رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنه.. أمننا القومى


جاء التدخل المصرى لرعاية وتبنى تلك المبادرة الليبية – الليبية فى التوقيت المناسب بعدما ظهر جليًا ان التدخل التركى السافر فى ليبيا لم يعد قاصرًا على تصدير الدواعش والعناصر التكفيرية من العراق وسوريه الى ليبيا....بل ان الامر تطور الى ان هناك تدخلاّ صريحًا من القوات التركية وخبرائها العسكريين ومئات الطائرات المسيرة وكذلك ذلك التغافل المتعمد من المجتمع الدولى....بل ان جميع المعطيات تؤكد ان هذا التدخل التركى ما كان ليتم لولا وجود غطاء سياسى ولوجيستى حتى ولو لم يكن معلنًا من بعض القوى الدولية التى لها مصالح إقتصادية فى الثروات الليبية تحديدًا.
ولما كانت الاراضى الليبية تمثل عمقًا استراتيجيًا للامن القومى المصرى من ناحية الحدود الغربية لنا والشرقية لها فقد رصدت أجهزتنا الامنية منذ عام 2014 تحول العديد من الاراضى الليبية الى مناطق حاضنة للجماعات والتنظيمات الارهابية المختلفة والتى اصبحت تشكل تهديدًا لكل دول الجوار الواقعة على حدودها الا ان الدولة المصرية هى الاكثر تضررًا من وجود تلك التنظيمات....وجميعنا لا ينسى ان هناك العديد من العمليات الارهابية الموجهة ضد مصر كانت تنطلق من بلده درنة الليبية المتاخمة للحدود المصرية – الليبية.
وبعد تطور الاحداث استقر الامر الى وجود فريقين متناحرين....الاول يسيطر على العاصمة طرابلس وبعض المناطق الغربية يتزعمه حكومة الوفاق الاخوانية برئاسة فايز السراج وتديرها مليشيات مسلحة ارهابية جلبتها تلك الحكومة بالتنسيق مع تركيا وتمكنت من إدخالها عن طريق الحدود الغربية والجنوبية وايضًا البحرية ويدعم المذكور ايضًا الى جانب تركيا دولة قطر وبعض القوى الدولية الاخرى بشكل غير معلن ومنها دول المغرب العربى وايطاليا....اما الفريق الثانى فهو الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة والجنوبية ويدعمه مصر والسعودية والامارات وفرنسا وروسيا.
ومع النجاحات التى حققها الجيش الوطنى الليبى لجأ فايز السراج الى تركيا طلبًا للدعم حيث استغل الاخير إخفاقاته فى سوريا والعراق وتحولت بوصلة اهتماماته الى ليبيا خاصة على ضوء اكتشافات ابار الغاز الموجودة بمنطقة البحر الابيض المتوسط والتى تسيطر عليها حتى الان كل من مصر واليونان وقبرص حيث ظهرت اطماعه فى غاز المتوسط...وقد شكل التدخل التركى من خلال العناصر الارهابية التى يتولى حمايتها ورعايتها والتى قام بإرسالها الى ليبيا لمساندة حكومة السراج ضد قوات حفتر تهديدًا خطيرًا للامن القومى المصرى على الحدود بين البلدين وبالتالى فلم يكن من المنطقى ان تقف مصر موقف المتفرج على تلك الحشود من الدواعش والارهابين التى يتم زرعها بالقرب من الاراضى المصرية فكان الخيار المصرى هو دعم الجيش الوطنى الليبى ضد حكومة السراج العميلة وكان هدفنا الاساسى هو ضرب معسكر ايواء وتدريب الارهابين المتواجدين بتلك المناطق وليس التدخل فى الشأن الليبى الداخلى اساسًا لكى لا تمثل خطرًا على الشعب المصرى ومقدراته.
وقد تباينت نتائج العمليات العسكرية بين الطرفين حيث كانت الكفة تميل احيانًا طرف الجيش الوطنى الليبى واحيانًا اخرى جهة حكومة الوفاق الاخوانية وكان الخاسر الاول فى كلتا الحالتين هو الشعب الليبى ومقدراته الحياتية والاقتصادية وهو ما جعل الدول ذات الصلة تلجأ الى الحل السياسى لوقف القتال واللجوء الى طاولة المفاوضات للبدء فى الحل السياسى...وقد فشلت حتى الان كافة تلك المحاولات فى وضع حد لذلك حيث يسعى كل طرف الى تحقيق مكاسب على الارض لتقوية وضعه السياسى عند التفاوض وقد كانت مصر حاضرة فى كل هذه المحاولات والمباحثات التى كانت تضم الطرفين المتنازعين فى العديد من الدول التى قامت بالتدخل لايجاد حلول لتلك النزاعات وكان اخرها ذلك المؤتمر الدولى الذى عقد فى العاصمة الالمانية برلين واسفر عن العديد من التوصيات التى تلزم الجانبين باللجوء الى الحل السياسى والتى لم يتم تنفيذها او الالتزام باى منها.
ومن هنا وجدت مصر نفسها مضطرة الى التدخل لوضع حد تجاه ما يحدث فى ليبيا بحسبان ان ذلك يمس فى المقام الاول الامن القومى المصرى وذلك امام تقاعس القوى الدولية وغض البصر عن التدخلات التركية السافرة التى وقعت مؤخرًا والتى كان اخرها مجاهرة الرئيس التركى اردوغان بان القوات التركية قد شاركت فى الهجوم على مدينة ترهونة متباهيًا بان ذلك قد عبر عن قوة الجيش التركى وقدرته على حسم المعارك لصالح القوى التى تلجأ اليه بغض النظر عن ان ذلك يخالف المواثيق الدولية والمعاهدات الموقعة بالشان الليبى ومن بينها مخرجات مؤتمر برلين.
لقد فطنت مصر منذ التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان عام 2014 وبعد سقوط مخطط الاخوان المسلمين المدعوم من تركيا ان تلك الدولة لن تهدأ حتى تحقق اى انجازات لصالحها فراحت تحاول اقتحام المياه الاقليمية لتلك الدول تارة او تمارس القرصنة على بعض القطع البحرية التابعة لها والمتواجدة بالمتوسط تارة اخرى...الى ان وجدت ضالتها مؤخرًا فى طلب حكومة الوفاق الليبية الاخوانية مساندتها ضد الجيش الوطنى الليبى حيث ظهرت النوايا التركية فى تدخلها الصريح فى الشان الليبى عن طريق التنظيمات الارهابية التى تدعمها وذلك للانقضاض على موارد الدولة الليبية والضغط على الدولة المصرية بتهديد امنها القومى لحدودها الغربية بهدف الوصول الى طاولة مفاوضات مع مصر وقبرص واليونان لتقاسم السيطرة على حقول الغاز الواقعة فى دائرة تلك الدول بالبحر الابيض المتوسط.
لقد وضع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى المجتمع الدولى امام مسئولية تاريخية وموقف من الصعب تجاهله وهو ضرورة الانصياع لصوت العقل والضمير وقبول تلك المبادرة الليبية التى تنادى بوقف القتال بين طرفى النزاع وخروج المليشيات المأجورة من الاراضى الليبية وترك الشأن الليبى لاهله تحت رعاية دولية لتحديد مصيره دون اى تأثيرات داخلية او خارجية.
وقد بدأت بالفعل اصوات التأييد لتلك المبادرة تصل الى المسئولين الليبين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية وروسيا وفرنسا وانجلترا ودول الخليج العربى عدا قطر بطبيعة الحال وجميعها تناشد الاطراف بوقف القتال واللجوء الى التفاوض والانحياز لصوت العقل والضمير....ولكننا بطبيعة الحال سوف نجد ايضًا اصواتًا تعارض تلك المبادرة لما سوف تسببه من إحباطات وخسائر كانوا يحلمون بتحقيقها من جراء هذا التدخل المعلن والغير معلن فى الشان الليبى.
لقد جاءت المبادرة المصرية لتعلن صراحة رفضها التام لاى تدخل خارجى فى الشان الليبى وان استقرار الدولة الليبية هو بلا شك استقرارًا وامتدادًا للامن القومى المصرى والذى لن تسمح مصر بالمساس به مهما كانت الضغوط والظروف التى تمارس عليها.
اننى اناشد جميع القوى السياسية المصرية لدعم مبادرة السيد الرئيس التى تهدف الى الحفاظ على وحدة الشأن الليبى شعبًا وارضًا لما سوف يكون له من انعكاسات ايجابية على الامن القومى المصرى اولًا واخيرًا.
وتحيا مصر.....