رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مواويل «المنيلاوى» تفضح عشق «نظلة هانم» لفتى من العامة

صالوني ثقافة وأدب
صالوني ثقافة وأدب

كان صالون العقاد الأدبي٬ وصالون مي زيادة٬ أشهر صالوني ثقافة وأدب عرفتهما مصر عشرينيات القرن المنصرم٬ شهرة صالوني زيادة والعقاد طغتا علي صالونات أدبية أخري كثيرة٬ ومنها صالون "نظلة هانم" إحدي أميرات مصر في مطلع القرن العشرين.

كانت لقاءات الصالون تعقد في قصر نظلة هانم الكبير٬ والذي تميز عن غيره من الصالونات بتحرره من قيد تقاليد تلك الفترة٬ يغني فيه المطرب للرجال والنساء معا٬ فلا تضطره التقاليد إلي الغناء في قاعة الرجال مرة وفي قاعة الحريم مرة أخري كما جرت العادة في هذا الزمان.

ومن طرائف الصالون التي يحكيها كمال النجمي في كتابه "مطربون ومستمعون" الصادر عام 1970 أن الشيخ "المنيلاوي" كان يبتهج علي وجه الخصوص حينما يكون لديه حفل في صالون نظلة هانم. ففي هذه الحفلات يغني ويتسلطن في بهو فسيح أنيق معطر والمستمعون نخبة من علية القوم ونجوم الترك والشركس والمصريين عليهم وقار وأدب وأبهة٬ لا صراخ ولا ضجيج ولا خروج عن الأدب٬ وهناك لا يصيح جلف بأعلي صوته: "والنبي كمان ياسي الشيخ المنيلاوي" المدعوون للصالون النبيل تكللهم رتبة الباشوية أو علي الأقل رتبة البكوية٬ وأقلهم شأنا المحليون الحاصلون علي رتبة البكوية من الخديو٬ ومن بين هؤلاء رجال مستنيرون كقاسم أمين٬ فتحي زغلول وأحمد شوقي.

قال الشيخ "المنيلاوي" لنفسه: إذا كان فيهم من لا يفهمون الكلام العربي فإنهم ولا شك يفهمون الألحان ويطربون للنغمات٬ وهل يصاب الإنسان بالصمم حين يخلع عليه السلطان رتبة البكوية أو الباشوية؟.

هز حضور الصالون رءوسهم علي نغمات العقاد أشهر عزفي القانون٬ وتساءلت نظلة هانم في دلال سلطاني: ولكن أين العود؟ ووثب أحمد الليثي أشهر عازفي العود وقال: تحت أمرك يا مولاتي.
واهتز الجالسون لنغمات العود وقال قاسم بك أمين: أحسنت ياسي أحمد أفندي يا ليثي. ولما أخذ الشيخ المطرب يغني٬ هدأ المستمعون وأنصتوا٬ فالشيخ أعظم مطربي مصر٬ وصوته السحر أو أشد تأثيرًا.
وفجأة ارتفع من بين الجلوس صوت شاب يصيح: والنبي كمان يا سي الشيخ آه والنبي كمان. عصفت بالشاب صيحات الاستنكار وانطلقت من أفواههم دفعة واحدة بلهجة تركية "آداب سماع أفنزم"

يوضح "النجمي": لم يلتفت الشاب إلي آداب السماع٬ وصاح: آه والنبي كمان يا مولانا.. يا سلام يا سيدي إنت. وهمس أحمد شوقي لفتحي زغلول: أظن هذا الشاب من أولاد البلد٬ بل هو قطعًا من أولاد البلد.

فرد زغلول: نعم وقد سمعت عنه قبل الحضور إلي هنا٬ إنه جديد في حاشية الأميرة وهي شديدة السرور به٬ إذن نسمع علي مزاجه لا علي مزاجنا٬ فعاقبة هذه الليلة له وحده.

ورمق الشيخ المنيلاوي الفتي الوسيم فأيقن علي الفور أنه ليس طفيليّا علي الصالون٬ بل منه في السويداء والصميم٬ فارتفع صوته الجميل وكأنه يغني له وحده: بستان جمالك من حسنه أبهي وأجمل من بستان وان ماس قوامك علي غصنه يعلم البلبل ألحان.

ومر الموال علي قلب الأميرة فتململت من ألم وطرب٬ واجتمعت في قلبها صحوة الألم وسكرة الطرب فأسبلت عينيها وضغطت بيديها علي صدرها كأنها تحاول أن تضع حاجزًا بين العواطف المتناقضة في قلبها الجريح.

وروحت بمروحتها علي وجهها فنثرت في الهواء دائرة عطر٬ وتنهدت الأميرة مأنها تقول: آه..آ ه إن من الغناء نوعا خاصا يسري في الشرايين كالدم٬ لا أسمعه حتي يصيبني جرح عاطفي أري دمي يسيل منه.

وقال أحمد شوقي لزميليه قاسم أمين وفتحي زغلول: ما أظن المنيلاوي سيترك المواويل في ليلتنا هذه فقد وافقت المواويل جرح الأميرة ووافقت مزاج الفتي الجميل٬ وأظنها أيضا وافقت هوي هؤلاء الباشوات والبكوات الغافلين. أتظنان حقا أن "كل دا ماكنش يلزم" في هذه الليلة التي تلتقي فيها الأميرة بحبها علي مرأي ومسمع من الجميع؟" وضحك قاسم أمين وقال: "من وجهة نظر الأميرة٬ أظن أن هذا أقل ما يلزم".