رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فاتورة إرضاء الجميع.. من يدفعها؟


يكاد يجمع علماء وأطباء النفس على أن تقدير الآخرين سمة أخلاقية يسعى إليها الغالبية وبشتى الوسائل للحصول على ميزة المثالية فى العلاقات الأسرية والعلاقات بين زملاء العمل، حتى ينال الشخص ميزة قد تتفرد بها أقلية بين أكثرية المحيطين، وفى سبيل إرضاء الجميع تكون التضحيات أحيانًا فوق الطاقة فى سبيل الحصول على إعجاب غالبية المحيطين فى الأوساط المختلفة بداية من الأسرة ثم الرؤساء والزملاء حتى ولو كانت التكلفة أحيانًا فوق الطاقة سواء ماديًا أو نفسيًا أو أسريًا، وقد يبدو أن الشخص الذى يسلك هذا المسلك يرى نفسه وكأنه على خشبة المسرح يؤدى دوره فى المسرحية، باذلًا كل جهده لينال إعجاب المشاهدين أولًا، كما على شباك تذاكر المشاهدين، وقد يطول زمن المسرحية أو يقصر، ولكنه فى النهاية شباك مسرحية، مهما بلغ الإعجاب بها فهو لفترة زمنية قد تطول أو تقصر.
أما الحياة الأسرية والعملية والمجتمعية فهى ذات وضع خاص تحتاج إلى التوازن الدقيق بين ما يرضى الجميع بمن فيهم الشخص المعنى.
وهنا يأتى السؤال: هل ما يقوم به الإنسان مطلق القدرات النفسية والصحية والمادية؟ وليس كل المحيطين به لهم ذات المشاعر نحو مقدم الخدمة، أم يسمع من يهمس فى الآذان قائلًا: للصبر حدود، وكل شىء فى الحياة له مكانه ومكانته وكيفية أدائه، فطاعة الجندى فى الميدان تختلف عن طاعة الموظف لرئيسه، وكلاهما يختلف عن طاعة الأبناء لوالديهم، فالجندى يسمع التعبير «أطع الأوامر ولو خطأ».
أما الموظف مع رئيسه فهو يملك حق الحوار فى أدب، فقد يكون لرأى الموظف مكانته وقد يعدل الرئيس فى مطلبه مع الشكر لمعاونه، بل ويفكر ذلك الرئيس فى الاستعانة بآراء مساعده فى الكثير من الأمور مادحًا رجاحة وذكاء عقل ذلك المعاون، وفى العموم قد منحنا الخالق عقلًا يفكر، كما أننا ربينا فى أوساط عائلية كنا فى صغرنا نطلب وننتظر الجواب، ثم صرنا فى مواقع قيادة أسرة منها الزوجة ومعنا الأبناء، ولكل منهم طلباته واحتياجاته، كما توجه لجميعهم متطلبات وتوقعات ويُنتظر من كل منهم تجاوبه، ليس ردًا لمطالب طلبوها وأجيب منها ما لاقى التقدير وبتكلفة فى حيز القدرات، مع إقناع بأن لكل قدراته، أو مدى فائدة ما يطلب من جانب، أو مضار المطلب ومخاطره من جانب آخر، والحياة العائلية تختلف عن علاقات العمل أو الجيرة أو ميادين الحرب والقتال، فلكل مقام مقاله كما نردد فى الأمثلة الحياتية.
ومن الأقوال المأثورة عبارة نعيشها أكثر من أن نرددها: «سعادة الوالدين فى إسعاد أولادهما»، وكذلك فى إسعاد الأزواج لزوجاتهم وتبادل هذه المشاعر ليس بالكلام، ولكن بالعمل والحق.
والسؤال الذى يتردد: هل التجاوب مع المطالب الأسرية بلا حدود؟ وكيف يقدر أسلوب التجاوب؟ فكم من الخلافات العائلية سببها رفض طرف من الأطراف، وهنا لزم القناعة بأسلوب الحوار وتبادل الآراء، فقد تكون مطالب الأبناء فوق استطاعة قدرات الأبوين، وهنا لزم أسلوب الحوار وليس الشجار، فقد تكون المطالب فى غير مكانها أو مكانتها الاجتماعية، وقد تكون المطالب أكثر تكلفة من قدرات الوالدين أو أحدهما بالنسبة للآخر.
أما الجانب الأهم من المطالب هو قدرات الوالدين لتحقيق مطالب أعضاء الأسرة وإدخال البهجة على كل عضو فى الأسرة، مع مراعاة أن إسعاد طفل غير إسعاد الكبار من الأبناء الذين يدركون قدرات الوالدين على إجابة كل مطلب أو بعض من هذه المطالب، وهنا يأتى دور الحوار والذى يختلف عن الشجار أو شبه المقاطعة، فالطفل له احتياجاته وقد تكون أيسر فى تحقيقها، والأبناء كل منهم وفقًا لمراحل حياته، وما هو ضرورى ويتحتم تحقيقه، أو كمالى يتم تقديره حسب مكانته وإمكانية تحقيقه.
وفى جميع الأحوال ينصح أطباء العلاج النفسى بألا يتجاوز التجاوب مع المطالب الحدود التى تستنزف الجهد والطاقة أو القدرات المالية، مما يؤدى فى النهاية إلى آثار سلبية تستنزف الطاقة أو الاحترام العائلى، ما يؤدى إلى تفكك عائلى أو مرض نفسى لأى من أعضاء الأسرة، أو الدخول فى دائرة العلاج النفسى، مما يضيف للأسرة الألم بدلًا من الأمل، والفزع بدلًا من الفرح، والعبء المادى بدلًا من الكفاية المادية المريحة، والتفكك بدلًا من الترابط والوحدة، وهنا نقول نعم للعطاء حدود كما للصبر حدود أيضًا.