رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف ننجو وسط البحر وخشب السفينة يهاجمه «كورونا»؟


حتى فى زمن الكورونا لا يزالون يتكلمون عن الوزن الصحى المثالى للجسم، وعن الأعشاب التى تذيب الدهون وتخفف من السمنة.
أصبح التخلص من زيادة السعرات الحرارية التى تدخل أجسامنا وتتفق مع متطلبات الجسم المثالى مادة للإعلام حتى فى زمن الكورونا الذى يقتل الجسم حتى لو كان يتمتع بالوزن الصحى المثالى.
أنا لست ضد الحفاظ على جسد صحى، نشيط، يساعد الناس على المزيد من الاستمتاع بالحياة، لكننى ضد تناول أى مشكلة أو ظاهرة دون أبعادها المتكاملة، ودون تحديد ما هو رئيسى وما هو فرعى، بين ما هو السبب وما هو النتيجة.
يتم إظهار الناس على أنهم ليسوا فقط مخطئين فى حق أنفسهم، ولكنهم أيضًا يضرون مجتمعهم، فالشعب المريض لن يكون أداة إنتاجية مُثلى.
كذلك تغيب مسئولية المجتمع عن أمراض الشعب، أو كيف يلجأ إلى عادات غذائية مضرة.. كل البرامج الإعلامية تتكلم عن أمراض الناس واضطرابات الأفراد وأنماط الحياة غير المتزنة للرجال والنساء، ولا نجد برنامجًا واحدًا يتكلم عن أمراض المجتمع، لا أقرأ، ولا أسمع، ولا أرى، مواد إعلامية بالكثافة نفسها عن نمط فيروس «كورونا» فى التهام، ليس الصحة فقط، ولكن الحياة كلها مهما دخلت بطوننا أطعمة صحية لا تسبب السمنة.
لا يوجد برنامج واحد يناقش الأضرار الصحية والاضطرابات النفسية والعصبية والجسمية الناتجة عن الضوضاء، وتلوث الهواء بالعادم، وتلوث الخضروات والفاكهة بالمبيدات، وتلوث الشوارع والحوارى بالقمامة والفضلات والنفايات، لا أحد يقول لنا كيف نتأقلم مع «كورونا» ونتفادى اكتئاب الفيروسات.
نحذر الناس من الإفراط فى الأكل، وننسى أن الذين يفرطون فى الأكل نسبة ضئيلة، حيث ما يزيد على ٤٠٪ من الشعب المصرى تحت خط الفقر، فكيف إذن يفرطون فى الأكل وهم أصلًا لا يتحصلون إلا على الفتات اللازم فقط للبقاء على قيد الحياة؟
أما الأغنياء الذين لديهم طعام وفير ويقدرون على الإفراط فى الأكل فهم إما مرضى بداء عضوى يجعلهم يأكلون أكثر من احتياج الجسد، أو يعانون من أمراض نفسية مثل الاكتئاب، أو يشعرون بالإحباط والملل وانعدام الهدف وخيبة الأمل والندم على قرارات وسلوكيات فات أوان تصحيحها.
إن المرأة مثلًا التى تُفرض عليها أدوار حددتها الثقافة الذكورية لا تسعدها، لن تنفعها، طرق التخسيس، المشكلة ليست فى الأكل ولكن مع منْ تأكل هذه المرأة؟ وفى أى إطار؟ ولماذا تأكل؟ وما الثمن الذى تدفعه لتأكل؟
والرجل مثلًا الذى يشعر بالتعاسة وخيبة الأمل بعد زواجه بامرأة كان يظنها جنة الله على الأرض، سوف يفرط فى الأكل تعبيرًا عن هذه الحالة وتنفيسًا عن عجزه فى إنهاء هذا الزواج.
إن الإنسان الذى يعيش حياة ضد إنسانيته، وضد كرامته، وضد تحققه، يستحيل أن يكون سليم العقل أو رشيق الجسم، ولن تنفعه أدوية العالم ونصائح الأطباء، ننام ونصحو على أخبار الإرهاب والحروب والمجاعات والجرائم البشعة من أجل الفلوس أو الانتقام أو الشرف أو الثأر.
نعيش مع زعيق الميكروفونات، ونشم عوادم السيارات، ونفايات الثقافة، وإعلانات المنتجعات الفاخرة، نتعرض يوميًا للكذب والخيانة.
نعاصر عدم العدالة والفساد الذى يتحايل على القانون، والازدواجية الأخلاقية التى ترسخها العادات والتقاليد البالية، والتعصب العنصرى والدينى الذى أصبح متأصلًا فى الوجدان، والفن المتدنى، وإذا أضفنا زمن الكورونا وما ينتج عنه من اكتئاب وقلق وعنف أسرى متزايد، سندرك كم من الصعب أن نقدم للناس نصائح تقليل الوزن والحفاظ على جسم مثالى.
هل يمكن أن نعيش وسط كل هذه الأمراض ولا نمرض؟ هل يمكن أن نتواجد على كوكب محترق دون أن تمسنا النار؟ السلاح أهم من الإنسان، والمال أهم من الإنسان، السُلطة أهم من الإنسان، أهذا عالم نستطيع فيه أن نتمتع بوزن صحى؟ أى جسم مثالى نلهث وراءه فى زمن الفيروسات والأوبئة التى تقتحم بيوتنا وجهازنا التنفسى دون هوادة؟
من المستحيل أن نكون أسوياء على كوكب مريض، والجسم الرشيق وهم وسط قيم مترهلة مصابة بالتخمة، من الصعب أن نشعر بالسعادة فى عالم يعيش على جثث الفقراء والمهمشين والنساء والضعفاء والنازحين من أوطانهم.. وأن نكون عقلاء فى حضارة مختلة شىء غير ممكن، كيف ننجو وسط البحر ونحن على سفينة ربما تغرق لأن «كورونا» قد هاجم الخشب المصنوعة منه؟
من بستان قصائدى
نعتقد أن لا أحد قبلنا.. أمتعه مذاق القهوة
وأسعده الحب والرقص تحت المطر.. نعتقد أننا أول منْ اختبر الحياة
وعاش أفراحها وأحزانها.. نعتقد أننا أول منْ كتب الأشعار
وتأمل فى دهشة وانبهار.. تعاقب الليل والنهار
نعتقد أننا أول منْ فقد الأحباب.. بداء مفاجئ أو حادث مخيف
أو بفيروس فتاك قهار.. نعتقد أننا أول الحكمة وآخر الحماقات
وأننا امتلكنا كنوز الأرض.. وأسرار السماوات
نعتقد أننا رغم ملوحتنا وجفافنا.. أصل الماء ومنبع الأنهار.