رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدونية.. وصناعة اللقاحات والأدوية


بخليط من الغيظ والغضب، ولن نقول الاحتقار، استقبلنا كلام باحث مصرى، يعمل فى فريق جامعة أكسفورد لتطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، عن عدم قدرة مصر على تصنيع ذلك اللقاح، مفترضًا، أو زاعمًا، أنها لا تملك وحدة تصنيع «غاية فى التعقيم والنظافة ودقيقة بشكل كبير جدًا»، ونصحنا بـ«خمس حاجات»، لتحقيق «حلم» الاستقلال فى تصنيع التطعيم!
هذا الكلام الفارغ، الذى يكشف جهل، ودونية أو سوء نية قائله، قيل فى برنامج بإحدى القنوات التليفزيونية السعودية، منتصف الشهر الماضى، ويشاء السميع العليم، ألا ينتهى الشهر، قبل أن تشير صحف وشبكات تليفزيونية بريطانية، إلى أن الدول الأوروبية، بما فيها بريطانيا، لن تتمكن من الحصول على دواء «ريمديسفير»، قبل أكتوبر القادم. فى حين أن شركة مصرية قامت، وتقوم، بتصنيعه، وبدأ استخدامه فى مستشفيات العزل التابعة لوزارة الصحة.
دواء «ريمديسفير»، أنتجته شركة «جيلياد» الأمريكية. وطبقًا لما ذكرته جريدة الـ«إندبندنت» البريطانية، فقد أعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية عن أنها اشترت أكثر من ٥٠٠ ألف جرعة من هذا الدواء، هى كل إنتاج الشركة لشهر يوليو، وحوالى ٩٠٪ من إنتاجها لشهرى أغسطس وسبتمبر. ونقلت شبكة «سكاى نيوز»، عن أندرو هيل، الباحث فى جامعة ليفربول، أن هذه الخطوة ستؤدى إلى حرمان الدول الأوروبية من «ريمديسفير» حتى شهر أكتوبر، وبالتالى ستقلل فرص نجاة المصابين بـ«كورونا المستجد» فى تلك الدول.
تجارب علمية أشارت إلى قدرة «ريمديسفير»، Remdesivir، على تقليل مدة معاناة المرضى من الأعراض، عبر إيقاف تكاثر الفيروس. ووصفه مات هانكوك، وزير الصحة البريطانى، بأنه الخطوة الأكثر أهمية فى علاج الفيروس. وسواء صحّ هذا الكلام، أو حمل قدرًا من المبالغة، فما يعنينا هو أن هذا الدواء يتم تصنيعه فى مصر، وأن الدفعات الأولى منه وصلت، منذ أسبوع، إلى مستشفيات الحجر الصحى. وبالفعل، بدأ استخدامه فى علاج الحالات المتوسطة والحرجة. وأمس الأول الثلاثاء، أكدت وزيرة الصحة، أنه سيتم توفير دفعات متتالية خلال الأيام القادمة.
الدونية، أو عقدة الدونية، Inferiority complex، هى شعور الإنسان بعجز عضوى، نفسى أو اجتماعى، يدفعه إلى تعويضه بتحقيق الذات أو إلى التعصب والانكفاء. وكنا قد أشرنا «ع الماشى»، فى مقال سابق، إلى أننا لم نعرف طبيعة الدور الذى لعبه ذلك «المصرى الوحيد فى فريق جامعة أكسفورد لإنتاج اللقاح المضاد لفيروس كورونا»، كما جرى وصفه فى برنامج «الحكاية» على قناة «mbc مصر». وأوضحنا أنه بدا كما لو كان المتحدث الرسمى باسم الفريق، وباسم شركة «أسترازينيكا»، التى ستنتج هذا اللقاح، وباسم معهد «سيروم» الهندى، الذى زعم أن الدول التى ستنتظر الحصول على جرعات منه، سيكون أمامها طابور طويل.
جهل ذلك الباحث بالإمكانات والقدرات المصرية، قوبل بحفاوة من مقدم البرنامج، مع عشم بأنه لن يبخل علينا بخبراته، وسيساعدنا فى بناء مثل هذا المصنع. وفات هذا وذاك أنهما يتحدثان عن دولة هى أكبر منتج للأدوية واللقاحات فى المنطقة العربية، وفى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وتحتل المركز العاشر عالميًا فى أبحاث الدواء المنشورة بأكبر الدوريات العلمية، ولديها واحدة من أكبر قلاع صناعية لإنتاج الأمصال واللقاحات: «ايجيفاك»، التابع لشركة «فاكسيرا»، والذى ينتج شهريًا ٨ ملايين و٦٤٠ ألف أمبول و٤ ملايين و٣٢٠ ألف فيال.
الشركة المصرية القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات «فاكسيرا»، هى واحدة من أقدم مصانع الأمصال واللقاحات فى مصر والشرق الأوسط وإفريقيا، بالإضافة إلى بنك الدم «المصرية لخدمات نقل الدم». وكان اسمها الهيئة القومية للمستحضرات الحيوية واللقاحات ثم تحولت إلى شركة قابضة سنة ٢٠٠٢. أما عن مصانع الأدوية، فقد وصل عددها بنهاية العام الماضى إلى ١٥٤ مصنعًا، بالإضافة إلى ٤٥ مصنعًا تحت الإنشاء، إلى جانب حوالى ١٢٠٠ شركة تجارية تصنع منتجاتها لدى الغير، ونحو ٢٠ شركة دواء أجنبية تعمل فى السوق، سواء عن طريق مصانع لها فى مصر، أو عن طريق مكاتبها العلمية.
استخفاف باحث أكسفورد، أرجعناه إلى الجهل، عقدة النقص، الدونية، أو سوء النية، التى قد ترجع إلى توجهه السياسى، وإلى الأسباب نفسها، أحدها أو كلها، يمكنك أن ترجع عدم إلقاء الضوء، أو الاحتفاء، بشاب مصرى اسمه رياض منير أرمانيوس، تخرج فى كلية الصيدلة بجامعة القاهرة، سنة ٢٠٠٢، ما يعنى أنه لم يتجاوز الأربعين أو تجاوزها بالكاد.
هذا الشاب، الذى اختاره المنتدى الاقتصادى العالمى، سنة ٢٠١٨، عضوًا فى مجتمع القيادات الشابة، يدير شركة «إيفا فارما»، التى تنتج مصانعها دواء «ريمديسفير»، وتنتج أيضًا الدواء الروسى، أفيبيرافير، ونراه الأحق بأن نحتفى ونفخر به، بدلًا من هؤلاء الذين لم يروا «اللّحمة»، فى مصر، وحين رأوا «فخذ» ملكة بريطانيا أصابهم الهبل!