رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

امرأة تقود مسيرة الإصلاح والحرية فى تونس


كل الدلائل تؤكد أن هناك حراكًا سياسيًا وشعبيًا قد بدأ فى تونس الشقيقة ضد الظلاميين، ولا شك أن هذا الحراك- فى تقديرى- ستكون له تبعات فى الأيام والشهور المقبلة، لأن تونس الخضراء، كانت دائمًا دولة متقدمة متفتحة إلى أن اندلعت أحداث يناير فى تونس الشقيقة ٢٠١١، فشهدت تحولات كبيرة وأزمات متتالية، ولم يتسن لها الاستقرار التام حتى الآن.

لا شك أن صعود الحركات الظلامية كانت له آثار سلبية على المجتمع التونسى وعلى مقدرات تونس خلال السنوات التسع الماضية، ولعل من الإيجابيات التى كانت فى تونس الخضراء قبل صعود التيار الظلامى أنها كانت سبّاقة فى مجال حقوق المرأة منذ عهد الرئيس التونسى الأسبق الحبيب بورقيبة، الذى كان أول رئيس للجمهورية التونسية سنة ١٩٥٦، ثم تم عزله بالانقلاب عليه من الرئيس السابق زين العابدين بن على سنة ١٩٨٧، والذى رحل بعد أحداث يناير فى تونس إلى خارج البلاد.
وها هى امرأة تونسية شجاعة تبرز فى قلب تونس لرفض ممارسات الإخوان ولاستعادة تونس المتقدمة، التى كانت ذات يوم من أجمل وأحدث الدول العربية، وهى عبير موسى رئيسة كتلة الحزب الدستورى الحر، وبينما أتابع أحداث تونس الأخيرة عدت بذاكرتى إلى عدة زيارات عمل إلى الدول العربية، كانت من أفضل الزيارات التى قمت بها أثناء مسيرتى الصحفية والإبداعية.
فلقد لفت نظرى تقدم تونس وجمال مواقعها السياحية واهتمام أهلها بالثقافة والفنون وتطور أوضاع المرأة التونسية بشكل عام، كما لفت نظرى تلك العلاقة الوثيقة بين الشعبين، وحب أهل تونس للفن المصرى والثقافة المصرية، وأسعدنا الترحيب والحفاوة اللذين وجدناهما من أهل تونس الشقيقة، والترحيب بالوفد المصرى، حيث كنت عضوًا فى الوفد الثقافى المصرى المشارك فى مؤتمر ثقافى بالعاصمة التونسية عام ٢٠٠٤، كانت قد أقامته منظمة الثقافة والعلوم التونسية على مدى ٣ أيام متتالية.
كما تشرفت بأن كنت عضوًا بمؤتمر عربى لحقوق الطفل فى العاصمة تونس باعتبارى عضوًا باللجنة الاستشارية العليا للمجلس القومى للطفولة والأمومة، وكانت ترأس الوفد المصرى أمين عام المجلس القومى للطفولة والأمومة الوزيرة السفيرة الفاضلة مشيرة خطاب، وشرفنا بترحيب كبير من قبل الإخوة الأشقاء فى تونس عام ٢٠٠٦، ونجح المؤتمر فى مناقشة أوضاع الطفولة العربية بُغية تحسينها وتطوير قوانين حماية الطفولة العربية.
وها هى الآن قد بدأت انتفاضة فى اتجاه الحرية والتقدم لتونس منذ أيام، تمثلت فى مبادرات وأحزاب ومواطنين من شعب تونس يتجمعون فى حراك لإنقاذ الدولة المدنية فى تونس.
وفى سابقة تعيد إلى الأذهان تونس السباقة فى الحريات المدنية وفى حقوق المرأة، تقدمت الصفوف السيدة البرلمانية عبير موسى، رئيسة كتلة الحزب الدستورى الحر فى البرلمان التونسى، لتسترد مكانة المرأة التونسية السباقة، حيث قدمت الكتلة مشروع لائحة جديدة تهدف لتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية مناهضة للدولة المدنية، وطالبت عبير موسى الحكومة فى مؤتمر صحفى بإعلان هذا التصنيف رسميًا، واعتبار كل شخص طبيعى أو معنوى تونسى له ارتباطات معها مرتكبًا لجريمه إرهابية وفقًا لمواد قانون مكافحة الإرهاب. وفى مساءلة لرئيس البرلمان التونسى، راشد الغنوشى، لفتت النظر إلى تجاوزات الغنوشى واعتبرته خطرًا على البرلمان والمصلحة العليا للبلاد وعلى الأمن القومى لها، وطالبت بتنحى الغنوشى عن البرلمان، حيث أصبح تنحيه مطلبًا شعبيًا، ولفتت النظر أيضًا إلى أن أكثر من ١٥٠ مواطنًا قد وقعوا على عريضة بسحب الثقة منه، وقالت له: «أنتم تنتمون لتنظيم الإخوان الذى بث الفتنة فى تونس وأعاد سياسات الاغتيالات».. وأكدت أن العديد من النواب قد تعهدوا على سحب الثقة منه.. إلا أن جلسة البرلمان لم تكتمل نظرًا لعرقلة الإخوان للمساءلة.. ثم حدث تحرك آخر، حيث دعت أحزاب جبهة الإنقاذ التونسية التى تتألف من ١٤ حزبًا لتشكيل مجلس وطنى للإنقاذ، تحت إشراف رئيس الجمهورية وتشكيل لجنة تدقيق فى أموال الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب النهضة التابع لتنظيم الإخوان الدولى وتجنيد أرصدتها.. ثم فى تصعيد آخر دعا بيان أحزاب جبهة الإنقاذ التونسى جميع التونسيين إلى هيئة شعبية، والنزول إلى الشارع يوم ١٤ يونيو، وأكدت الجبهة فى بيانها أن حراك ١٤ يونيو سيغير التاريخ- وفقا لها- فى تونس، إلا أن السلطات التونسية حاصرت ساحة بردو أمام مبنى البرلمان، ما أعاق آلاف المواطنين والمبادرات والأحزاب من الاعتصام السلمى، الذى شاركت فيه أطراف عديدة.. منها جبهة الإنقاذ الوطنى وحركة شباب تونس وغيرهما من الأحزاب الظلامية.. ووصف عضو جبهة الإنقاذ الوطنى، ماهر الخشناوى، للإعلام ما حدث يوم الأحد ١٤ يونيو- من منع الاعتصام السلمى- بأنه فضيحة، وقال إن الدولة تتحمل مسئوليتها التاريخية أمام ما حصل.. كما اتهمت النائبة السابقة فى البرلمان التونسى، فاطمة المسدى، حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشى بإفشال الحراك الذى يدعو إلى حل البرلمان، وتغيير النظام السياسى، وأكدت للإعلام أن تونس قد أصبحت اليوم تحت ديكتاتورية الإخوان.
وفى تقديرى أن الأيام المقبلة ستشهد مزيدًا من التصعيد للحراك السياسى والتجمع لأحزاب تونس ولقوى المجتمع، ولا شك أن كل الدلائل تشير إلى أن رياح التغيير قد بدأت تهب فى اتجاه تأسيس الدولة المدنية التى تتمتع بالحرية والتقدم والاستقرار ولاستعادة دور تونس فى الحريات المدنية وفى حقوق المرأة، ونأمل أن يكون ذلك قريبًا وبأقل خسائر للشعب التونسى الشقيق.