رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقدماتُ حربِ 1967 [4]



وبالفعلِ لمْ يكنْ عبدُ الناصرْ يريدُ الحربَ.وهوَ ما أكدتهُ الدكتورةُ هدى عبدِ الناصرْ في مقالها بصحيفةِ المصريِ اليومِ، في 11 سبتمبرَ 2012:
- " الواقعُ أنَ الأزمةَ بحشودِ إسرائيليةٍ على الحدودِ معَ سورية، وقدْ جاءتْ معلوماتٍ عنها لمصر منْ مصادرَ متعددةٍ، منْ السوريينَ الذينَ حددوا هذهِ الحشودِ ب 18 لواءً، ثمَ أبلغَ السوفييتُ أنورْ الساداتْ - الذي كانَ في وفدٍ برلمانيٍ في موسكو - بأنَ غزوَ سورية وشيكٌ! كانَ بيننا وبينَ سورية اتفاقيةً للدفاعِ المشتركِ منذُ سبتمبرَ 1955، ثمَ كانَ بيننا إيمانٌ بالنضالِ وبالمصيرِ المشتركِ، ولذلكَ فقدْ كانَ محتما علينا أنْ نتحركَ لمواجهةِ الخطرِ على سورية، ولقدْ نتجَ عنْ تحركنا العسكريِ آثارَ عمليةٍ، طلبنا سحبَ قوةِ الطوارئِ الدوليةِ منْ سيناءَ، ثمَ أعدنا تطبيقُ حقوقِ السيادةِ المصريةِ على خليجِ العقبةِ، فأغلقنا الخليجَ بالنسبةِ للسفنِ الإسرائيليةِ في 23 مايو 1967. وتوالتْ علينا بعدَ ذلكَ التحذيراتُ الدوليةُ، فطلبَ والتْ روستو، مستشارُ الرئيسِ الأمريكيِ جونسونْ، أشرفَ غربالٌ، سفيرنا في واشنطن، في ساعةٍ متأخرةٍ منْ الليلِ، وقالَ لهُ: توجد معلوماتٌ عندَ إسرائيلَ أنكمْ ستهجمونَ، وذلكَ يعرضكمْ لوضعٍ خطيرٍ! وناشدنا ضبطُ النفسِ. في اليومِ التالي طلبَ السفيرُ الروسيُ مقابلةَ جمالْ عبدِ الناصرْ، وأبلغهُ رسالةً منْ كوسيجنْ، رئيسُ وزراءِ الاتحادِ السوفيتيِ، يطلبَ فيها ضبطُ النفسِ، ويقولَ: إنَ أيَ عملِ منْ ناحيتنا يعرضُ العالمُ لأخطارٍ كبيرةٍ! المجتمعِ الدوليِ كلهُ كانَ يعارضُ البدءُ بالحربِ، وكانَ حديثُ ديجولْ واضح، في أنَ فرنسا سوفَ تبنى موقفها على أساسِ منْ يبدأُ إطلاقَ الرصاصةِ الأولى! لقدْ تعرضنا لخدعةٍ دبلوماسيةٍ. إنها عمليةِ تضليلٍ سياسيٍ خطيرةٍ، وذلكَ كانَ منْ جانبِ الولاياتِ المتحدةِ، التي بالإضافةِ إلى ما سبقَ - أرسلتْ إلى القاهرةِ مبعوثا للرئيسِ الأمريكيِ، طلبَ أنْ يسافرَ أحدُ نوابِ الرئيسِ إلى الولاياتِ المتحدةِ، فتقررَ أنْ يذهبَ زكريا محيي الدينْ، وتمَ تحديدُ الموعدِ في 6 يونيو، وبدأَ العدوانُ في 5 يونيو! في اجتماعِ اللجنةِ التنفيذيةِ العليا في 22 مايو، قبلُ غلقِ خليجِ العقبةِ، كانَ منْ الواضحِ أنَ عملنا دفاعيٌ، وأننا لنْ نقومَ بالهجومِ إلا إذا حصلَ عدوانٌ على سورية، وأنْ نكونَ على وضعِ الاستعدادِ. في هذا الاجتماعِ لمْ يتكلمْ أحدٌ على الهجومِ على إسرائيلَ، وكانَ واضحا منْ تحليلاتنا أنَ أيَ عملٍ هجوميٍ على إسرائيلَ سيعرضنا لمخاطرَ كثيرةٍ، أهمها هجومٌ أمريكيٌ علينا، نظرا لتصريحاتها بأنها تضمنَ حدودَ الدولِ في هذهِ المنطقةِ، وتقصدَ بالطبعِ إسرائيلَ! وعلى هذا الأساسِ كانتْ عمليتنا في القيادةِ المشتركةِ عمليةً دفاعيةً، وكانَ حشدنا هوَ عمليةُ ردعٍ، حتى لا تقومُ إسرائيلُ بالعدوانِ على سورية.
رفضُ كلُ محاولاتِ السلامِ قبلَ اندلاعِ الحربِ. ففي أولِ يونيو 1967 أوفدَ الرئيسُ الأمريكيُ جونسونْ سرا ممثلاً عنهُ إلى مصرَ، حيثُ طلبَ منْ عبدِ الناصرْ أنْ يرسلَ المشيرُ عامرٌ إلى الولاياتِ المتحدةِ لعقدِ لقاءِ سريٍ معهُ، واعتقدَ ناصرْ أنَ المناورةَ آلتْيقامُ بها منْ الممكنِ أنْ تنتهيَ بدونِ حربٍ، وأعطى موافقتهُ مباشرةِ على الطلبِ الأمريكيِ، على أنْ يقومَ بالزيارةِ نائب الرئيسِ زكريا محيي الدينْ، وليسَ المشيرُ عامرٌ.
ولكنَ الحربَ بدأتْ قبلَ أنْ تتمَ زيارةُ زكريا محيي الدينْ.
الحقيقةُ أنهُ في تلكَ الفترةِ، أعلنتْ صحيفةَ معاريفْ الإسرائيليةِ بتاريخ 21 ينايرَ 1964 عنْ لسانِ عددٍ منْ المسؤولينَ الإسرائيليينَ منهمْ " موشي ديانْ " فقدْ قالَ: " إذا ما نفذَ العربُ تهديداتهمْ وشنوا حربا ضدَ إسرائيلَ فلا يستبعدُ أنْ تتمخضَ تلكَ الحربِ عنْ حدودٍ جديدةٍ، كيْ تكونَ مرضيةً أكثرَ منْ الحدودِ الحاليةِ “.
وقالَ: " أربيهْ بنْ أليعازر " نائبُ رئيسِ الكنيستَ منْ حزبِ حيروتْ: " إنَ السؤالَ الذي يجبُ أنْ يسألَ، على ضوءِ تهديداتِ العدوِ التي نسمعها دوما، هوَ فيما إذا كانَ جيشُ الدفاعِ الإسرائيليِ سيقبلُ العودةَ إلى الحدودِ الحاليةِ إذا ما شنَ العربُ الحربَ. كثيرُ منْ السياسيينَ في العالمِ يأخذونَ بالحسبانِ أنَ قسما منْ سورية ومنْ مصرَ ومنْ العراقِ والأردنِ بكاملهِ سيصبحُ يوما ما في حدودِ أرضِ إسرائيلَ الكاملةِ. أنا أقفُ إلى جانبِ الذينَ يعتقدونَ بوجوبِ خلقِ إمكانياتٍ وظروفٍ ليسَ فقطْ منْ أجلِ ضمانِ الحدودِ الحاليةِ، بلْ منْ أجلِ تحريرِ باقي أجزاءِ الوطنِ “، وقالَ " موشي كولْ “، عضوُ الكنيستَ منْ حزبِ " احدوت هعفودا “: " أعتقدُ أنَ حدودَ الدولةِ القائمةِ الآنِ والتي نحافظُ عليها ليستْ شيئا مقدسا. وإذا ما وجدتْ بينَ الدولِ العربيةِ دولةَ أوْ أكثرَ تريدُ الحربُ ضدنا، كما نسمعُ منْ التصريحاتِ التي تعبرُ عنْ الرغبةِ في إبادتنا، عندها لنْ نسمحَ بخرقِ الحدودِ منْ طرفٍ واحدٍ فقطْ بلْ ستكونُ هناكَ صورةٌ أخرى للحدودِ لصالحنا عندما تنتهي الحربُ “.
وقدْ أجمعَ القادةُ الإسرائيليونَ أمثال ييجالْ ألونْ، وموشيّ دايان وعيزرَا وايزمنْ رئيسِ عملياتِ الجيشِ الإسرائيليِ، ودافيدْ أليعازر قائدُ المنطقةِ الشماليةِ على أنهُ يجبُ الردُ على التدابيرِ العربيةِ العمليةِ بتحويلِ روافدِ نهرِ الأردنِ، وعلى الاشتباكاتِ الحدوديةِ، والغاراتُ الفدائيةُ داخلَ إسرائيلَ، بالتصعيدِ المتدرجِ للضرباتِ، والذي يؤدي إما إلى وقفِ هذهِ العملياتِ أوْ الوصولِ بها إلى مستوى الحربِ الشاملةِ.
[يتبع]