رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوطية.. «الواطى».. والوطواط


المقياس الواطىّ، «الواطمتر»، هو أداة لقياس الطّاقة فى الدائرة الكهربائيّة. ولو أردت معنى لكلمة «واطى»، أقرب للمعنى الدارج، يمكنك استخراجه مِن وطّ الوطواط، أى صاح: وطّ، يوطّ، فهو واطّ. وبما أنهم كانوا يصفون الرجل بالـ«وطواط»، حين يكون جبانًا، كثير الكلام، ضعيف البدن أو العقل، فإن الوصف يناسب جدًا ذلك الذى أقام منظومة دفاع جوى فى قاعدة «الوطية» الليبية، ولم يتمكن من حمايتها لأكثر من ٢٤ ساعة!.
العلاقة، إذن، وثيقة بين الواطى، والوطواط، وأيضًا، بين زيارة الرئيس التركى إلى الدوحة، الخميس، وإرساله وزير دفاعه ورئيس أركانه إلى طرابلس، الجمعة، وبين قيام «طيران مجهول»، صباح الأحد، بتدمير منظومة الدفاع الجوى التركية بـ«الوطية». ما يقطع بفشل المخطط، التركى القطرى التخريبى، الوطواطى، فى ليبيا وفى غيرها.
شهود عيان أكدوا أنهم شاهدوا، مساء الأربعاء، تحركًا لرتل عسكرى مكون من ٢٠ آلية عسكرية، على الأقل، ومثلها شاحنات مغطاة، وبصحبتها جنود أتراك، تم رصدهم بالقرب من الطريق الساحلى بمدينة صبراتة متوجهين فى اتجاه «قاعدة الوطية»، المعروفة أيضًا باسم قاعدة عقبة بن نافع، وهى قاعدة جوية، أنشأتها الولايات المتحدة سنة ١٩٤٢، وتبعد نحو ١٤٠ كيلومترًا جنوب غرب العاصمة طرابلس. وتعد أهم قاعدة استراتيجية فى غرب ليبيا، كما أنها القاعدة العسكرية الوحيدة، التى لا علاقة للطيران المدنى بها، بخلاف المطارات العسكرية الأخرى فى البلاد.
كانت الميليشيات الإرهابية، التابعة لـ«حكومة الوفاق»، المزعومة، قد تمكنت، فى ١٨ مايو الماضى، من السيطرة على تلك القاعدة، ومنذ أيام، قامت القوات الجوية التركية بتجهيزها، تزامنًا مع زيارة وزير الدفاع التركى، وفى الساعات الأولى من صباح الأحد، تم استهداف القاعدة بتسع غارات، أسفرت عن تدمير منظومة الدفاع الجوى التركية بالكامل، مع استراحة «النداب»، التى اتخذها العسكريون الأتراك مقرًا لهم.
الجهود المصرية، الأوروبية والأممية، لحل الأزمة الليبية، مستمرة، بينما تواصل تركيا تحركاتها المتحدية للإرادة الدولية، وكشف وزير الدفاع التركى، من طرابلس، بوضوح عن رغبة رئيسه فى العودة إلى ليبيا «بعد انسحاب الأجداد، والبقاء إلى الأبد». وبينما التزم الجيش الوطنى الليبى بتعهداته الدولية، وبقرار وقف إطلاق، الذى نص عليه إعلان القاهرة، واصلت الميليشيات الموالية لتركيا حشد قواتها استعدادًا للهجوم على تمركزات الجيش الوطنى، شرقى مصراتة وغربى سرت. كما تزايدت، وتتزايد، التجهيزات التركية لاقتحام المدينتين الليبيتين، وواصل أردوغان تزويد الميليشيات بالعتاد والمرتزقة، أتراكًا وسوريين، ومن جنسيات مختلفة.
بعد ساعات من زيارة قصيرة إلى الدوحة، عقد خلالها اجتماعًا مغلقًا مع الفتى تميم، حاكم قطر بالوكالة، أعلن الرئيس التركى عن استمرار دعمه لفايز السراج وحكومته المزعومة، والجمعة، أرسل إلى طرابلس خلوصى أكار، وزير دفاعه، وبشار جولر، رئيس أركانه، لتوقيع اتفاق مع السراج، يمنح الجنود الأتراك، فى ليبيا، حماية من الملاحقة القضائية، وإضافة إلى اطمئنانهم على جاهزية القاعدة الجوية، التى كانت، ناقش الطرفان تفعيل ما يوصف بـ«الحرس الرئاسى»، الذى توجد تأكيدات على أنه سيكون نسخة معدلة من جهاز «الحرس الوطنى»، الذى يديره الإرهابى خالد الشريف، وبات يسيطر على المفاصل الحيوية فى العاصمة الليبية.
فكرة إنشاء هذا الجهاز، طرحتها قطر، فى فبراير ٢٠١١، على مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الانتقالى، الذى تولى حكم البلاد بعد الإطاحة بالقذافى، ليكون الذراع العسكرية لجماعة الإخوان فى ليبيا وشمال إفريقيا: جيش ولاؤه لمرشد التنظيم، يشبه الحرس الثورى الإيرانى. وفور تولى «المؤتمر الوطنى»، الذى سيطر عليه تنظيم الإخوان، الحكم، فى ٢٠١٢، تم تأسيس ذلك الجهاز، وبالإضافة إلى التمويل القطرى، المباشر وغير المباشر، تمكن من تنمية موارده عبر سرقة البنوك، الخطف وطلب الفدية، وتهريب النفط المسروق، وفى محاولة للالتفاف على القرارات الدولية بحل الميليشيات الإرهابية وسحب المرتزقة الأجانب، قرر فايز السراج، الأربعاء الماضى، تعديل هذا الجهاز، أو تطويره، وتسميته بـ«الحرس الرئاسى».
الفوضى التى عاشت فيها ليبيا، وما تزال، لم تعد عامل قلق لليبيين وحدهم، بل لكل محيطهم الإقليمى، ما أدى إلى تحرك غالبية دول المنطقة، من أجل التوصل إلى حل سياسى للأزمة ليبيا، يسكت صوت المدافع، وسبق أن حذرت مصر من تجاوز المرتزقة والميليشيات للخط الأحمر، خط سرت- الجفرة، وأشارت بوضوح، ودون مواربة، إلى أن من سيتخطاه سيذهب إلى الجحيم.
عين مصر الحمراء ألجمت مطامع الأحمق التركى وأجبرته على العودة خطوة للخلف بعد أن كان يعتزم دفع مرتزقته إلى مهاجمة الحقول والموانئ النفطية، لكن ليس بعيدًا، أو مستبعدًا، أن يزن «الوطواط» على خراب عشه، وأن تدفعه حماقته إلى تجاوز «الخط الأحمر» ومهاجمة تمركزات الجيش الليبى فى الجفرة وسرت. وحال حدوث ذلك، ستهب العاصفة التى لن تذر على الأرض مِن الكافرين، أو الإرهابيين، ديَّارا.