رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صداع «المستشفيات الخاصة» المزمن


بوعود وعهود وتعهدات وبعض التطمينات، انتهى الاجتماع، الذى عقدته وزيرة الصحة، أمس الأول الإثنين، مع رئيس غرفة مقدمى الخدمات الصحية باتحاد الصناعات، وعدد من ممثلى المستشفيات الخاصة، بحضور مساعد الوزيرة لشئون الرقابة والمتابعة، وعدد من قيادات الوزارة. وكان هدف الاجتماع، كما قيل فى مؤتمر صحفى، هو بحث توحيد جهود الدولة مع مستشفيات القطاع الخاص لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
الواقع يقول إن المستشفيات الخاصة أغلقت أبوابها فى وجه مصابى فيروس كورونا، أو قايضتهم على حياتهم: الدفع أو الموت. ولدينا عشرات الوقائع المؤسفة، أبرزها واقعة أو جريمة ذلك المستشفى الذى حصل من المواطن مصطفى محمد مصطفى على ٥٠ ألفًا، تحت الحساب، ثم رفض إخراجه قبل أن يدفع ١٦٣ ألفًا، بزعم أن تكلفة العلاج ٢١٣ ألف جنيه، خلال ٧ أيام. ما اضطر نجل المريض إلى اللجوء للنائب العام. وكما غابت وزارة الصحة عن هذه المعركة، غابت أيضًا عن صراع رامى عبدالدايم مع الفيروس القاتل، ومعاناة شقيقه مع قتلة آخرين.
مستشفى «كليوباترا» رفض استقبال رامى، فى ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء ٢٦ مايو، بزعم عدم وجود أماكن. وطبيب شاب مسئول عن طوارئ مستشفى «الحياة» نهر شقيقه وآخرين وطردهم وقال لأفراد الأمن «أنا قلت ما حدش يدخل هنا.. كل الناس دى تطلع بره حالًا». واشترط مستشفى «السعودى الألمانى» دفع ١٠٠ ألف جنيه فورًا، وفشلت محاولات شقيقه لتأجيل دفع المبلغ عدة ساعات: من الفجر إلى صباح الأربعاء. وبعد أيام من موافقة مستشفى «مصر الدولى» على استقباله، انتقل رامى إلى رحمة ربه!
أكثر من ٢٠٠ ألف فى ٧ أيام، و١٠٠ ألف تحت الحساب مع أن الأسعار، التى وضعتها وزارة الصحة، بناء على تعليمات رئيس الوزراء، تراوحت بين ١٥٠٠ و١٠ آلاف جنيه، فى الليلة الواحدة. والإشارة هنا مهمة إلى أن غرفة مقدمى الخدمات الصحية باتحاد الصناعات، رفضت تلك الأسعار، وأعلنت عن أن «كل مستشفى حر فى تحديد سعر العلاج»!
أصحاب المستشفيات الخاصة، كما قال الواقع وعشرات الوقائع، وكما أوضحنا فى مقال سابق، حاولوا استغلال الأزمة أو استثمارها، وأعلنوا عن امتناعهم عن تقديم خدمة العلاج للمصابين بالفيروس، اعتراضًا على تلك الأسعار. مع أن لدينا قانونًا يتيح «تحديد سعر بعض الخدمات»، بل ويتيح أيضًا إلزام هذه المستشفيات، والمراكز الطبية التخصصية، بالعمل بكامل أطقمها الفنية وطاقتها التشغيلية. وكنا قد استعرضنا التدابير الجديدة التى استحدثتها تعديلات قانون الطوارئ، وأشرنا إلى أن دولًا عديدة، توصف بأنها متقدمة، اتخذت إجراءات وتدابير شبيهة، أو أكثر حدّة.
الحكومة الإسبانية، مثلًا، قامت، منتصف مارس الماضى، بتأميم جميع مستشفيات ومنشآت تقديم الرعاية الصحية فى البلاد. وعليه، قلنا إننا لا نرى أى جدوى من لقاء بين وزيرة الصحة وأصحاب المستشفيات الخاصة أو مجلس إدارة غرفتهم، فلا وقت للميوعة، ولا مجال للتفاوض على مص دماء الشعب، أو مقايضة المواطنين على أرواحهم. لكن حدث اللقاء وتم التفاوض، الذى نتمنى أن يخيب ظننا وألا يتم تطبيق ما وعدت به الوزيرة بميوعة تطبيق قائمة الأسعار.
بخطوة إلى الوراء، استنكر رئيس غرفة مقدمى الخدمات الصحية، فى المؤتمر الصحفى، ما تمارسه بعض المستشفيات الخاصة من مغالاة فى أسعار خدماتها لمرضى فيروس كورونا، داعيًا الجميع إلى الالتزام بالضوابط التى وضعتها الدولة. وأكد أن القطاع الصحى الخاص شريك أساسى مع الدولة فى تقديم الخدمات الصحية لجميع المرضى، وتعهد بالتضامن الكامل مع الوزارة، وببذل مزيد من الجهد لتقديم أفضل خدمة طبية للمرضى.
فى المقابل، وعدت وزيرة الصحة، خلال كلمتها، بفرض رقابة صارمة، وقالت إنها وجهت قطاع العلاج الحر والتراخيص، بتكثيف المرور على المستشفيات الخاصة بجميع محافظات الجمهورية، للتأكد من الالتزام بالضوابط، التى وضعتها الدولة وتقديم أفضل خدمة طبية للمرضى، واتخاذ كل الإجراءات القانونية حيال المخالفين، طبقًا لتوجيهات القيادة السياسية. وأشارت إلى أن الوزارة تتلقى كل شكاوى المواطنين وتعمل على حلها بشكل فورى.
الوزيرة، التى أكدت ضرورة إعلاء مصلحة المرضى دون النظر إلى الأرباح، قامت بتوجيه الشكر للقطاع الصحى الخاص على «ما يبذلونه من جهد وعطاء فى خدمة المرضى والمجتمع»، وعلى «جهودهم فى دعم الوزارة لمواجهة فيروس كورونا، والعمل يدًا بيد مع مستشفيات الوزارة» منذ بداية الأزمة. ثم أعلنت عن أنها وجهت الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بتذليل كل العقبات، وتغطية احتياجات المستشفيات الخاصة من الأدوية.
وأخيرًا، نتمنى طبعًا أن ينتهى هذا الصداع: صداع المستشفيات الخاصة المزمن، وأن تتوحد جهودها مع جهود الدولة. غير أن الرياح تأتى، دائمًا، بما لا نشتهى وبما لا يحتمله قلب بشر، لسبب غير بسيط، وهو أن مَن أمِن العقاب الرادع، لن يتوقف عن جشعه أو توحشه.