رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الاختيار».. اختيار شعب


أمر طيب أنه ومع بداية ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسى كان التوجه الرئاسى مختلفًا عن سابقيه، فقد بات التعامل والتواصل مع الجماهير عبر قرارات وطنية غير شعبوية التناول، حيث الإقدام نحو اتخاذ خطوات حقيقية للظفر بالهدف الأهم والأسمى لتحقيق «جودة الحياة» بمفهومها الأوسع، من خلال رؤية إصلاحية شاملة تضع فى الحسبان مصالح وحقوق الأجيال القادمة.
من طرائف الأرشيف السياسى المصرى، يحكى أنه فى عهود سابقة كانت علاقة المحكوم بالحاكم تبقى فى صورتها الكاريكاتورية يمثلها مشهد انتظار الموظف المصرى لليوم الأول من شهر مايو كل عام «الاحتفال بعيد العمال»، وكلمة الحاكم البروتوكولية التى تنتهى بإعلان قرار الموافقة على الهدية السنوية بعد تكرار الهتاف من الصفوف الخلفية «المنحة يا ريس»، فيضحك الحاكم بكل امتنان وإحساس بالسعادة لهذا التواصل النفعى المحدود، وهى كانت عادة سنوية فلكلورية لحبايبنا الموظفين فى ذلك الزمن، ثم تطور الأمر لأن يبدأ الخطاب الرئاسى بإعلان الموافقة على المنحة ونسبتها قبل المناداة بها تفاديًا لحالة «الشحتفة الشعبية» المعتادة، ثم فى مرحلة تالية كان يتم الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام قبل الخطاب التذكارى، وذلك حتى لا تبدو للعالم محدودية أطر تلك العلاقة بين السلطة والمواطن بحصرها فى هذه الهبة ومقدارها الذى كان يعلو وينخفض وفق الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لتنخفض وتعلو معها نبضات قلب العامل والموظف بشكل طردى سريع!
وهذه الحالة من الامتنان الشعبى الغريبة ذكرتنى بما كُتب بشكل هزلى عن علاقة هتلر بالله، عندما قيل إن مكتب الدعاية النازى قد أصدر منشورًا، قال فيه «لسنا فى حاجة إلى كهنة، ويمكننا أن نتواصل مع الله من خلال أدولف هتلر، إن كلمته قانون إلهى، وكل القرارات والقوانين التى يصدرها لها سلطة إلهية»!
ولعل من أهم معالم الإحساس بمدى «جودة الحياة» تمتع المواطن بكل مزايا وقيم المواطنة الكاملة على أرضه، وعليه كان من الأمور الطيبة دعوة الرئيس فور توليه لإصلاح الخطاب الدينى والثقافى وتصويب المفاهيم الخاطئة التى نالت الكثير من حقوق المواطن التى ينبغى نيلها بعدالة وبساطة دون عنت أو نقصان أو تلكؤ، ولم تكن تلك النداءات الرئاسية بكفالة حقوق المواطنة مجرد شعارات تطلق، حيث تابعنا الذهاب الفورى على سبيل المثال إلى التعامل الإيجابى مع سكان المناطق العشوائية، وبناء أحياء جديدة تتوفر لهم فيها كل حقوق المواطنة فى الحصول على مسكن صحى آمن مع توفير كل الخدمات الميسرة لحياة آدمية طيبة، مثل وجود متاجر ومدارس ومستشفيات ومساجد وكنائس.. لم تكن مجرد عناوين دعائية، وإنما عبر خطط زمنية واقعية تحقق الحلم وبأروع صورة، وجارٍ استكمال البناء على الأرض فى المراحل الأخيرة لاكتمال تحقيق حلم إنسانى.
وأرى أن هناك توجهًا غير منطقى فى طرح قضية تجديد الخطاب الدينى، حيث تثار دومًا مفصولة عن السياق والتناول الاجتماعى، رغم صعوبة عملية التصويب إلا فى إطار مشروع قومى متكامل حيث التجديد أحد مكونات هذا المشروع، فليس من المعقول أن تتم عملية التجديد بقرار أو توجيه سياسى!
ولا بد من إدراك شكل وطبيعة التكوين الثقافى لمن نتفق على اختيارهم للقيام بمهمة التجديد، وبالمناخ الإنسانى العام الذى يتحركون فيه، ومن ثم معرفة أولوياتهم فى القضايا التى يطرحونها وجدول أعمال الخطاب الدينى الذى يحدثوننا بشأنه، وما إذا كان الحديث سيدور عن الأمور العامة والكلية أم الخاصة والفرعية.
لقد كان النجاح المذهل الذى ظفر به مسلسل ودراما «الاختيار» بمثابة إعلان الاختيار الشعبى للخطاب الدينى المعدل، وأنه المشروع الأولى بالرعاية والتبنى. فالخطاب الدينى المتجدد الذى شهدته الحالة المصرية وغيرها من الحالات المثيلة فى الدنيا كان دائمًا نتاجًا طبيعيًا لعملية التطور العام والتقدم نحو مشروع قومى عام متكامل نابع أساسًا من احتياج مجتمعى اتفقت عليه كل القوى السياسية والاجتماعية.