطط التنظيمية لنجاح القرار الإدارى وتفعيله، وكان من الممكن ومن باب الاستسهال الفوضوى إصدار قرار بالتأجيل إلى موعد لاحق هروبًا من تحمل المسئولية فى ظروف المعاناة من وباء عالمى، إنها جدية دولة محترمة تعى مؤسساتها دورها الوطنى مهما كان الثمن.
وبداية الدولة الفاعلة التى يعمل فيها القائد ومؤسسات الدولة بمفهوم العمل على إدارة المواجهات القوية الناجزة لتحقيق مشروع وطنى اقتصادى بقرارات علمية وبخطط إدارية منضبطة الأداء، وليس بشعارات شعبوية تغازل المطالبات بسد احتياجات الناس الوقتية حتى لو كانت على حساب أجيال قادمة، ولعل وضع وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادى وما حققته من نجاحات خير شاهد على إدارة واعية بكل الظروف الداخلية والخارجية الضاغطة بعنف لتصعيب بلوغ الأمل المستهدف من بذل كل تلك الجهود.
لا شك أننا نواجه مع الرئيس تبعات «فوضى الإدارة»، التى تتجلى مظاهرها فى الهياكل التنظيمية الخادعة، ووجود مركزية شديدة فى الهياكل الإدارية تمتاز بطول خطوط السلطة بين المستويات الإدارية المختلفة نتج عنها ضعف الرقابة ووجود رؤساء متسلطين يصاحبهم مديرون تابعون وضعفاء أثاروا الفوضى وأضاعوا الأوقات والطاقات، مما أدى إلى الفشل المحقق والفتور، فهى تعتبر وسيلة تلجأ إليها كل إدارة ضعيفة لتضمن البقاء والاستمرار، وفى نفس الوقت تضمن عدم وقوعها تحت طائلة المسئولية الإدارية.. لقد قررنا تفعيل آليات دولة القانون، ولا مكان للخونة والفاشلين والانتهازيين.