رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الله في حياة نجيب محفوظ.. هل يدخل «كبير الحرافيش» النار؟

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

عشرات الإجابات قدمها هو، وأطلقها غيره عن السؤال حول إيمانه من عدمه.. هل كان ملحدًا أم مؤمنًا؟

هذا السؤال لا يجوز أن نركن إلى إجابة له سوى ما يقوله نجيب محفوظ نفسه، فالأمر كله يقع في المساحة الخاصة بينه وبين ربه، لكنه يفتح بابًا كبيرًا يطلّ على علاقته بالله.

1.
حين سألوه عن الصلاة، تغاضى عن وضعها الحالي في حياته باعتبارها علاقة سرية بين الإنسان وربه، وقال: صليت لأول مرة في عمر 7 سنوات تقريبًا، الصلاة ليست عبادة فقط، إنما رياضة نفسية وتجربة أخلاقية، وأول مرة صُمت كانت في السن نفسه، اقتداء بسيدنا «الحسين».

2.
هل كان مسيحيًا؟

في القاهرة انتظره موقف دينيٍ آخر.. وقع في فخ اسمه.

طالب متفوّق حصل على المركز الثاني في السنة الدراسية الأخيرة بكلية «الآداب»، والأوائل يتقدمون لمنح وبعثات دراسية في أوروبا وأمريكا، اتجاهات الدولة كانت ضد الأقباط، وحين قرأ مسئول اسمه في الكشف وجده «نجيب»، فاعتقد أنه قبطيّ.

بعد عشرات السنين، بدا نجيب راضيًا وسعيدًا بما جرى: «ردًا على الاسم الذي يشبه أسماء الأقباط، حذف اسمي من قائمة المرشحين للمنحة نهائيًا وخسرت أهم منحة كانت على وشك أن تغير حياتي.. والحمد لله إنها لم تتغير».

لم يكن اضطهاد المسيحيين، الذين اعتقدت جهة ما أن نجيب محفوظ واحدًا منهم، لأنهم مسيحيون، إنما لأن الملك ورفاقه كانوا يعتقدون أن أغلب أعضاء حزب الوفد، المعارض له، منهم، فأخذ كل المسيحيين، المرشّحين لفرص، بذنب "الوفد"، واعتبر إقصاءه لهم سحقًا لنفوذ الوفد وقدرات شبابه، وهي ملاحظة أضافها لنا الكاتب الصحفي محمد شعير، مؤلف كتاب «أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة».

3.
هل كان يؤمن بالجنة والنار والحساب والعقاب والعذاب من الأساس؟

لم يكن كذلك بالضبط، إنما بدا متماهيًا مع الإسلام الشعبي، الذي يؤمن به المصريون ويعتقدون أن الله سيتقبله منهم جزاء طيبة قلوبهم.

يقول: «شهر رمضان يحرك في نفسى ذكريات كثيرة تجعلنى أشعر بالبهجة كلما أتذكرها، أذكر أننى بدأت الصيام وعمرى سبع سنوات وكنت حريصًا جدًا على أن أصعد فوق سطح بيت القاضى بالأزهر لأرى مؤذن مسجد الحسين وهو يؤذن لصلاة المغرب، وكنت أخرج في هذا الشهر فقط مع أطفال الحى في العباسية ونتوجه سيرًا على الأقدام من العباسية إلى مقهى الفيشاوى في الحسين نسهر ونتسامر ونتحدث في كل شيء الأدب والتاريخ والسياسة إلى جانب الأحاديث النبوية».

4.
يحكي «محفوظ»: «عشت في العباسية أول قصة حب حقيقية في حياتي، وهي قصة غريبة ما زلت أشعر بالدهشة لغرابتها، كنت أيامها على أعتاب فترة المراهقة، وقبل أن أدخل هذه التجربة كانت علاقتي بالبنات لا تزيد على مداعبات تتجاوز الحد أحيانا وكانت هذه التجاوزات البريئة تصطدم بالإحساس الديني، لدرجة أنني كنت أتوجه إلى الله يوميا، وأعيش في عذاب مستمر من تأنيب الضمير».

5.
الرجل الذي كفّر فرج فودة، وأفتى بقتله كان نجيب محفوظ في مقدمة مريديه ودراويشه، هل تصدق؟
يقول: «أنا معجب بالشيخ الغزالي، وتبهرني شخصية عمر بن الخطاب، وعظمة عليّ بن أبي طالب».

وهذا الإعجاب بالآخر صفة يمكن أن تكون في نجيب محفوظ، الأديب الليبرالي المؤمن بالحرية، ولا تحسب في رصيد الغزالي، الذي لم يقبل وجود الآخر وأفتى بقتله.. كان نجيب برأيه يحاول أن يقصف جبهة الآخرين بتسامحه.. الذي لم يفهمه الإسلاميون، فحاولوا اغتياله.

6.
نجيب محفوظ متهم دائمًا، لكن هذه المرة الاتهام من صديق عابر في حياته، وليس عدوًا دائمًا.
يقول مصطفى محمود إنه في رواية الطريق يرى الله أب وهمي، وفي «أولاد حارتنا» جعل الإله يموت في آخر الرواية مهزومًا تحت عجلات العلم والعقل.

رد نجيب محفوظ كان جاهزًا، يقول: «لكل شيخ طريقة، ومصطفى محمود ظلمني كثيرًا، وأخطأ في الحكم على كثير مما جاء في كتبي، ولو كان عنده وقت لقراءة الرواية، سيجد أن الله موجود، والعقل أيضًا».

7.
تلقى نجيب سؤالا بعد حصوله على الجائزة الكبرى: ما رأيك في الاتهامات التي تحاصرك بأن «نوبل» كانت مكافأة لك على «ازدراء الأديان» في رواية «أولاد حارتنا»؟

أجاب: «هذا اتهام غير موضوعي، لأسباب عديدة منها: إن النقد الموضوعي للرواية ينفي عنها الهجوم علي الإسلام والديانات السماوية.. كما يوجد في الغرب متدينون مازالوا متمسكين بتعاليم الدين.. كما أن مصالح الغرب مع الدول العربية والإسلامية، ليس في صالحه الإساءة إلي الإسلام.. لقد حَصلتُ علي الجائزة بسبب قائمة طويلة من رواياتي وعلي رأسها (الثلاثية) التي لم تتعرض للدين».