رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محنة «كورونا» وتداعياتها الاجتماعية والأسرية


قالت منظمة الصحة العالمية فى تعريفها للعنف الأسرى إنه «مجموعة من الأعمال القسرية النفسية والبدنية والجنسية المستخدمة ضد النساء الراشدات والمراهقات من قبل الشركاء الحميمين من الذكور، ولا يقتصر العنف الذى تتعرض له المرأة على الزوج الحالى فقط، بل قد يشمل الأزواج السابقين وأفراد الأسرة الآخرين، مثل الوالدين والأشقاء والأصهار».
أشار الأمين العام للأمم المتحدة فى ٢٥ نوفمبر ٢٠١٩ فى كلمته فى اليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة إلى أن ما تتعرض له المرأة من عنف واضطهاد من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان، وأن الاغتصاب سلاح شنيع يستخدم فى الحروب والصراعات، وأضاف أن عدم المساواة بين الجنسين يؤدى إلى اختلال موازين القوى فى المجتمع، وطالب باتخاذ موقف حازم تجاه جرائم العنف ضد المرأة والعمل على تعزيز وتحقيق حقوق المرأة والمساواة وتكافؤ الفرص.
وتنبغى الإشارة إلى أن العنف الأسرى الذى يتم ارتكابه بين أفراد الأسرة داخل المنازل موجود منذ الأزل وقبل تفشى فيروس كورونا، وله العديد من الأسباب، فالعنف الذى تتعرض له المرأة داخل الأسرة فى العديد من المجتمعات يكون لأسباب كثيرة، على رأسها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والفقر، تلك الأوضاع تؤدى إلى تولد شعور بالتوتر والقلق والعصبية لدى أفراد الأسرة، ويكون ذلك على حساب المرأة.
وعلى مستوى العالم أدت السياسات الاقتصادية الـ«نيو ليبرالية» التى سادت العالم منذ ما يقارب ٤ عقود إلى زيادة الفجوة الطبقية بين القلة المحتكرة لرأس المال والسلطة والهيمنة وبين بقية فئات المجتمع، فازدادت تلك الفئات فقرًا ومعاناة، ووقع ذلك على المرأة بشكل أكبر من الرجل نتيجة عدة أسباب، منها التمييز ضد المرأة فى العمل والأجور، فأجر المرأة دائمًا أقل من أجر الرجل عن العمل نفسه بجانب أن نسبة البطالة بين النساء أضعاف نسبة البطالة بين الرجال، وفى أوقات الأزمات يتم تسريح النساء من العمل دون مراعاة أن عددًا كبيرًا من النساء معيلات لأسرهن.
ومن الأسباب الأساسية لازدياد العنف الأسرى فى معظم المجتمعات، خاصة المجتمعات العربية، سيادة ثقافة مجتمعية متخلفة، ثقافة ظلامية ومتشددة، تقوم على استخدام تفسيرات لنصوص دينية لتبرير العنف ضد المرأة، ثقافة تؤسس لاضطهاد المرأة، تنشرها وتعمل بها الجماعات الدينية المتشددة.
قبل تفشى الفيروس أشارت إحدى المؤسسات، التى تتبع الأمم المتحدة، إلى أن ٢٤٣ مليون امرأة «١٥-٤٩ عامًا» حول العالم تعرضن خلال الاثنى عشر شهرًا الماضية لعنف جسدى أو جنسى من قبل شريك الحياة أو أحد أفراد العائلة، وبالتأكيد هذه الإحصائية أقل من الحقيقة، لأن الثقافة المجتمعية فى العديد من الدول، ومنها الدول العربية، تحول دون الإبلاغ عن العنف المنزلى أو طلب المساعدة، وتشير الإحصاءات إلى أن ٤٠٪ من النساء اللواتى يتعرضن للعنف الأسرى يطلبن المساعدة وأن ١٠٪ فقط من النساء اللاتى يطلبن المساعدة يتقدمن ببلاغ لدى قسم الشرطة ضد من اعتدوا عليهن.
وبعد تفشى فيروس كورونا، ومع تنفيذ إجراءات احترازية لمواجهة الفيروس، منها التباعد الاجتماعى، وإغلاق المدارس والجامعات، وأماكن التجمعات من نوادٍ ومطاعم وكافيتريات، ووقف الطيران والسياحة، ما أدى للوجود فى المنزل بشكل مستمر، ومع فقدان الملايين حول العالم وظائفهم واحتدام الأزمة الاقتصادية ازداد التوتر والقلق والخوف من المستقبل، فازداد العنف الواقع على النساء والفتيات، وأصبح الإبلاغ عن العنف أو طلب المساعدة فى ظل هذه الظروف أكثر صعوبة وتعقيدًا.
فى ٢٠ مارس ٢٠٢٠ صدر بيان عن المديرة التنفيذية للأمم المتحدة «فومزيل ملامبو نجوكا»، أشار إلى أن من آثار العزل المنزلى لجائحة كورونا زيادة العنف الأسرى والاستغلال الجنسى، وأن ١٣٧ امرأة يتم قتلهن يوميًا على يد أحد أفراد أسرهن التى طبقت العزل الاجتماعى، هذا بجانب تزايد الإبلاغ عن وقائع عنف منزلى إلى ثلاثة أضعاف ما قبل جائحة كورونا.
وفى الخامس من أبريل ٢٠٢٠ دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس إلى حماية النساء والفتيات من العنف الأسرى وسط تقارير عن تزايد حالات العنف المنزلى والأسرى خلال فترة الحجر الصحى على خلفية تفشى وباء فيروس كورونا المستجد، وقال جوتيريس: «إن العنف لا يقتصر على ساحات المعارك، وأضاف بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، فإن أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف المنزلى هو المكان الذى يفترض به أن يكون واحة الأمان لهن، إنه المنزل»، وأوضح الأمين العام أنه على مدى الأسابيع الماضية مع تصاعد الضعوط الاقتصادية والاجتماعية وتنامى المخاوف شهدنا طفرة مروِّعة فى العنف المنزلى، وأضاف أن منع العنف ضد المرأة وجبر الضرر الواقع لا بد أن يكون جزءًا من الخطط الوطنية للتصدى للفيروس.
وفى ظل جائحة فيروس كورونا المستجد واستمرار العزل وساعات الحظر الطويلة يصعب الإبلاغ عن حالات العنف، لذا لا بد من إنشاء أنظمة وآليات طارئة فى الصيدليات ومحلات البقالة «وهى الأماكن المفتوحة فى ظل الحظر لتقديم خدمات العلاج والغذاء»، بجانب أقسام الشرطة والمنظمات والمؤسسات العاملة فى مجال حقوق المرأة، ليمكن الوصول إليها أو الاتصال والتواصل معها للإبلاغ عن العنف. بجانب اهتمام السلطات المختصة بسرعة الاستجابة ومواجهة الخطر الواقع على المرأة والعمل على حمايتها مع تفعيل وتنفيذ القوانين والعقوبات الرادعة على مرتكبى العنف ضد المرأة؛ لضمان الاستقرار الأسرى والمجتمعى فى هذه الفترة العصيبة التى يمر بها العالم وتمر بها الإنسانية، والتى تحتاج تكاتف كل الجهود لمجابهة الفيروس القاتل ولمواجهة آثاره الاقتصادية والاجتماعية.