رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ حسان عميد كلية التجارة بالدين


هل تعرفون الشيخ الذى يصرخ فى خطبه، ويخيف الناس بالنار، ويروعهم بعذاب القبر؟ إنه الشيخ محمد حسان الذى ولد فى دكرنس محافظة الدقهلية ذات يوم من أيام عام ١٩٦٢ وعندما أنهى دراسته الثانوية دخل كلية الإعلام جامعة القاهرة، وتخرج فيها، وأثناء دراسته الجامعية كان قد بدأ فى إلقاء خطب محفوظة بالمساجد، يحفظ خطبة قديمة مرصعة بالأشعار، ومليئة بما يُبكى، ويصرخ بأعلى صوته وهو يحذر المسلمين من عذاب النار، ويخوفهم من عذاب القبر، يقرأ عليهم قصيدة شهيرة كتبها الشاعر على لسان ميت: فيقول أخذونى ووضعونى وغسلونى وقلبونى وأنا لا أملك حولًا ولا قوة، وجاء الملكان فسألانى، ويبكى الشيخ وهو يقرأ الشعر، ثم يتحول بكاؤه إلى نحيب ونشيج، فيبكى من يستمع له فى المسجد، فالبكاء يجلب البكاء.
هذا شيخ خطيب مفوه لسن، يجرى الكلام على لسانه بقوة وسرعة وفاعلية، وقدرته على تلوين صوته فى الخطابة كبيرة، اتبع فى إحدى الفترات مدرسة شيخه عبدالحميد كشك، وكلهم تأثروا به، ولكن مدرسة كشك أصبحت من المدارس القديمة التى لا تغنى ولا تسمن من جوع، فبعد أن انتهى زمن كشك جرى فى النهر ماء كثير، وتغيرت الأحوال، وظهرت عندنا طبعة غريبة من الإسلام هى الطبعة البدوية، ومفاهيمها جد غريبة على المصريين، واعتمدت هذه الطبعة الجديدة أو المدرسة البدوية الوهابية على تخويف المسلمين من أمرين من الأمور المؤسسة للشخصية المصرية الأصيلة، وهى القبر، والآخرة، فالقبر فى عقيدة المصريين منذ قديم الزمن حالة وجودية شديدة الأهمية، ومن أجلها صنع المصرى قبره القديم، فهو يمثل المرحلة الانتقالية من الدنيا إلى الآخرة، القبر عند المصريين ليس مجرد حجارة مبنية، ولكنه حجرة كاملة ينام فيها الميت كما ينام فى بيته سواء بسواء، هو ليس حفرة مثل اللحود التى يعرفها البدو ويدفنون فيها موتاهم، ولكن القبر عند المصريين حياة، وعند البدو انتهاء وفناء، والمصرى يذهب فى كل أعياده إلى مقابر موتاه ليشاركوه فرحة العيد، وعند القبر تنساب الأحزان، فالفرح عند المصرى أمر عارض، أو اعتداء على نظم الحياة.
أما الآخرة فهى الغيب الذى يتمنى المصرى أن يعيش حياته الأخرى فى نعيمه، هذا أمرٌ يعيش فى ضمير المصريين، فإذا عزفت أيها الشيخ على هذين الوترين تحكمت فى المصرى، خوِّفه من القبر وعذابه، واحكِ له عن قصص النار وأهلها، فعندما كنت يا شيخ تخطب من فوق منبرك بتلك القصص، وما رآه الرسول فى المعراج من أهل النار، أبكيت كل من كان يستمع لك، وكان يغذى قصصك شيخٌ آخر بقصص الدار الآخرة من منبر مسجد أسد الفرات بالدقى وهو الشيخ صاحب الثياب الأنيقة عمر عبدالكافى، ذلك الشيخ الذى أخذ قصص الشيخ عبداللطيف المشتهرى التى ألقاها فى الستينيات، ونقلها بالكلمة دون حذف أو إضافة، ولكن تأثيرك يا شيخ حسان كان أكبر وأعظم.
وفتحت لك الدنيا أبوابها، بل قل فتح لك الدين أبواب الدنيا، وأصبحت لديك قناة فضائية، وسيارات ثمنها بالملايين، وهنيئًا لك رحلات الحج والعمرة التى تذهب فيها مع شركة الحاجة «شرف روح» ابنة خال مرشد الإخوان السابق مهدى عاكف، حج وعمرة بالمجان، وأموال تتدفق، وقد آن لك يا شيخ أن تجلس مع شيخكم البدوى ابن باز، صحيح أنها كانت جلسة أو جلستين، ولكن يكفى أن تقول لأتباعك إنك تتلمذت على يد ابن باز، ومعظم الأتباع لا يعرفون الباز ولا ابنه، ولكن اللقب يوحى بالأصالة، ويعطى انطباعًا بالعلم، ولتُضف لابن باز شيخك الآخر الألبانى، وهو الاسم المقدس عندكم، بل هو فى الحقيقة عندكم قدس الأقداس، ومن اقترب من حياضه علا وارتفع، ولتكن جلسة واحدة ولكنك ستنال بسببها المجد، وسيفتح لك كبار الأثرياء فى المملكة دورهم، فهم يحبون أن يجلسوا مع من اشتهر بين الناس فى مصر، يحبون شهرتك ويجلسون معك كما يحبون شهرة الممثل محمد رمضان ويجلسون معه، أنت مجرد حالة عندهم يسعدون بها أبناءهم، ولتأخذ هداياك يا شيخ بعد الزيارة.
ومثل رفيقك فى الدعوى والعلم حجازى الشهير بأبى إسحاق الحوينى تبدأ فى إطلاق الفتاوى سريعة الطلقات، وكلها على نفس الشاكلة، التصوير حرام، وشهادات الاستثمار وفوائد البنوك حرام، والموسيقى والغناء حرام، وتهنئة الأقباط بأعيادهم حرام، لدرجة أننى كدت أعتقد أن الشيخ سيقول إن الحلال حرام! وقبل أحداث يناير رأيناك تتمنى أن يكون جمال مبارك هو الرئيس القادم، وأثناء أحداث يناير رأيناك تخرج على الناس وتقول إن المظاهرات حرام، عودوا إلى بيوتكم، ثم تبكى وأنت تقول إنك تخاف على الشباب، وإن مبارك حاكم صالح، ثم بعد أن تنازل مبارك عن الحكم سيختلف الحال، فبوصلة التجار تتجه دائمًا صوب تحقيق المصلحة، والمصلحة الآن ضد مبارك وابنه، فإذا بك تقول فى درس من دروسك إنك رأيت مجموعة من الموظفين يحملون صورة مبارك ليتم تعليقها فى إحدى المصالح الحكومية وإنك وقتها قلت إن مبارك حاكم ظالم لم نر منه صلاحًا قط! من النقيض إلى النقيض وفقًا لطلبات الجماهير يا شيخ حسان.
وتمر الأيام ورتبة صاحبك الحوينى فى مراتب العلماء ترتفع، وأنت يا شيخ مجرد واعظ يقف على المنبر ويصرخ فى الجالسين، فكيف تحصل على مرتبة العلم، الدكتوراه مثلًا؟! فليكن، ولكن ليس من الأزهر وإنما من الجامعة الأمريكية، وتمنحك أمريكا الدكتوراه فى الشريعة فتصبح الشيخ الدكتور، ولكن صديقك منحه حبركم الأعظم الألبانى صك العلم فماذا أنت فاعل؟!، الأمر بسيط جدًا، فذات درس من دروس الشيخ حسان قال لمريديه وهو يقسم لهم بأغلظ الأيمان أن الصحابى خالد بن الوليد جاء إليه فى المسجد، ولكن فى الدور الأرضى، صحيح أن خالد بن الوليد لم يقدم بطاقة إثبات الشخصية للشيخ حسان، ولكن ليست هذه مشكلة، فليقل حسان إن ابن الوليد كان يرتدى ثيابه العسكرية، وبالثياب العسكرية عرف حسان أن هذا هو ابن الوليد، ثم يستطرد حسان قائلًا: وأخذ ابن الوليد ينظر لى، ثم نظر إليه تلاميذى فعرفوه، وهل يخفى ابن الوليد على تلاميذ الشيخ حسان على سن ورمح؟! وقامت حالة هرج ومرج، فقال ابن الوليد لطلاب العلم الذين يجلسون فى حضرة العالم حسان، اصمتوا واهدأوا فأنتم فى حضرة عالم، وأشار إلى حسان أن استكمل درسك. ما شاء الله، ويبدو أن حسان استشعر فداحة القصة، فقال بصوت خفيض يكاد لا يُسمع: «دى رؤيا طبعًا»، ثم يقول للمصور: لا تذع تلك الفقرة لأنها لتلاميذى فقط، نفذ أمرى فأنا صاحب القناة، ما شاء الله، خالد بن الوليد زكَّاك يا حسان وقال إنك عالم، فى حين أن الألبانى هو الذى أعطى صاحبك الحوينى صك العلم، ولكن الألبانى ليس من الصحابة، أما أنت فما شاء الله تلقيت الصك من الصحابى خالد بن الوليد، وبهذه التزكية تصبح رتبتك أعلى.
ورغم تحريم التصوير، وتحريم العمل بالتصوير فإن لك مصورًا يصورك كيف يشاء، والأتباع يصدقون، والدنيا تناديك، ولكنك لا تقل لها يا دنيا غرى غيرى، فقد غرتك وغرَّت الحوينى ورفاق الصنعة كلهم، وذات يوم قريب إذا بك تقف فى الصف خلف الحوينى، فحينما اعتذر هو عن أخطائه بكلام مجمل، فلتعترف أنت ليس بأخطائك فقط، ولكن المزاد يحتاج إلى المزيد، فلتقل إن علماء هذا العصر وأنت من بينهم أخطأوا كثيرًا وأصدروا فتاوى دون علم ودون تريث، وإنك تعتذر وتتوب إلى الله من تلك الأخطاء.
فى الفن يقوم الممثل بتغيير أدواره ليضمن لنفسه البقاء، ولنا فى فريد شوقى المثل الواضح، بدأ بأدوار الشر الصغيرة، ثم امتدت مساحة أدواره، ولم يجد شوقى بدًا إلا أن يغير طبيعة الأدوار التى يقوم بها، فليكن وحش الشاشة، القوى الذى يقف وحده أمام طغمة من العصابات فيحطمهم بيده القوية، ويظل «شوقى» على هذه الأدوار فترة من الزمن، ولكن العمر يجرى بنا، والتجاعيد أصبحت تملأ الوجه الصبوح، فليتجه «شوقى» إلى نمط آخر، وليكن الأب المريض المظلوم الذى يبكى من جحود الأبناء فيبكينا، وليكن دوره فى البؤساء قمة فى التراجيديا، ويستمر «شوقى» على هذا المنوال، ثم يغير من طبيعة أدواره ويأخذ أدوارًا كوميدية، وهكذا، فالدنيا لا تستقيم على شكل واحد، ونحن يجب أن نغيرها قبل أن تغيرنا.
ما يحدث هو شكل من أشكال التغيير، أو «النيو لوك» ليتناسب مع التغييرات الكثيرة التى طرأت على عقلية ونفسية الشباب المصرى، وفى هذا كله لا ندعى أننا ندخل فى علم الغيب، وإنما نحن نبحر فقط معكم فى الأحداث لنستنتج منها، وقد يكون ظننا غير صحيح، ولذلك نريد أن تؤكدها يا شيخ، وطالما أن الله فتح لك أبواب الرزق وأصبحت الملايين ملك يمينك فليتك تتبرع لصندوق تحيا مصر بثلاثين مليون جنيه، على أن يتم صرفها فى المشروعات التى تدعم الدولة بها الفقراء، وقتئذ سنصدق اعترافاتك وسنقول إنك تبرأت منها من أجل صلاح الدين، قبل أن نقول عنك إنك كنت سببًا فى فساد الدين.