رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باول لن ينتخب ترامب!



تحت إدارة جورج بوش الأب، كان كولن باول، أول وآخر أسود يتولى رئاسة أركان الجيش الأمريكى، وتحت إدارة بوش الابن، شغل منصب وزير الخارجية، كأول أسود، أيضًا، يصل إلى هذا المنصب، وفى المرتين، أثبت أن الأمريكيين، السود أو ذوى الأصول الإفريقية، جمهوريين كانوا أو ديمقراطيين، حال شغلهم مواقع، يكونون أكثر عنصرية وانحطاطًا وإجرامًا من غيرهم.
أمس الأول، الأحد، ظهر وزير الخارجية الجمهورى الأسبق على شاشة «سى سى إن» ليجدد انتقاداته للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وأكد أنه لن يمنحه صوته فى انتخابات الرئاسة المقبلة المقرر إجراؤها فى نوفمبر المقبل، وأعلن أنه سيصوّت لصالح جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطى، الذى كان نائبًا للرئيس السابق باراك أوباما، والذى سرعان ما أشاد فى حسابه على تويتر بتصريحات باول، وشكره عليها، زاعمًا أنها لا تتعلق بالسياسة، بل بمستقبل بلادهم!.
ليست تلك هى المرة الأولى التى ينحاز فيها باول إلى مرشح الحزب المنافس فى انتخابات الرئاسة، إذ كان قد فاجأ الجمهوريين والأمريكيين، إجمالًا، قبل أسابيع قليلة من انتخابات ٢٠٠٨، وأعلن فى لقاء مع قناة «إن بى سى» عن دعمه للمرشح الديمقراطى باراك أوباما بزعم أن «كل الأمريكيين، وليس فقط ذوى الأصول الإفريقية سيكونون فخورين بفوزه». وبعد إعلان نتائج الانتخابات وصف فوز أوباما بأنه «تاريخى» وهنأه وهنأ الشعب الأمريكى بفوزه.
كل هذا الكلام الكبير لا يصمد أمام حقيقة أن باول انحاز لـ«لونه». وقبل أن ترد بأنه أعلن منذ أربع سنوات، أو قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة، عن انحيازه لهيلارى كلينتون، المرشحة الديمقراطية «البيضاء»، نشير إلى أن القراصنة، وقتها، منحوا موقع «دى سى ليكس» حوالى ٣٠ ألف رسالة من البريد الإلكترونى لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق، من بينها رسالة إلى مساعديه السابقين وصف فيها ترامب بأنه «عار قومى» وقال إنه لا يلقى قبولًا إلّا لدى «حثالة الحزب الجمهورى والبيض الحقراء».
نحن، إذن، أمام نموذج لضحية صار أكثر شراسة من جلّاديه، كعشرات، أو مئات، النماذج التى صعدت، أو تم تصعيدها، على الساحة السياسية الأمريكية، وتم الاحتفاء بها، والتهليل لها، داخل الولايات المتحدة وخارجها، باعتبارها سوابق أولى فى تاريخ تلك الدولة: أول أسود.. أول امرأة.. أول مسلم.. أول محجبة.. أول شاذ أو مثلى الجنس.. إلخ.
صاحب إحدى أكبر الكذبات فى التاريخ، كذبة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، قال إن ترامب «يكذب، ولا أحد يحاسبه»، وحذر من خطورة توليه ولاية ثانية، داعيًا الأمريكيين إلى التفكير فى تأثيره على المجتمع وعلى مكانة الولايات المتحدة: «فكروا واعتمدوا على حسكم السليم. اسألوا أنفسكم: هل هذا الأمر جيد لبلادنا؟». وردًا على سؤال بشأن اتهام جيمس ماتيس، وزير الدفاع السابق، لترامب بـ«تقسيم» الأمريكيين، قال باول إن ذلك لا جدال فيه، مضيفًا: «انظروا إلى ما فعله ليقسّمنا»، وأشار إلى التوترات العرقية التى تشهدها الولايات المتحدة.
فات محاور باول أن يلفت نظره إلى أن التوترات العرقية كانت أكثر حدة فى عهد جورج بوش الأب، الذى اضطر سنة ١٩٩٢ إلى الاستعانة بالجيش للسيطرة على أعمال الشغب التى شهدتها لوس أنجلوس بعد تبرئة أربعة رجال شرطة من تهمة استخدام العنف المفرط أثناء اعتقال رجل أسود اسمه روندى كينج. ووقتها، لقى أكثر من خمسين مصرعهم، وأصيب حوالى ٢٥٠٠، دون أن تهتز لكولن باول شعرة، الذى كان يشغل أعلى منصب عسكرى. كما أن التمييز العنصرى لم يتوقف خلال عهد بوش الابن، أو باراك أوباما، كما أوضحنا فى مقال سابق.
الأهم من ذلك، هو أن باول كان من أشد المدافعين عن الغزو الأمريكى للعراق. وفى ٥ فبراير ٢٠٠٣ ألقى كلمة شهيرة أمام مجلس الأمن حول امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، قدم خلالها عرضًا، أو استعراضًا، لما زعم أنها أدلة أكيدة على امتلاك العراق تلك الأسلحة، كانت من بينها صور مفبركة لمختبرات بيولوجية عراقية مدعيًا أن الأقمار الصناعية الأمريكية قامت برصدها. ولاحقًا، وبعد خراب العراق، ومقتل أكثر من نصف مليون عراقى، وتشريد ملايين، أقر باول بأن ذلك كان «وصمة عار فى مسيرته السياسية". وقال فى حوار مع قناة «إيه بى سى»، فى ٩ سبتمبر ٢٠٠٥، إنه لطخ سمعته حين قدم هذا العرض باسم الولايات المتحدة أمام العالم.
إلى تلك الكذبة الكبرى، كذبة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، عاد الرئيس الأمريكى، ليسخر، فى حسابه على تويتر، من الدعم الذى حصل عليه منافسه، ولا نراه مخطئًا فى ذلك، كما لن نراك مخطئًا لو رددت على إعلان كولن باول عن دعمه لجو بايدن، بترديد دعاء زميلنا وصديقنا أحمد الخطيب: اللهم انصر عبدك ترامب!.