رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا فعل المجتمع الدولى؟


السؤال طرحه رامى عبدالرحمن، مدير المرصد السورى لحقوق الإنسان، وهو يتحدث عن «كتيبة الدواعش»، التى انتقلت من البادية السورية إلى مناطق «جبهة النصرة» ثم إلى ليبيا، مؤكدًا أن لدى المرصد قائمة بأسماء هؤلاء الدواعش، الذين أرسلتهم تركيا، مع حوالى ١٣ ألف مرتزق سورى، أمام أعين المجتمع الدولى.
لم يفعل ذلك المجتمع الدولى شيئًا، ولن يفعل، وستظل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وعن مجلس الأمن، مجرد حبر على ورق، خاصة القرار رقم ١٩٧٠، الصادر فى ٢٦ فبراير ٢٠١١، الذى يحظر على جميع الدول الأعضاء إرسال المرتزقة إلى ليبيا، سواء كان مصدرهم أراضيها أم لا. كما يحظر، أيضًا، توريد جميع أنواع الأسلحة، أو بيعها لها أو نقلها إليها، بشكل مباشر أو غير مباشر، انطلاقًا من أراضيها أو عبرها أو على أيدى رعاياها أو باستخدام سفنها أو طائراتها، ومنع تقديم المساعدة التقنية والتدريب وغيرها من أشكال المساعدة.
فى المقابل، لا تزال تركيا مستمرة فى إرسال السلاح والمرتزقة إلى ليبيا، وتمكنت من عرقلة المهمة البحرية الأوروبية «إيرينى» التى حاولت تطبيق قرار مجلس الأمن، ما دفع الاتحاد الأوروبى إلى طلب الدعم من حلف شمال الأطلسى «ناتو». وبحث إمكانية التنسيق مع عملية «سى جارديان» التابعة للحلف، التى قيل إن هدفها هو منع وقوع أنشطة إرهابية، والمساهمة فى استقرار المنطقة، غير أن هذا التنسيق يستوجب موافقة كل الدول الأعضاء فى الـ«ناتو»، ومن بينها تركيا. وبالتالى، لا يمكن الرهان على الخروج بأى نتيجة من الاجتماع الذى سيعقده وزراء دفاع دول الـ«ناتو»، خلال أيام، إذ ليس معقولًا أن توافق تركيا على تطبيق قرار أممى يتفاخر رئيسها بانتهاكه، بزعم ضمان الاستقرار فى جنوب أراضيه، الذى يشمل ليبيا!.
ما يجعل حلف «ناتو» شريكًا لتركيًا فى جرائمها وفى انتهاكاتها للقرارات الأممية، هو أن البند الحادى عشر، من قرار مجلس الأمن السابق ذكره، طالب جميع الدول، بأن «تتولى، بما يتفق وسلطاتها وتشريعاتها الوطنية ويتسق والقانون الدولى، وبخاصة قانون البحار واتفاقات الطيران المدنى الدولى ذات الصلة، القيام داخل أراضيها، بما فى ذلك فى الموانئ والمطارات، بتفتيش جميع البضائع المتجهة إلى الجماهيرية العربية الليبية أو القادمة منها».
تركيا، كما قال بيان أصدره الجيش الوطنى الليبى، الإثنين الماضى، وكما تقول وقائع عديدة مستمرة منذ تسع سنوات، تستغل عضويتها فى حلف الـ«الناتو» لاحتلال ليبيا، عبر الميليشيات الإرهابية، التى لم تتوقف عند دعمها بالسلاح والمرتزقة. وفى أكثر من مناسبة وفى سياقات مختلفة، أكد الجيش الليبى أنه يقاتل قوات تركية وميليشيات إرهابية وإجرامية مدعومة منها ومن قطر. ولو تشككت فى ذلك، سيتحول شكك إلى يقين حين ترى نعيًا، فى غالبية الصفحات الموالية للإخوان على شبكات التواصل الاجتماعى، أمس الأول الجمعة، للإرهابى السورى سامر الأطرش، المعروف بـ«أبويعرب الأثرى»، الذى كان قياديًا فى تنظيم «داعش»، ثم ذهب إلى ليبيا فى يناير الماضى ضمن أفواج حملتها رحلات جوية تركية.
الأكثر من ذلك، هو أن الإرهابى السورى غليص جنّاب، المعروف باسم «قاطع الرءوس»، رصدته الكاميرات وهو يتجول داخل طرابلس، مرتديًا زىّ الشرطة التابعة لحكومة السراج المزعومة، ويحمل رتبة عميد مع كاب «غطاء رأس» لسلاح الصاعقة. والمذكور كان قياديًا بتنظيم داعش، وارتكب عدة جرائم ذبح فى مدينة حلب السورية، ثم حملته طائرة تركية فى يناير الماضى إلى ليبيا. وهناك آلاف من العناصر الإرهابية والمرتزقة السوريين، يقيمون داخل بيوت، بعد طرد سكانها، فى منطقتى السدرة وصلاح الدين جنوب العاصمة طرابلس.
وسط هذه المعجنة، ومع استمرار المواجهات فى محاور مصراتة وسرت بغرب ووسط البلاد، أعلنت البعثة الأممية عن مشاركة وفدى الطرفين فى الجولة الثالثة من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة «٥+٥». وذكرت أنها اجتمعت، عبر الفيديو، مع وفد «حكومة الوفاق»، الأربعاء، بعد اجتماع مماثل مع وفد «الجيش الوطنى». والطريف أن البعثة قالت إنها ناقشت خلال الاجتماعين «المثمرين»، آخر التطورات على الأرض، وتلقت ملاحظات الوفدين على مسودة اتفاق وقف إطلاق النار، الذى قدمته البعثة إلى الطرفين فى ٢٣ من فبراير الماضى. فى حين يقول الواقع إن الدول التى تستخدم مجلس السراج، أو حكومته المزعومة، لا يعنيها استقرار ليبيا، ولا يمكن أن توافق على وقف إطلاق النار، إلّا بعد إرسال كل عناصر ميليشياتها إلى الجحيم.
الخلاصة، هى أن المجتمع الدولى لم ولن يفعل شيئًا، وسيظل يتفرج، مثلنا، على الانتهاكات التركية الحالية والمستمرة، كما فعل مع التى سبقتها، مكتفيًا بالإعراب عن قلقه، وبدعوة جميع الأطراف الخارجية، فى المطلق ودون تسميتها، إلى عدم التدخل فى الشأن الليبى. ولا عزاء أو حياء أو حياة لمن تنادى.