رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السفير اليونانى يتحدث لـ«الدستور»: ترسيم مرتقب للحدود البحرية بين القاهرة وأثينا (حوار)

السفير اليونانى ومحررة
السفير اليونانى ومحررة الدستور

توقع السفير نيكولاس جاريليدس، سفير اليونان فى القاهرة، أن يوقع البلدان قريبًا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما، بعد ما وقعت أثينا اتفاقية مشابهة مع إيطاليا، مؤخرًا، واصفًا هذه الاتفاقيات بأنها متوافقة مع القانون الدولى، وتعد نموذجًا للتعاون وحسن الجوار. وقال السفير اليونانى، فى حواره مع «الدستور»، إن الاتفاقية مع إيطاليا توجه رسالة لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان حول كيفية سلوك الدول، مؤكدًا أنه على القادة أن يكونوا حكماء وعقلاء من أجل مصلحة شعوبهم وتحقيق الاستقرار فى المنطقة، ولا يتصرفوا باعتبارهم «رعاة بقر». وأشار إلى أن الشعب اليونانى يحمل الكثير من الود لنظيره المصرى، منوهًا بأنه ولد فى مدينة بورسعيد ودرس فى القاهرة، التى أقام بها سنوات طويلة من عمره، ما جعله سعيدًا للغاية بتعيينه سفيرًا لبلاده فيها.


■ بداية.. وقعت اليونان مؤخرًا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إيطاليا.. فما أهمية هذه الاتفاقية سياسيًا واقتصاديًا وما دلالة توقيتها؟
- إيطاليا دولة صديقة لليونان، وأعتقد أن تعيين الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة بينهما يعمق العلاقات بين روما وأثينا، ويعد نموذجًًا للتعاون وعلاقات حسن الجوار، فالاتفاقية تسهم فى تحقيق السلام والاستقرار فى منطقة شرق المتوسط، وتحل قضية معلقة منذ ٤٠ عامًا، وتأتى متسقة تمامًا مع قواعد القانون الدولى.
كما تمنع الاتفاقية أى تعدٍّ على المناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين، وتساعد فى التنقيب عن الغاز والنفط وعمليات الصيد وغيرها، وحماية تلك الموارد الطبيعية.
وأعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى بالمنطقة، ومنها مصر، التى تجمعها مع اليونان علاقات استراتيجية جيدة، بما يحقق المنفعة المتبادلة بين البلدين.
وأتوقع أن تكون الاتفاقية مع القاهرة هى الخطوة المقبلة، وسيجرى توقيعها قريبًا، فليس هناك ما يمنع ذلك، كما أن هناك تقاربًا كبيرًا فى وجهات النظر بخصوص الجوانب الفنية، بالإضافة إلى وجود مصالح واهتمامات مشتركة بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة بشرق المتوسط.
■ البعض يرى أن توقيع اتفاقية الحدود البحرية مع إيطاليا يوجه رسالة واضحة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان.. ما مضمون هذه الرسالة من وجهة نظرك؟
- على القادة أن يكونوا حكماء وعقلاء من أجل شعوبهم، لا «رعاة بقر»، فالشعوب تحتاج إلى الاستقرار والأمن، والحكومات فى مصر واليونان تفكر دائمًا فى تنمية بلادها وتوفير الوظائف للمواطنين، وحل المشكلات وغيرها من القضايا الداخلية، لذلك أرى أن الرسالة التى بعثتها اليونان إلى تركيا عن طريق الاتفاقية، التى تتوافق تمامًا مع القانون الدولى، توضح كيف يكون سلوك الدول، وكيف تكون قيمة الاتفاقيات القائمة على التعاون والالتزام بالقانون الدولى، والتى تؤدى إلى مزيد من الاستقرار والتطوير والتنسيق والتنمية، وليس إلى زعزعة استقرار المنطقة.
■ كيف تنظر أثينا للأعمال العدائية لتركيا فى سوريا وليبيا وشرق المتوسط؟
- شهدنا خلال السنوات الأخيرة الكثير من الأعمال والأنشطة العدائية والعصبية من تركيا، بدءًا من سوريا وحتى ليبيا، إلى جانب الاعتداءات فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، ومن الغريب أن تتوقع تركيا أن الدول الأخرى ستقبل ما تقوم به، بعيدًا عن قواعد القانون الدولى والسلوك المنطقى للدول.
ففى ليبيا، على سبيل المثال، أصبح الموقف التركى أبعد ما يكون عن مجرد مساندة أحد الفرقاء الليبيين، وإذا استمرت أنقرة فى مثل هذا السلوك فإن ذلك سيؤدى إلى زعزعة استقرار شمال إفريقيا كله، وليس ليبيا وحدها.
وهنا أتساءل: من سيستفيد من الموقف التركى فى ليبيا؟، هل سيستفيد الليبيون العاديون؟، والإجابة بالطبع هى: لا، فهم أول من سيتشرد ويعانى، وربما يضطرون لهجرة بلادهم بسبب ما تقوم به الميليشيات.
■ كيف تنظرون إلى «إعلان القاهرة» بشأن وقف إطلاق النار فى ليبيا؟
- رسالة «إعلان القاهرة» تبحث عن حل سياسى فى المقام الأول، كما أن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى تبعث فى الوقت نفسه برسالة مفادها أنه إذا لم يتم وقف إطلاق النار واستمر العداء من الجانب التركى، وإذا لم يتم قبول المبادرة من جميع الأطراف فى ليبيا، فإن مصر ستحمى أمنها القومى ومصالحها الوطنية.
وعلينا هنا أن ننظر للفارق الواضح بين التصرفين المصرى والتركى، فمصر عندما تحمى مصالحها وأمنها القومى فإنها تتبع القواعد والقوانين الدولية، وهو ما يجعل اليونان، بل والمجتمع الدولى كله، سعيدًا بل وفخورًا بالسلوك المصرى وتحركات قيادته، التى تعد مثالًا للسياسة الخارجية التى تحظى بالتقدير والتأثير الدوليين.
■ زار وزير الخارجية اليونانى نيكوس دندياس القاهرة فى ١٨ يونيو الماضى.. فما أهم الملفات التى تطرقت إليها الزيارة؟
- كانت هناك اجتماعات مكثفة ومفاوضات عدة خلال زيارة وزير الخارجية نيكوس دندياس إلى القاهرة، حيث استقبله الرئيس السيسى، ووزير الخارجية سامح شكرى، وعدد كبير من المسئولين المصريين.
وسبق لوزير الخارجية زيارة مصر ٣ مرات قبل انتشار وباء كورونا، وتوقف الرحلات الجوية، ويأتى ذلك فى إطار الزيارات الدبلوماسية المكثفة بين البلدين، التى تطرقت للقضايا الثنائية وتعزيز التعاون المشترك على مختلف الأصعدة، بالإضافة إلى آلية التعاون الثلاثية مع قبرص.
واهتمت الزيارة الأخيرة بتبادل الرؤى ووجهات النظر حيال الملفات الإقليمية، خاصة المصالح الاقتصادية، التى يعد منتدى غاز شرق المتوسط من أبرز أدواتها لتعزيز التعاون والاستثمار فى مجال الطاقة والغاز، وكذلك تنسيق المواقف المشتركة فى قضايا المنطقة، لكونها تأتى وسط حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار فى شرق المتوسط، مع ميل بعض الأطراف لاتخاذ إجراءات استفزازية وغير شرعية بها.
وعلى الصعيد السياسى، بحث وزير الخارجية الأوضاع فى ليبيا، وجدد دعم اليونان لـ«إعلان القاهرة» بكل بنوده، لكونه يضمن القضاء على كل مظاهر الإرهاب والتطرف، ويعمل على إنهاء الأزمة الليبية عبر التوصل لحل سياسى يمهد الطريق لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، ويوقف التدخلات الخارجية، التى تسعى لتحقيق مكاسب مباشرة لإرضاء المطامع الخاصة والمنفعة الذاتية دون النظر إلى أى اعتبارات أخرى.
■ ما أهم أوجه التعاون بين أثينا والقاهرة فى الوقت الحالى؟
- لدينا الكثير من أوجه التعاون، ففى المجال العسكرى، هناك التدريب المصرى اليونانى «ميدوزا»، الذى يعد أحد أبرز الأنشطة المنفذة فى إطار التدريبات المشتركة للقوات المسلحة.
وعلى المستوى الثقافى، الذى يعد أحد العناصر القوية فى العلاقات بين البلدين، لدينا مكتبة الإسكندرية التى تحوى مركزًا للدراسات «الهلينستية» يمنح درجات علمية فى الدراسات اليونانية، بالإضافة إلى عقد منتدى «كفافيس» السنوى، على اسم الشاعر اليونانى الكبير ابن الإسكندرية، كما أن اليونان ستكون ضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب، فى دورته العام المقبل.
وبالنسبة للتعاون الاقتصادى، فقد بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر واليونان خلال سنة ٢٠١٩ حوالى ١.٨ مليار يورو، وبلغت الصادرات المصرية إلى اليونان نحو ٨٤٠ مليون يورو، محققة ارتفاعًا بنسبة ٣٢.٥٪ عن سنة ٢٠١٨، أما واردات مصر من اليونان، فبلغت خلال العام الماضى حوالى ٩٤٣ مليون يورو.
وتتركز الاستثمارات اليونانية فى مصر فى قطاعات الورق والأسمنت والبترول والغاز الطبيعى، والإنشاءات والمواد الغذائية، والدهانات ومواد البناء، وأنظمة الرى والبنوك، والنقل البحرى والجوى، وكذلك فى مجال الخدمات التعليمية.
وفى مصر حوالى ٢٠٠ شركة يونانية، يُقدر حجم استثماراتها بحوالى ١.٢ مليار يورو، من أهمها شركتا «Hellenic» و«Petroleum S.A» للبترول والغاز الطبيعى، ومجموعتا «latsis group» و«Archirodon Group» لصناعة الألومنيوم، وشركة «Kothali» لمواد البناء، و«Edita chipita» للمواد الغذائية، إلى جانب عدة شركات أخرى فى مجالات الاتصالات والنقل البحرى والتعبئة وغيرها.
■ كيف تنظر أثينا لمخططات تل أبيب ضم المستوطنات فى الضفة الغربية ومنطقة غور الأردن؟
- اليونان ملتزمة بقرارات الأمم المتحدة وبموقف الاتحاد الأوروبى من القضية الفلسطينية، والموقف الأوروبى واضح وداعم لقيام دولة فلسطينية على أراضى ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، ويؤيد حل الدولتين. واليونان تؤمن بأن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى هو من القضايا المزمنة فى منطقة الشرق الأوسط، وإذا تم حله فسوف يسمح ذلك بمزيد من الاستقرار والتطوير والبناء بالمنطقة.
■ تعانى دول العالم حاليًا من تأثير وباء كورونا.. فكيف تعاملتم معه فى بلادكم؟
- الحكومة اليونانية تعاملت مبكرًا مع وباء «كورونا المستجد» من خلال فرض حظر صارم، الأمر الذى قلل من نسبة الوفيات إلى حد كبير، إذ بلغت حوالى ١٩٠ حالة من بين ٣ آلاف و٣١٠ إصابات حتى الآن، وتعول حاليًا على انخفاض معدلات الإصابة بالفيروس عبر اتباع التعليمات والإجراءات الوقائية، من أجل إعادة اجتذاب السائحين.
من ناحية أخرى، ترك الوباء آثارًا سلبية كبيرة على الاقتصاد، لذا فإن إعادة فتح البلاد يعد أمرًا مهمًا فى ظل معاناة الشعب اليونانى من الركود الاقتصادى، خاصة أن الناتج المحلى الإجمالى لليونان يعتمد على السياحة بنسبة كبيرة هى ٢٠٪، وهذا ضعف المتوسط العالمى.
وزار اليونان، التى يحل موسم السياحة الرئيسى فيها فى فصل الصيف، خلافًا لمصر التى يحل فيها الموسم فى الخريف والشتاء، أكثر من ٣١ مليون سائح فى عام ٢٠١٩، ما يمثل ٣ أضعاف عدد السكان، لذا نعمل على تحقيق معدلات إيجابية فى الموسم الحالى، مع توخى الحذر الشديد فى استقبال السائحين.
■ أخيرًا.. كيف تقضى وقتك فى مصر.. وما الأماكن والأطعمة التى تفضلها؟
- ولدت فى بورسعيد، وأقمت بها حتى سن السادسة، ثم انتقلت مع عائلتى إلى القاهرة ودرست بها، لذا فقد عشت فترة طويلة من حياتى فى مصر، ما جعلنى سعيدًا للغاية بتمثيل بلادى لديها، خاصة أن اليونانيين يكنون مشاعر ود حقيقية تجاه الشعب المصرى.
وأحب كثيرًا المأكولات البحرية المصرية، كما أحب الفول والطعمية والطحينة بالثوم والبقدونس والعيش البلدى، وأفضل زيارة الأماكن الشاطئية بمصر، كما أننى أحب زيارة المتحف المصرى.