رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكاوي سعيد.. مشوار من «الركض وراء الضوء» وظلاله المألوفة

فاطنة سعيد ومحررة
فاطنة سعيد ومحررة الدستور

حين نتأمل حياة الكاتب مكاوي سعيد وتسلسلها وأحداثها، تتساقط أمامنا مجازات وفيرة، لأن التداخل بين مساحات الواقع والخيال طفيفة، خاصة حينما تلعب المفارقات دورًا أساسيا في حياته، أما في مسيرته الأدبية فإن أول ما يمكن تأمله هى العناوين اللافتة لمجموعته القصصية الأولى "الركض وراء الضوء" ومجموعته القصصية الأخيرة "ظلمة مألوفة"، وتسحبنا الدلالات نحو الركض وراء الحلم، ركض نابع من ولع البدايات وتحدياتها، والنظر إلى أضواء التحقق البعيدة، الملتحمة بالتعب والإنهاك والعراقيل، لكن يبدو أن الوصول للضوء يفرض ضرورة لتجاوزه إلى مساحة أخرى من الظلمة قد لا تدفع نحو الركض مرة أخر، بل نحو تأمل ألفتها.

دلالات أخرى برزت في حياة مكاوي سعيد (6 يوليو 1956 - 2 ديسمبر 2017) في مواقف حياتيه، كالولع بالسينما والانحيازات الكروية ومصاحبة الأماكن وتاريخها، والالتصاق بالشارع وناسه وحكاياتهم، والتلاحم مع كراسي المقاهى الشعبية، والتنصت والتحديق، حاولنا تتبع جذور هذه الاهتمامات في حوار مع فاطمة مكاوي شقيقة الكاتب الراحل والأخت الحاضنة والأم الرحيمة وأهم شخصية توجه مكاوي سعيد بعرفان واضح في أغلب إهداءاته، أربع ساعات حوار بدون ملل، وابتسامة تمنحها لكل عين عدا عين الكاميرا.



رواية "فئران السفينة" الحافز الأول

تقول فاطمة مكاوى إن شقيقها الكاتب كان يعمل منذ تخرجه من الجامعة محاسبًا في شركة بمدينة نصر، عمل بها قرابة إثنى عشر عامًا، كان يصارع لحماية مساحة الكتابة في ظروف عمل تلتهم الوقت وتحرمه من التفرغ الكافي لمشروعه، كان يبدو أحيانا وكأنه يركض واثقا نحو مشروعه، وفي أحيان أخرى كان يتوقف مترددًا ومتشككًا عن جدوى العمل وجدوى الكتابة، وأي طريق عليه أن يكمل فيه الركض، حتى جاءته مكالمة هاتفية في 1991 وكان عمره وقتها ثلاثة وثلاثون عامًا.

" ألو.. نعم.. أنا مكاوي سعيد.. بجد؟ بجد؟ شكرًا.. ألف شكر" تقول فاطمة مكاوي كان هذا رده الذي سمعناه وهو يتحدث عبر الهاتف وبعدها أغلق الهاتف وأخبرنا أن روايته "فئران السفينة" فازت بجائزة سعاد الصباح كانت فرحته كبيرة حينما سلمه الجائزة يوسف إدريس لدرجة أنه صافح الأديب الكبير ونسي استلام الجائزة ظل يعمل بعد حصوله على الجائزة في الوظيفة لمدة 7 سنوات حتى قرر أن يتركها بشكل نهائي، بعدما تقلد في الشركة منصب مدير مالي، لم يخبرنا في البداية أنه ترك العمل، فقد كان يخرج يوميا في مواعيد عمله المعتادة بالشركة ويعود في موعده المعتاد".

الأم والأخت: ملهمات مكاوي سعيد وحاميات مشروعه

كانت علاقة مكاوي سعيد بوالدته خاصة فقد تجاوزت كونها أمه إلى حكّاءته الموهوبة، فهي منبع حكاياته، تقول فاطمة: "هناك قصص في أعمال مكاوي كانت أمنا مصدرها، إلى جانب أنها كانت تحرص على تجميع أي مادة صحفية تنشر عنه في الصحف، وبعد الوالدة اخترت القيام بتلك المهمة، فلم يكن يهتم بهذه الأمور.

ذكر مكاوي سعيد في لقائه الأخير أثناء استضافته في البحرين أكتوبر2017 "أما أمي التي كانت العفاريت تتقافز على كتفيها عندما تراني أقرأ المجلات وسط العام الدراسي أو أكتب في كراسة وليس أمامي أحد الكتب المدرسية، كنت أبحث منهمكًا فوق مسوداتي الموضوعة على ظهر المكتب، وكانت تراقبني بعد أن وضعت الشاي أمامي، ثم سألتني هل فقدت شيئًا؟

فقلت لها بلا اهتمام: أبحث عن إحدى وريقاتي؟، طلبت مني البحث في سلة القمامة الموضوعة أسفل المكتب، فأخبرتها أني انتهيت من البحث فيها، فخرجت من الغرفة وعادت بصندوق صغير من الكرتون ملئ بالأوراق الصغيرة التي كنت ألقيها في السلة يوميًا، وأشارت لي بالبحث فيها وفعلا وجدتها، وسألتها مندهشًا لماذا تحتفظ بالأوراق التي سبق أن رميتها، فأجابت بجدية: "لأني كنت متأكدة أنها أوراق مهمة وقد تعود للبحث عنها!، هذا هو العالم الذي صنعته لي داخل بيتنا ووسط عائلتي الصغيرة."

كان تعاطى مكاوى سعيد من الجوائز تعاطيًا معنويًا أكثر منه ماديًا، فتذكر شقيقته أنه كان يوزع المبالغ المالية التى يحصل عليها من الجوائز، ثلاثة أقسام، قسم للمحتاجين وقسم للعائلة، لتسديد ديونه لهم، وقسم لنفسه، وكان لا يسمي جائزة باسمها كان يقول لنا: فيه جايزة جاية دون أن يميزها" وكان يهدى دروع الجوائز بشقيقته فاطمة: "الجوايز دي ليكي"، فقد كانت فاطمة، رغم أنها الأخت الصغرى، معنية بكافة شؤونه، كانت تحافظ على الجو المطلوب كي ينجز، ويفكر، ويهنأ بسلام داخل المنزل: "كنت أصر على عدم إشراكه في أي مشاكل عائلية، كي يركز في مشروعه وكان لا يهتم سوى بطقوس القراءة والكتابة والجلوس على المقهى "القهوة روحه"، بجانب ذلك يأخذني معه إلى حفلات الجوائز والحفلات المسرحية".
مكاوي سعيد روائي محفوف بسوء الحظ
التخبطات والعثرات في تجربة مكاوى سعيد كان أغلبها مقترنة بسوء الحظ فقد كانت تجربة كتابة رواية "تغريدة البجعة" مليئة بالمفارقات والإحباطات، لدرجة أنه قالها صراحة لشقيقته فاطمة: "لو لم تنجح رواية تغريدة البجعة سأتوقف عن الكتابة"، تقول فاطمة مكاوي"تعذب كثيرًا في كتابة هذه الرواية، كان يذهب كل صباح إلى مركز كمبيوتر في الطابق الأرضي لعمارة فندق لوتس بوسط البلد، ويملى على أحد العاملين ما كتبه، وكان وقتها لا يجيد التعامل مع الكمبيوتر، ظل يذهب يوميا لفترة طويلة، حتى انتهى من الرواية، وبدأت مرحلة إعادة الصياغة وتهيئة الرواية للطباعة في نسختها النهائية، وعندما ذهب للحصول على النسخة المكتملة، أخبره صاحب مركز الكمبيوتر أن نسخة الويندوز الخاصة بالجهاز سقطت، وضاعت كل الملفات الموجودة عليها، كانت صدمة كبرى، واغتاظ ووصف الرواية بأن "وشها نحس" وتركها لفترة طويلة، حتى مرت فترة طويلة ولاحظ تزايد أعداد أطفال الشوارع في وسط البلد، وتشعب حكاياتهم، فقرر العودة إلى كتابة الرواية مع إضافة الجزء الخاص بشخصية كريم وأطفال الشوارع، وكانت إضافة مهمة وربما كانت أحد أسباب نجاحها.

ورغم سوء الحظ أحيانا إلا أنه كان محظوظًا في رفقته: " قابل مكاوى سعيد الناقد توفيق حنا حينما كان في الجامعة، وتوطدت صداقتهما وقرأ له توفيق حنا أول قصة كتبها، وكانت بعنوان يبدو أنه الحب وتحمس له وشجعه، حتى أنه وصف كتاباته بــ"القريبة من تشيخوف" وطلب منه أن يتوقف عن كتابة الشعر ليخلص للسرد.

وقال عن ذلك مكاوي سعيد في أحد حواراته: "بعد تخرجى شعرت بأن الكتابة التى أنوى الخوض فيها سواء الإنسانية أو الاجتماعية أو تلك التى تتناول الهم السياسى من الصعب كتابتها شعرا؛ لأنى يمكن أن أتهم بالمباشرة، فكان الحل أن أتجه إلى كتابة السرد على هيئة قصص قصيرة، وأسعدنى الحظ أن اهتم بى بعض النقاد المهمين، أذكر منهم توفيق حنا الذى أشار إلى موهبتى وطلب منى الاهتمام بها، وكذلك المبدع يحيى الطاهر عبد الله - رحمه الله- الذى كان مهتما بأعمالى، وشيئا فشيئا تفرغت للرواية."

صداقته مع يحيى الطاهر عبد الله دعمته وحطمته

تقول فاطمة سعيد: "كان يحب يحيى الطاهر عبد الله كان عرابه وصديقه، كانت لقاءاتهما متكررة ودورية على مقهى "علي بابا"، ومرة غضب منه يحيى الطاهر لأن صلاح الرواي هو مَن كتب له مقدمة المجموعة القصصية "الركض وراء الضوء"، كان يرغب الطاهر في أن يقدمه للقراء، وعندما مات الطاهر عبد الله انتكس مكاوي لفترة طويلة، وصارت حالته النفسية سيئة، وتوقف عن الكتابة لمدة أربع سنوات، حتى انتشلته قصة حب من كآبته وعاد لطبيعته وللكتابة مجددا".

مكاوي سعيد والحب

في حالات الحب كان مكاوى سعيد صموتا، وكان الحب يزيد حماسته في الكتابة، لكنه كان ضد مؤسسة الزواج، فكر مرة واحدة فقط في الزواج، وبعدها أغلق هذا الباب نهائيًا، تقول شقيقته "كان قد تقدم لخطبة فتاة أحبها بعد حصوله على جائزة سعاد الصباح، فسأله والد العروس عن دخله، فأخبره مكاوي سعيد أن لديه مال الجائزة، فرد عليه الوالد: "ولمّا تخلص فلوس الجايزة؟" ورفض الوالد طلب مكاوي قطعيًا".
علاقته بكرة القدم

غير طقوس الحب التى تشعل الحماسة كانت انحيازاته الكروية أيضا تشعل حماساته فعلاقة مكاوي سعيد بكرة القدم بدأت منذ لحظة ميلاده، فقد سماه والده مكاوي تيمنا باللاعب الأهلاوي أحمد مكاوي: "كان والدنا يعمل في النادي الأهلي وكان أهلاويًا صميمًا، لذلك أسماه على اسم أحد لاعبيه النادي، وكلنا في العائلة أهلاوية عدا مكاوي، فقد كانت متمردا، خاصة بعد موقف تعرضه لضربة من الكرة داخل النادي، وبدأ يشجع نادي الزمالك في فترة لاحقة متأخرة، بل بدأ يفلسف هذا التحول، فكان يقول الزمالك مبارياته بها دراما أما الأهلي استعراضي، رغم أن ديوانه الشعري الذي كتبه في مرحلة الجامعة كان شعرًا حماسيًا للأهلي ومن أجواءه: "قرّب..قرّب..خش الملعب.. جوّه الملعب..وحش بيلعب.. قرّب.. جرّب.. واوعى تصدق.. أن الأهلي.. تيم بيتعب.. قرب تلقى.. هناك الكورة.. ماشيه بتجري.. تقول مسحورة.. قرّب تلقى.. وضوح الصورة.. ناس بتفرح.. وناس مبهورة.. واللي يشجع.. ناس من غيره.. دايمًا يزعل.. وبطنه تكركب.. قرّب قرّب.. خش الملعب..جوه الملعب..وحش بيلعب".

يقول مكاوي سعيد عن ذلك في أحد مقالاته: "كنت فى طفولتى أهلاويا بحكم النشأة التى يغلب عليها الميول الحمراء، وكان أبى- عليه رحمة الله- أهلاويا متعصبًا، وقد أسمانى عند ولادتى على اسم هداف الأهلى الشهير «أحمد مكاوى» وكان يصحبنى وأنا طفل إلى ملعب الأهلى بالجزيرة، خاصة فى التدريب الأخير قبل لقائه بغريمه التقليدى الزمالك، وكان يعرف موظفى النادى وعماله ويعرفونه ويسمحون له بالنزول إلى الملعب أثناء التدريبات ومتابعة ما يحدث من خلف المرمى بمسافة، وحدث أن طاشت كرة عن المرمى وتهادت نحوى وأنا ابن عامين أو ثلاثة فقلدت اللاعيبة وهممت بشوطها، فاصطدمت بركبتى وأوقعتنى وأحدثت كدمة بساقى وتجلط الدم فوقها، وهرع اللاعب الذى طاشت كرته لمساعدتى وأوقف بكائى ومن بعدها لم أنزل إلى الملاعب قبل أو أثناء مباراة القمة.

وظللت لفترة كبيرة من طفولتى أتابع وأشجع النادي الأهلى، لكن لأن ليست كل المقدمات تؤدى إلى نتائج متطابقة، فقد وجدت نفسى بعد فترة أتابع الغريم أولا بدهشة وتحفز، ثم بإعجاب مضمر، ثم بالافتتان بطريقة لعبه، فأنا سعدت جدًا كأهلاوى وأنا أتابع المباراة الشهيرة في نهائى كأس مصر بين الاتحاد السكندرى والزمالك، التى كان الأخير متقدمًا فيها بهدفين لصالح هدف للاتحاد حتى قبيل نهاية المباراة بعشر دقائق، ثم فى لحظات درامية عنيفة استطاع لاعب الاتحاد أحمد صالح إصابة مرمى الزمالك بهدفين ليحصل على كأس مصر، هللت مع الأطفال ولسنوات بعدها كنا نردد «الاسكتش» الشهير الذى غنته فرقة الثلاثى بمناسبة هذه المباراة والذى يقول «أحمد يا صالح.. حاسب من زقلط.. الكورة فى رجله.. بتلف وتشخط.. أحمد يا صالح.. لو جبت الجون لأرش الملعب سكر وليمون».

الولع بالأماكن ومقاهي وسط البلد

كان مكاوى سعيد مولعًا بالأماكن، فكان المكان يتماهى مع الشخصيات كأنهم وحدة واحدة، وكثيرا ما كان المكان بطلا في كتاباته، ففي كتابه "مقتنيات وسط البلد" لم تكن الشوارع مجرد فضاء أو إطار يحوي الأحداث، بل كانت عنصرًا فاعلًا في حياة الشخصيات، من السياسيين والفنانين والمثقفين، والشخصيات المهمشة، وحكاياته عن المقاهي والمطاعم والبارات والمنتديات الثقافية جعلته يحفظ سيرة هذه المنطقة في فصول نابضة في الفترة منذ منتصف السبعينات حتى أوائل الثمانيات.

تقول فاطمة مكاوي: كان يهوى التمشية في الشوارع وتأمل المباني والبحث وراء تاريخها وطرازها، كان أكثر مكان مولع به هو قصر عابدين، إلى جانب منطقة جاردن سيتى والمنيرة، خاصة فيلا فؤاد باشا وفيلا النحاس باشا "مبنى الشؤون الإسلامية حاليا"، كان يجلس في مقهى الحرية لأنها شيدت مكان بيت أحمد عرابي، كان يندمج وسط هذه التحولات ويتفاعل معها فنيًا، ووصل هذا التفاعل إلى حالة من الهوس أحيانا، فقد كان يشتري العقود القديمة للمنازل القديمة والتاريخية ورخص المحلات والبارات القديمة، وغير ذلك كان يهوى عملة "الربع جنية المثقوب" لدرجة أنه حوّل حائط كامل في مكتبه للوحة من الأرباع المثقوبة المثبتة على الحائط، وحينما تعرض لحادث سرقة في المكتب، صُدم لأن السارق سرق كل عملاته المحببة.

سألت فاطمة مكاوى عن أكثر مرحلة زمنية شغلته قالت" أيام الثورة كان منهمك في كل الأحداث اليومية يكتب ويستلهم اللقطات من أحاديث الشباب وهتافاتهم، وبعد صعود الإخوان للحكم حزن كثيرًا، وشارك في اعتصام وزارة الثقافة ضد حكم الإخوان، وهو ما ظهر في كتابه "أحوال العباد".

علاقة مكاوي سعيد بوسط البلد لم تكن علاقة ساكن أو أحد رواد مقاهيها وحسب، بل كان يتابع كل أحداثها الكبيرة والصغيرة، يقول المحرر محمد هشام صديق مكاوي: "كان مكاوي سعيد حريص على معرفة كل الأحداث الصغيرة والكبيرة التى تحدث في وسط البلد أثناء غيابه، وكان يفعل ذلك بدافع الكتابة وكأنه يجمع تفاصيل حكاية من أكثر من صديق، ممكن يعزم أحدهم على الغداء وآخر على البيرة وآخر على القهوة ليعرف كل ما حدث في غيابه، ويسأل عن أناس بعينها وشخصيات محددة، ليعرف ماذا فعلوا في غيابه، وكان يستخدم هذه التفاصيل في كتابة الأدب.
مقتنيات وسط البلد..شخصياتها حقيقية

ويسرد محمد هشام أحد المواقف التى حدثت مع مكاوي سعيد بسبب كتابه مقتنيات وسط البلد:"شخصيات المقتنيات كلها حقيقية لكن مكاوي منحها أسماء مختلفة عن الواقع، وهناك شخصيات ذكرها بأسمائها الحقيقية، وبعضهم سبب لهم كتاب "مقتنيات وسط البلد" مشاكل، فبعدما نشر مكاوي سعيد كتابه، ذهب بعض الأفراد إلى شخص كتب عنه مكاوي سعيد في كتاب المقتنيات، وأخبروه أن مكاوي تكلم عنك وضحكوا، فذهب هذا الشخص إلى مكاوي ليتشاجر معه على مقهى زهرة البستان وقتها، وتدخل الأصدقاء لتهدئة الوضع ودفعوا لهذا الشخص 500 جنيه كي يكف عن شجاره.

يقول هشام: "كان مكاوي يخصص ملف لأي شخص يتعامل معه، كان يجلس في وسط مجموعة من الأشخاص وفجأة يتحرك ويذهب لساعة أو ساعتين، كان يذهب للكتابة عن قصة أو لقطة حدثت أثناء الحديث في سايبر بجوار ستوريل، كان يحمل معه نوتة صغيرة باستمرار، لكنه لا يستخدمها أمام الناس حتى لا تتوتر وتفقد تلقائية الحكي، كان يركز ويسجل كلامهم في عقله، وبعد ذلك يدونه، أحيانًا لأهيمة الحكاية أو طرافتها وخوفه من فقدان تفاصيلها كان يستأذن بحجة عمل أي شئ ويقوم بتسجيلها.

الطريق إلى النبع ودعم مكاوي لشباب الكتاب
حرص مكاوي على تشجيع شباب الكتاب ومتابعة مساراتهم، كان يخصص يوم الأربعاء من كل أسبوع لمقابلة الكتاب الشباب، يعرضون عليه نصوصهم على المقهى حتى أنه كان يتحمل تكلفة طباعة أعمال بعضهم على حسابه الشخصي، يقول المحرر محمد صادف مكاوي سعيد في أحد الأيام يحمل شنطة ثقيلة، كان بها مسودة رواية لكاتب سكندري وقال له"الرواية حلوة ومش قادر أسيبها" ووبعدها قابل شابا كانت لديه موهبة واضحة في الكتابة وأخبره هذا الشاب بأنه توقف عن الكتابة نهائيا فحزن من أجله حزنا شديدًا.

أشرف مكاوي سعيد في عام 2017 على ورشة "الطريق إلى النبع" التى نظمتها الدار المصرية اللبنانية لتوجيه كتابها الشباب في مشاريعهم الادبية، وربما العنوان الذي اختاره كان أنسب عنوان له ولهم، فلم يعد راكضا خلف الضوء ولا يحمس أحدا على الركض وراءه، لأن النبع مقيم والطريق إليه لا يعتمد على الركض فقط، بل الإيمان بأن وجوده حقيقة لا سراب، ولا يحتاج سوى المضي قدما في الرحلة.