رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدراويش و«كورونا»


الإيمان بالله وبقدرته وشفائه شىء، والدروشة وتغييب العقل شىء آخر.
الدراويش موجودون فى مختلف الأديان، وهم يرفضون اتباع المحاذير الطبية والعلمية ظنًا منهم أن إيمانهم بالله فقط يكفل حصانتهم أو إصابتهم من أى مرض، ومع انتشار جائحة كورونا ظهر الدراويش من مختلف الأديان، واستهانوا بالمحاذير الطبية وكانت النتيجة المأساوية إصابة عدد كبير منهم، بسبب الجهل وعدم الوعى.
يحكى الدكتور نجيب محفوظ فى كتابه القيم «حياة طبيب» هذه القصة عن وباء الكوليرا منذ ١١٨ سنة.. تحديدًا سنة ١٩٠٢.
انتشر وباء الكوليرا بين الحجاج فى مكة، وقضى الوباء على آلاف من الحجاج سنتها، وكان بينهم مصريون كثيرون، وبعد انتهاء موسم الحج، والناس عائدون من مكة، أخذت الدولة قرارًا بعمل حجر صحى فى «سيناء» لكل العائدين من الحج، وبالفعل تم تنفيذ القرار وسارت الأمور بصورة طبيعية، والوضع إلى حد ما كان تحت السيطرة، وفى وسط الوضع الاستثنائى، وحالة الترقب التى سادت وقتها، انتشر خبر ظهور الوباء فى إحدى قرى الصعيد فى قرية اسمها «موشا» وهى تتبع محافظة أسيوط.
قامت الدنيا ولم تقعد، ووقفت الدولة كلها على قلب رجل واحد وكان الخبر مفزعًا، ولو تأكدت صحته، فهذا معناه أن آلافًا مؤلفة من البشر فى قلب الصعيد، سيبدأون فى العد التنازلى لساعات عمرهم الأخيرة.
وما حدث وقتها أن عمدة «موشا» كان من ضمن الناس الذين ذهبوا للحج، وعندما رجع خضع للحجر الصحى، وبعد أن أنهى فترة الحجر، رجع البلد، وحدث شىء لم ينتبه له أحد حتى الأطباء الذين كانوا مسئولين عن عزل الحجاج.
هذا الرجل أحضر معه ماء زمزم، وفى تلك السنة هذه المياه لحقها الميكروب، والرجل، ولسوء الحظ، أحضر المياه فى علب صفيح مقفولة، فنتج عنها رواسب عضوية، ساعدت الميكروب أن يتغذى عليها ويعيش ويتكاثر.
وعندما عاد إلى البلد بعد فترة الحجر، وزع الصفائح على أصحابه وأحبابه وأهل البلد الذين قاموا بدورهم بوضع صفائح المياه فى آبار المياه الجوفية التى يشربون منها.. حتى يباركوا المياه.
ونظرًا للطبيعة الجغرافية فى قرية «موشا» وانخفاض الأرض عندهم، كانت الآبار كثيرة جدًا، وانتشر الميكروب فيها كلها، وأصيب معظم أهل البلد.
وأخذت الحكومة قرارًا بعزل القرية بالكامل، وعمل كردون أمنى، وغلق مداخل ومخارج القرية، فلا أحد يدخلها، ولا أحد يخرج منها.
وقامت الحكومة بحملة تطهير على كل الآبار الموجودة فى القرية.
وفى وسط الأحداث التى حدثت يقوم شخص من أهل القرية ويعطى لعسكرى من عساكر الحراسة اللى واقفين «رشوة» لكى يخرج من البلد، وبالفعل العسكرى قام بتهريبه.
وقتها قال الأطباء إن من أصعب الحاجات التى واجهتهم فى هذه الأزمة، هى توعية الناس، قالوا: كم من الصعب أن نفهم الناس أن المياه التى يشربونها ملوثة، وبذلوا مجهودًا كبيرًا لكى يقنعوا الناس بعدم الشرب من المياه، والناس غير مصدقين، وكانوا يقولون لهم: المياه زى الفل.
يقول الدكاترة: حاولنا بكل الطرق نقنع الناس بأن الحاجة اللى فى الميه دى ومسببة المرض لا تُرى بالعين ومش بالضرورة تعكّر البير، إلا أن الناس لم تكن مستوعبة، وشايفين المياه نظيفة، لدرجة أن كل واحد عنده بير فى بيته كان يضع عليه لوح خشب، ويفرش حصير فوق اللوح، ويردم عليه بالتراب، ليخبئ البير من الحكومة وهى تقوم بالتفتيش، خوفًا من الحكومة أنها تجفف البير وهى بتطهره.
ظل الأطباء فى حملة التطهير إلى أن رصدوا أكتر من ٥٠ بئرًا ملوثة.. قبل ما يسمعوا الخبر الأسوأ.
الحقوا.. الوباء انتشر فى ديروط، والوضع خارج السيطرة!
أين المشكلة؟
المشكلة ليست فى الفيروس، المشكلة فى عقولنا نحن وفى الوعى.
نحن فى مفترق طرق، إما أن نسير وراء الأطباء ومحاذيرهم أو نتبع الدراويش وخرافاتهم!