رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الحرباء» قصة تشيخوف عن كلب السيد

الحرباء
الحرباء

ذكرتنى قصة "الحرباء" التى كتبها تشيخوف منذ ما يزيد على قرن من الزمان بقصيدة "كلب الست" التى نظمها الشاعر أحمد فؤاد نجم هجاءً فى السيدة أم كلثوم، حين قام كلبها بعض رجل ريفى كان فى طريقه أمام فيلا أم كلثوم بالزمالك، فلم يجد الرجل حقًا ولا باطلًا كما يقول المثل الشعبى، حيث قام المحقق باتهام الرجل البسيط أنه هو من عض الكلب وربما أصابه بالتلوث.

هكذا كان نظم الفاجومى وهكذا سبقه شيخوف ليظهر سوءات مجتمعه ليبين أن الناس يجب أن يكونوا سواسية بصرف النظر عن مواقعهم الاجتماعية.

وتبدأ القصة بالمحقق أتشيمولوف وخلفه بعض مساعديه وهم يتجولون بالسوق فإذا هم يسمعون جلبه فى المكان فيتحركون نحو مصدر الضجيج فإذا بالعامل خربوكين يرفع إصبعه الدامى لأعلى ويصرخ أمسكوا هذا الكلب اللعين، فيجتمع أهل السوق ويقبضون على الكلب فإذا بالمحقق أتشيمولوف ينفخ أوداجه ويهدد بمعاقبة صاحب الكلب الذى تركه يفعل فعلته الشنعاء فى السوق، وأقل عقوبة لصاحب الكلب هى أن يدفع تعويضا لخربوكين، الذى أكد على قول المحقق وقال إنه لن يقدر على العمل لأسبوع كامل.

وبينما خربوكين يشعر بالفرحة والنصر على الكلب الذى كان يرتعد أمامه بل وعلى صاحبه الذى لم يعرف بعد، فوجئ بأن مساعد المحقق يهمس فى أذن أتشيمولوف بأن الكلب واحدا من كلاب السيد جيجالوف، انتفض أتشيمولوف وخلع معطفه وقال لم أصبح الجو حارا ومتى ينزل المطر، فإذا بأحد التجار يقول إن هذا الكلب لا يخص جيجالوف لأنه كلب رخيص الثمن فابتلع أتشيمولوف ريقه وقال نعم هو كلب رخيص وسنعاقب صاحبه.

وظهر طباخ جيجالوف فسأله أحد مساعدى أتشيمولوف هل هذا كلب السيد جيجالوف فقال لا، فشد المحقق نفسا عميقا ينم عن ارتياح شديد، غير أن الطباخ فاجأه بقوله مستدركا ولكنه كلب شقيقه، فقال أحد التجار إن خربوكين هو من أثار الكلب، حيث أراد أن يطفئ السيجارة فى أنفه، فما كان من الكلب إلا أن دافع عن نفسه، فصاح أتشيمولوف وهاج وماج وقال لخربوكين كيف تؤذى هذا المخلوق الضعيف أيها الغبى، ثم يحتضن الكلب ويمشى به فى السوق وهو يتوعد خربوكين بقوله سأعود لك.

أراد تشيخوف بطريقته العربية وخلطته السحرية المعهودة أن كلب السيد أهم من المواطن الفقير أو المواطن العادى، وهذا لا يستقيم، فالمواطن مواطن والكلب كلب، مهما بلغت مكانة صاحبه، وكان من الممكن أن يسمى القصة "كلب السيد" كما سمى الفاجومى قصيدة من بعده "كلب الست" إلا أنه سماها الحرباء، كى يوضح مدى وضاعة أتشيمولوف المتلون الذى أقر بعقاب صاحب الكلب فى البداية حين كان يعتقد أنه واحدًا من تجار السوق وانتهى المطاف بتوبيخ خربوكين والتوعد بعقابه.