رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنعاش الاقتصاد.. خلافات أوروبية حول خطة مواجهة تداعيات كورونا

 الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي

يعقد قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 غدا الجمعة قمة استثنائية لمدة يومين ببروكسل، لمناقشة خطة الإنعاش الاقتصادي المشترك لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، والموازنة طويلة الأجل القادمة للاتحاد الأوروبي للفترة من 2021-2027، وسط خلافات بين الدول الأعضاء حول خطة الإنعاش وتوقعات بعدم التوصل إلى اتفاق.

وتعد هذه القمة هي الأولى من نوعها منذ أربعة أشهر، حيث أنها المرة الأولى التي يجتمع فيها القادة الأوروبيون وجها لوجه، وليس عبر (فيديو كونفرانس) منذ بدء جائحة كورونا في القارة الأوروبية.

ويعول العديد من القادة الأوروبيون على أهمية هذه القمة، حيث أنها تتناول مقترحا من المفوضية الأوروبية لحزمة دعم بقيمة 750 مليار يورو (847 مليار دولار) لمساعدة التكتل على التعافي من الركود التاريخي الناجم عن تداعيات وباء كورونا، وتأتي هذه الأموال لاستكمال مقترح لميزانية 2021-2027 للاتحاد الأوروبي، بقيمة 1100 مليار يورو التي يفترض أيضا أن تتوافق عليها الدول الأعضاء خلال القمة.

وكان قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 قد عقدوا الأسبوع الماضي جولة أولى من المحادثات عبر (فيديو كونفرانس) ولكنها لم تخرج بنتائج مثمرة نتيجة استمرار الاختلاف في وجهات النظر، وعَبر كثيرون منهم عن أملهم في التوصل إلى اتفاق خلال قمة الغد.

ومن جانبه، توقع رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، "مناقشات صعبة" في هذه القمة الاستثنائية.. مؤكدا أنه "حان وقت العمل واتخاذ القرار الذي يعتمد على الشجاعة السياسية" لرؤساء الدول والحكومات الأوروبية.

في السياق ذاته، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في تصريحات متكررة، الشركاء الأوروبيين إلى أهمية التوافق سريعا حول خطة التعافي الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي.. وشددت ميركل - التي تترأس بلادها الاتحاد الأوروبي حاليا - على ضرورة أن يكون الرد الأوروبي" قويا جدا لإعطاء إشارة واضحة إلى أن أوروبا تريد الاتحاد في هذه الأوقات الصعبة. هناك بعد سياسي لهذا الأمر".

كما دعا رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، الاتحاد الأوروبي إلى سرعة اتخاذ قرار حول خطط الإنعاش، مؤكدا أن التكتل يجب ألا يفكر في حل وسط بشأن حجم الخطة، وأن "التاريخ يعلمنا أن الرد الأمثل لا يساوي الكثير إن جاء بطيئا جدا".

ويعد مقترح المفوضية الأوروبية لخطة الإنعاش مستوحى بدرجة كبيرة من مبادرة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا الشأن. وتهدف هذه المبادرة إلى تقديم تعويض جزئي عن التداعيات الاقتصادية للوباء التي أصابت الاقتصاد الأوروبي بركود ضخم مع تراجع بنسبة 8،3% في الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي عام 2020، وفقا للمفوضية الأوروبية.

وتضمن خطة الإنعاش، البالغ قيمتها 750 مليار يورو، إعادة توزيع 500 مليار في إطار الميزانية الأوروبية على شكل منح للدول الأكثر تضررا جراء الأزمة الصحية، مثل إسبانيا وإيطاليا، و250 مليارا على شكل قروض، وينبغي أن يتم ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء البالغ عددهم 27.

ويرى بعض القادة الأوروبيين الذين يتبنون هذا المقترح أنه في حالة الاتفاق على خطة إنعاش لإخراج القارة الأوروبية من حالة الركود التاريخي التي تمر بها، فإن ذلك سيعد إنجازا بالغ الأهمية، لأن هذا المبلغ سيكون للمرة الأولى مقترضا باسم الاتحاد الأوروبي في الأسواق.

غير أن هذا المقترح يواجه معارضة من قبل الدول الأربع هولندا والنمسا والسويد والدنمارك، وهي من أكبر المساهمين في ميزانية الاتحاد، حيث تتحفظ هذه الدول على خطة ستستفيد منها بشكل أساسي دول الجنوب الأكثر تضررا بالوباء مثل إيطاليا وإسبانيا، وتعارض هذه الدول الأربعة فكرة إدراج تقديم المنح ضمن الخطة، واقترحت بدلا من ذلك اقتصار الدعم على تقديم القروض، والتي لابد أن تكون مرتبطة بإصلاحات اقتصادية ملزمة.

وفي هذا السياق، قال المستشار النمساوي، زيباستيان كورتس، إن بلاده تريد أن تذهب الحصة الأكبر من تلك المساعدات إلى "أفقر دول التكتل"، بحيث تتدفق في المقام الأول إلى "الأعضاء الأشد فقرا"، دون أن يحدد دولا بعينها، مشيرا إلى أنه سيناقش فكرة المزج بين المنح والقروض.

وفيما يتعلق بملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من المقرر أن تتناول القمة مقترح رئيس المجلس الأوروبي إنشاء "احتياطي" بقيمة خمسة مليارات يورو يمكن استخدامه لتخفيف تداعيات خروج بريطانيا من التكتل نهاية العام الجاري، على أن يتم تخصيص هذا المبلغ للدول الأعضاء والقطاعات الأكثر تأثرا، ولم تحرز مفاوضات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي أي تقدم ملحوظ حتى الآن بشأن علاقتهما المستقبلية، وفي حالة استمرار الوضع على هذا الحال فإن بريطانيا ستخرج نهاية العام بلا اتفاق وهو ما سيجعل علاقتها مع الكتلة الأوروبية تخضع لقواعد منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي لا يصب في مصلحة الطرفين.

وتسببت جائحة كورونا في أضرار بالغة للاقتصاد الأوروبي، حيث تعاني دول الاتحاد من أكبر ركود اقتصادي خلال العقود الماضية، حيث تسببت إجراءات العزل والغلق المفروضة منذ منتصف مارس الماضي إلى إلحاق أضرار كبيرة بمختلف القطاعات وهو ما أدى بدوره إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي في معظم دول القارة العجوز، هذا بالإضافة إلى تأثر قطاع السياحة الذي يعتبر موردا أساسيا لدول القارة الأوروبية.

ووفقا للمراقبين فإن التوقعات الاقتصادية على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة غير مبشرة بدرجة كبيرة خشية من تسبب القيود التي دامت لأسابيع عديدة في إلحاق أضرار طويلة المدى بالاقتصاد.

في هذا السياق، توقعت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أنه بعد التخفيف التدريجي لإجراءات الحظر التي اتخذت مؤخرا فإنه من المتوقع أن تشهد الاقتصادات الأوروبية انتعاشا، لكن "سرعته ونطاقه يكتنفهما قدر كبير من الشكوك".

وحسب (المركزي الأوروبي) فإنه قد يحدث انكماش يتراوح بين 5% و12% من الناتج المحلي في منطقة اليورو هذا العام، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي تراجع النمو في منطقة اليورو بنسبة 7.5% هذا العام، يليه نمو بنسبة 4.7% و1.4% في العامين المقبلين.