رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«عصرى جدًا فى فلسفته وإنسانيته».. ما لا تعرفه عن الإمام محمد عبده

الإمام محمد عبده
الإمام محمد عبده

تحل اليوم، الذكرى الـ115 لوفاة الإمام محمد عبده، الذي رحل عن عالمنا في يوم 11 يوليو لعام 1905، إذ يعد علما من أعلام النهضة الإسلامية، وقائدًا من قادة الفكر العربي، وزعيمًا من زعماء الإصلاح المصري، بجانب كونه فيلسوفًا إنسانيا، ومجددًا دينيًا، وباحثًا اجتماعيًا.

وفي مقال نشر بمجلة "العربي" بعددها رقم 95 والصادر بتاريخ 1 أكتوبر 1966، تحت عنوان "رائد الفكر العربي الحديث: الإمام محمد عبده" للكاتب عثمان أمين، محتفيا بالذكرى الحادية والستين لوفاته، سلط الضوء على حياته التي قضاها بين التعلم والتعليم وإعلاء شأن الدين ونفع المسلمين.

لم يكن محمد عبده أحد كبار أئمة الإسلام فحسب، بل كان أيضا فيلسوفا بأسمى معاني الكلمة وأصدقها، وضع لهداية العمل مذهبا خصبا، واتخذ من أغلب المسائل الفلسفية موقفا لا تعوزه الأصالة ولا الاستقلال.

وحسب المقال؛ فكان له - فوق هذا- مزاج الفيلسوف الحق الذي يميل في كل ما يعرض له، إلى التأمل والرؤية، وينحي عن ذهنه طغيان الآراء المألوفة المشهورة، ولا يستسلم لحكم الأمر الواقع، بل كان يسلك الطريق الفلسفي على الأصالة، ذلك الطريق الأفلاطوني، القديم، الذي جدده "ديكارت" وأعاد بناءه كـ"نمط"، ونعني به تغليب "الجواني" على "البراني"، والنظر إلى الإنسان بعين الروح، وإخضاع العالم لشرعة العقل.

وقد فهم محمد عبده حق الفهم أن التفكير الفلسفي لا يمكن أن يبقى دائماً نظرياً فحسب، وأنه لا يستطيع أن يعطينا عن الوجود وجدانا مليئا وتملكا صحيحا إلا إذا استطاع أن يفحمنا في الدنيا، بدلا من أن يخرجنا منها، وأن يلزمنا أن نتحمل مسئولية شخصية بإزاء كل ما يحدث فيها، بدلا من أن يدعونا إلى أن نجد في استقلال الفكر وعزلته ملاذا نلوذ به.

بهذا المعنى السامي؛ كان محمد عبده فيلسوفا جديرا بهذا الاسم الجميل، على يديه عادت الفلسفة في العالم العربي الإسلامي إلى ما كان ينبغي أن تكون عليه دائما، فأضحت تأملا روحيا في معنى هذه الحياة الإنسانية، وتحقيقا لوعي الإنسان لذاته، وبحثا عن دعائم العمل والأخلاق.

ومحمد عبده عصري جداً في فلسفته، وإنه لشديد القرب منا، متى راعينا الاتجاهات العامة لفكره، وسيادة الشعور الأخلاقي على مذهبه.

واستطاع بتعاليمه في مصر وبلاد العروبة والإسلام أن يرفع لواء القيم الروحية، وأن يؤدي للوعي الإنساني ما ينبغي له من احترام، واستطاع كذلك أمام القوة الغاشمة أن يؤيد حقوق الضمير ومطالب الأخلاق، ففتح بذلك للفلسفة في العالم الإسلامي والعربي آفاقا بعيدة واسعة.