رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدث فى أديس أبابا


تحل بعد أيام «يوم ٢٦ يونيو ٢٠٢٠» الذكرى الخامسة والعشرون لمحاولة اغتيال الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك فى مدينة أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا، التى تتعنت الآن بشكل لم يخطر على بال فى موضوع مياه النيل، وهى المحاولة التى رتّب لها قادة ما يُعرف بـ«التنظيم الدولى للإخوان المسلمين»، بأجنحته فى قطر والخرطوم.
هذه الواقعة تُصنف ضمن أشهر ١٠ عمليات إرهابية هزّت العالم، خلال التسعينيات، وهى المحاولة التى أساءت للدولة السودانية الشقيقة، ووضعتها فى قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ولم تتخلص السودان من هذا العار إلا بعد الإطاحة بالرئيس الإخوانى عمر البشير، وتولى قيادة جديدة حاولت تصحيح الصورة والخروج من القوائم الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب.
حامت الشبهات حول بعض الشخصيات المصرية والعربية من حيث القيام بعمليات التخطيط والدعم والتنفيذ، وترتب بعض النتائج الخطيرة والمهمة اللاحقة على محاولة الاغتيال.. نتائج سياسية، ودبلوماسية، واقتصادية، مما كان لها أثر مباشر على عموم المواطنين السودانيين، ما تسبب فى وقوعهم تحت حصار دولى وعالمى، ولم تفلح محاولات قطر وبعض دول الخليج العربية وإيران فى التخفيف من آثار الحصار المدمر.
محاولة اغتيال مبارك شهدت ببراعة وقدرة القوات المسلحة المصرية من ناحية التدريب وإتقان فنون التعامل مع المواقف الطارئة والدقيقة، حيث قام حرس الرئيس بتصفية خمسة من المهاجمين.
بعد انهيار نظام البشير فى السودان وبداية التحقيقات معه بمعرفة النيابة العامة السودانية، كما نشر بعض الصحف مؤخرًا، تبيّن رصد مبالغ مالية كبيرة خصصها أمير قطر السابق، حمد آل خليفة، لشراء ذمم دول إقليمية، حتى لا تتعاطف مع مصر فى حال نجاح محاولة اغتيال مبارك، فقد أسفرت عملية التفتيش التى أمرت بها النيابة العامة السودانية، مؤخرًا، لمقر إقامة الرئيس المخلوع، عمر البشير، عن ضبط مبالغ مالية سائلة فى حقائب تصل قيمتها إلى أكثر من ١١٣ مليون دولار، تم العثور عليها بواسطة فريق مشترك من القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن، تحت إشراف النيابة العامة، ولم يبرر الرئيس المخلوع عمر البشير سبب وجود تلك المبالغ مخبأة فى حوزته.
الغريب أن محاولة الاغتيال تمت قبل ساعات قليلة من انقلاب أمير قطر السابق على والده، وكانت المخابرات القطرية مهتمة بمحاولة التغطية على عملية خلع الوالد والاهتمام بما حدث هناك، ولفت الأنظار إلى ما وقع لمبارك.
كما كانت العملية محاولة لتوجيه رسالة للدول الراديكالية الأخرى فى المنطقة ضد الدول الرئيسية فى المنطقة، وهى السعودية والعراق وسوريا والجزائر، وربما لتخويف زعمائها من المصير الذى ينتظرهم على أيدى تلك الجماعات الإرهابية، وعلى الأخص الجماعة الإسلامية المصرية التى تحركها قطر.
اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة المصرية وقتها، كانت له وجهة نظر ثاقبة، مبنية على معلومات مؤكدة، تكشف عن قوة المخابرات المصرية فى ذلك الوقت، فقد أصر قبل السفر لحضور وفد مصر المشارك فى القمة الإفريقية بأديس أبابا على أن يأخذ مبارك سيارته المصفحة، وفيما أعربت أطراف أمنية ودبلوماسية أخرى خلال الاجتماع الأمنى عن دهشتها كون هذه الخطوة تشكل، على حد وصفهم، «إهانة للإثيوبيين»، غير أن «سليمان» تمسك بموقفه، وحدسه الأمنى الاحترافى.
فى المقابل، استفادت إثيوبيا من تقاطع الخرطوم مع المحاولة الفاشلة، ووصمها بدولة داعمة للإرهاب، ومن ثم وجدت المبرر الأخلاقى لوضع يدها على منطقة «الفشـقة»، التى تُعد من أجود المناطق الزراعية فى السودان، حيث احتلتها بالقوة وطردت منها المزارعين السودانيين حتى الآن، ورغم أن السكان رفعوا مئات العرائض يطالبون فيها الحكومة بحمايتهم وإعادتهم لمنطقتهم فإنها لم تجد آذانًا صاغية، بل صدتهم الشرطة السودانية.. فهل تتحرك الحكومة السودانية الحالية لتحرير أرضها؟