رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جاسوس مصرى فى ألمانيا.. وماله!



لا اسم، لا جنسية، ولا أى تفاصيل أو معلومات. ومع ذلك، أنهى الموقع الإلكترونى لهيئة الإذاعة الألمانية، دويتشة فيلة، تقريرًا عنوانه «الكشف عن جاسوس مصرى فى محيط الناطق باسم ميركل»، بأنه «لم يرد أى تعليق رسمى من أى جهة مصرية على هذه المعلومات»، الأمر الذى يجعل التعليق الأنسب هو: «وماله»!.
يقولون «وماله» تعبيرًا عن عدم الاكتراث، أو استخفافًا بالنتائج المترتبة على الفعل، كقول الأستاذ عمرو دياب: «وماله لو ليلة تهنا بعيد.. وسيبنا كل الناس». أو كقول آخرين: «هى سابت طب وماله.. كل حى يروح لحاله». وهناك وقائع، بالمئات، تؤكد أن ألمانيا سابت، أمنيًا ومخابراتيًا، وصارت ملعبًا مفتوحًا للمخابرات الأمريكية، الروسية، الصينية، التركية، الإيرانية والإسرائيلية و... و... وغيرها. بينما بات دور المخابرات الألمانية يتلخص فى الإعلان عن الجرائم، التى يرتكبها عملاء تلك الأجهزة، على الأراضى الألمانية، بعد وقوعها.
إلى جانب جهاز المخابرات الخارجية، وجهاز المخابرات العسكرية، هناك «هيئة حماية الدستور»، أو المخابرات الداخلية الألمانية، التى قامت، أمس الأول الخميس، بتسريب تقرير زعمت فيه أنها اكتشفت وجود «جاسوس مصرى» فى محيط المتحدث باسم المستشارة الألمانية. وطبقًا لما نقلته صحف ألمانية عن ذلك التسريب، فإن موظفًا من الفئة المتوسطة، يقوم باستقبال زوار «المكتب الصحفى الاتحادى»، ظل لسنوات يعمل لصالح جهة مخابراتية مصرية!.
التسريب، أو تقرير الهيئة، ذكر أنه فى ديسمبر ٢٠١٩ قامت «الشرطة الجنائية الاتحادية» بإجراءات تنفيذية، نيابة عن المدعى العام، ضد هذا الموظف، وأن التحقيق ما زال مستمرًا. وأشار إلى وجود دلائل تفيد بأن «أجهزة مصرية تحاول جذب مواطنين يعيشون فى ألمانيا لأغراض مخابراتية». موضحًا أن مصر بها جهازان سريان يعملان فى ألمانيا هما جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطنى. وحسب التقرير فإن الجهازين يهدفان إلى «جمع معلومات عن المعارضين الذين يعيشون فى ألمانيا، مثل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين».
من جريدة «بيلد»، إلى موقع «دويتشة فيلة» إلى وكالة الأنباء الفرنسية، ثم «روسيا اليوم» و«يورو نيوز» و... و... وغيرها من الصحف والمواقع، الأجنبية والعربية، تمت إعادة تدوير محتوى التسريب أو التقرير الذى لم يتضمن أى شىء عن طبيعة المعلومات التى «نقلها» الجاسوس المشتبه فيه. ما دفع جريدة «دى فيلت» إلى استنتاج أن يكون قد جمع «بيانات عن صحفيين مصريين» يعملون فى ألمانيا. واستنتج موقع «فوكوس» أن تكون المخابرات المصرية معنية بمتابعة «أشخاص من أصول مصرية، مثل أفراد الجمعيات القبطية المسيحية»!.
هيئة حماية الدستور، تتبع وزارة الداخلية الاتحادية، وتختص بالحفاظ على الأمن الداخلى ومواجهة التجسس الخارجى، ومكافحة التخريب. لكن الثابت هو أنها فشلت فى لعب هذا الدور، وكانت فضيحتها بجلاجل وشخاليل، حين تم اكتشاف تجسسها على الصحفيين الألمان، بدءًا من ستيفان أوست، رئيس تحرير مجلة دير شبيجل، وأنت نازل. ووقتها، تحديدًا فى ١٦ مايو ٢٠٠٦، عقدت رابطة ناشرى الصحف الألمانية اجتماعًا، انتهى ببيان أعربت فيه عن خيبة أملها فى الهيئة، واستنكرت أيضًا قيامها بتجنيد صحفيين للتنصت على زملائهم. وكانت نكتة، حين طالبت المستشارة الألمانية الهيئة بعدم التجسس على الصحفيين أو استعمالهم كـ«مخبرين» أو عملاء!.
ما يؤكد فشل الهيئة فى القيام بدورها هو أن مكتب الادعاء العام الألمانى اتهم، فى ٥ مايو الماضى، هاكر روسى، اسمه ديمترى بادين، بالاستيلاء على محتوى البريد الإلكترونى لنواب البرلمان الألمانى «البوندستاج»، ورجح أن يكون قد تسلل، أيضًا، إلى جهاز كومبيوتر مكتب المستشارة ميركل بمقر البرلمان. وفى ٢٤ مارس الماضى، قضت المحكمة العليا فى كوبلنز، بسجن مترجم بالجيش الألمانى، بعد إدانته بالتجسس لحساب إيران، وقيامه، منذ سنة ٢٠١٣، بتمرير معلومات تتضمن «خرائط للجيش الألمانى» وتحليلات لوزارة الدفاع!.
غير المخابرات الأمريكية، التى فضحت تسريبات إدوارد سنودن تنصتها على تليفون المستشارة الألمانية، فإن المخابرات التركية، لها أكثر من ٨ آلاف عميل داخل ألمانيا، بحسب إريك شميدت - إينبوم، مؤلف كتاب «المخابرات التركية فى أوروبا»، الذى أكد أن الأئمة الأتراك المنتشرين فى حوالى ألف مسجد، يلعبون دور الوسيط بين هؤلاء العملاء والمخابرات التركية. والأكثر من ذلك هو أن المخابرات التركية تمكنت من اختراق الشرطة الألمانية. وحدث أن حاولت السلطات فتح تحقيق مع عدد من العملاء الأتراك، وفوجئت بعودتهم إلى تركيا، قبل بدء التحقيق!.
الخلاصة، هى أن وجود عملاء لكل أجهزة مخابرات العالم، فى ألمانيا، صار أمرًا طبيعيًا، عاديًا، ومتوقعًا. أما غير الطبيعى، أو المشكوك فيه، فهو نجاح المخابرات الألمانية، بأجهزتها الثلاثة، فى اكتشاف أحد هؤلاء العملاء، ما يرجّح انتهاء التحقيق مع «الجاسوس المصرى» المفترض، أو الوهمى، إلى لا شىء. ووقتها، سيكون التعليق الأنسب، أيضًا، هو: «وماله»!.