رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شرطنا الوحيد للحوار مع تركيا



عبر أحد غلمانه، أقرّ الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، بأن «مصر دولة مهمة للشرق الأوسط والعالم الإسلامى، وأن العالم الإسلامى يحتاج أن تكون مصر قوية ومستقرة». وكان ملخص الرسالة التى نقلها جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركى، فى حواره مع قناة «NTV»، الخميس، هو مطالبتنا بـ«إجراء حوار وتعاون مع تركيا بدلًا من تجاهلها»، الأمر الذى لا نراه بعيدًا، أو مستبعدًا، لو تحقق شرط واحد، ستجده فى الفقرة الأخيرة.
الرسالة نفسها سبق أن نقلها ذلك المقاول الأجير، أو المستعمَل، بفتح الميم الثانية، فى سبتمبر الماضى، حين توهم مستعملوه أن بإمكانه إشعال «ثورة»، وجعلوه يلوّح باستفتاء الشعب على «بيع حقل غاز لدولة أخرى أو مشاركتها فيه». وبالتزامن، قامت إحدى إماء أو حريم الرئيس التركى، اسمها إسراء إلونوى، بترجمة تلك الرسالة بأن كتبت فى حسابها على «تويتر» أن كل شىء سيتوقف إذا قرر السيسى الحوار بشأن غاز شرق المتوسط.
ما يقطع بأن هذا الكلام ليس عابرًا أو مجرد «هبد»، هو أن ياسين أقطاى، مستشار الرئيس التركى، قام بمشاركة، «ريتويت»، تلك التغريدة، ما يعنى إقراره هو ورئيسه بمحتواها. والمذكورة، تعمل بإحدى القنوات التليفزيونية التركية الحكومية، واعتاد المذكور مشاركة تغريدات من حسابها، الذى يتابعه حوالى ١٢٠ ألفًا. وعلى ذكر «تويتر»، فقد أعلنت الشركة المالكة للموقع، الخميس، إيقاف حسابات فى تركيا قامت بحملة منسقة لدعم الرئيس التركى، وحزب العدالة والتنمية. وأوضحت الشركة، فى مدونتها الرسمية، أن شبكة من ٧٣٤٠ حسابًا، مرتبطة بجناح الشباب فى الحزب التركى الحاكم، نشرت تغريدات ومواد تصب فى صالح الرئيس التركى وحزبه، قدّرها باحثون فى ستانفورد بـ٣٧ مليون تغريدة.
غاز شرق المتوسط هو كلمة السر، ولا نكشف جديدًا لو قلنا إن التحولات العديدة، التى جرت وتجرى فى المنطقة، منذ ٢٠١١، كان أحد أو أبرز أهدافها محاولة السيطرة على مصادر الطاقة. وبالتالى، كان طبيعيًا أن تبادر مصر، فور استرداد عافيتها، إلى تنظيم عمليات الاستثمار فى تلك الثروة، الذى بدأ فعلًا بعد ذلك الاجتماع الذى عقدته فى ٢٠١٤ مع اليونان وقبرص.
بتتابع الأحداث، تحطمت أحلام الرئيس التركى فى أن تصبح بلاده ممرًا للطاقة من المتوسط إلى أوروبا، وفشلت محاولاته لفرض نفسه على التحالفات الإقليمية والدولية التى تشكلت لتقاسم ثروات شرق المتوسط، سواء عبر توقيعه اتفاقية مع «جمهورية شمال قبرص»، المزعومة، غير المعترف بها دوليًا، أو بتوقيع مذكرة تفاهم، أو صفقة، مع غير ذى صفة فى ليبيا، تخالف بديهيات الجغرافيا والقانون الدولى واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التى لم توقع عليها تركيا، أساسًا.
تأسيسًا على ذلك، أرسلت تركيا سفن بحث وتنقيب عن النفط والغاز عن مصادر الطاقة فى شرق المتوسط، مع أن دولًا كثيرة أعلنت رفضها تلك الأنشطة «غير القانونية»، من بينها قبرص، اليونان، وكل دول الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، ومصر. وفى مواجهة تصاعد انتهاكات تركيا للقانون الدولى، وخطابها العدائى، كانت هناك تحركات كثيرة، أحدثها قيام وزيرى خارجية إيطاليا واليونان، الثلاثاء، بتوقيع اتفاق ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية فى البحر الأيونى، الذى يفصل البلدين المجاورين.
ضربة موجعة جديدة تلقاها الرئيس التركى، الذى لم يتوقف عن إرسال سفن تنقيب، والذى يواصل ضخ الأسلحة والمرتزقة إلى الميليشيات الإرهابية فى ليبيا، وفى غيرها. وننتظر ضربة موجعة أخرى بعد أن طلبت اليونان، الأربعاء، إدراج «سلوك تركيا فى المنطقة» على جدول أعمال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى الإثنين المقبل.
بعيدًا عن أحلام الرئيس التركى وأوهامه، سارت مصر بخطوات ثابتة نحو هدفها، وتمكنت من الإمساك بمفاتيح مستقبل غاز شرق المتوسط، وفرضت اسمها على خريطة الطاقة الدولية، انطلاقًا من موقعها الاستراتيجى، وتأسيسًا على جهودها طوال السنوات الست الماضية، فى تطوير هذا القطاع، واستنادًا إلى قواتها المسلحة، القادرة على قطع أيادى ورقاب كل من يحاول الاقتراب من ثروات شعبها ومقدراته. ويمكننا أن نقول، إجمالًا، إنه لا يوجد عائق، قانونى أو عسكرى، يمنعنا من الحفاظ على حقوقنا فى ثرواتنا ومواردها الطبيعية.
تركيا، يقودها الآن مخبول، لم يعد أمامه إلا نهب غاز المتوسط أو السطو على ثروات ليبيا أو إشعال حرب، لكى يتمكن من تعويض رهاناته الخارجية الخاسرة ويتجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية، التى عجز ويعجز عن حلها، خاصة بعد أن ضاعفها فشله فى مواجهة وباء «كورونا المستجد». وهكذا، صار وجود أردوغان فى الحكم، أو على قيد الحياة، خطرًا على تركيا وشعبها، وعلى المنطقة كلها. وعليه، يكون شرطنا الوحيد للحوار هو أن يطيح الشعب التركى، الصديق، بهذا المخبول وحزبه وغلمانه، وهو ما ننتظر حدوثه قريبًا، قريبًا جدًا.