رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«راس السنة».. ليلة عن الأثرياء والأغيار


كما يبدو من عنوانه، تدور أحداث فيلم "راس السنة" في ليلة واحدة هى ليلة 31 ديسمبر 2009، لا يدور هذا العمل السينمائي الجرئ حول حدث بعينه، كما هو الحال في أفلام "أرض الأحلام" للمخرج داود عبد السيد، أو "ليلة ساخنة" لعاطف الطيب أو المنسي لشريف عرفة.

على عكس الأفلام التي تدور في الليلة نفسها والمتوقع أن تشتد أحداثها لتصل لذروتها وصولا لنهاية هادئة أو بائسة بحلول الصباح، وإنما ركز الفيلم على خطين دراميين يدوران حول مشاهد متفرقة بين أصحاب الثراء الفاحش في مقابل هؤلاء الآخرين من العاملين بالقرية السياحية؛ ليقدم الفيلم الذي كتب له السيناريو والحوار محمد حفظي نماذج مختلفة لشخصيات يبرز من خلالها طبقة اجتماعية تميل إلى النمط الغربي في الحياة بكل تفاصيله، من حيث الملابس وحتى طرق تصفيف الشعر إلى العلاقات المهترئة التي تجمعهم، بين جرأة شديدة في الطبقة الثرية إلى بؤس واضح بين الطبقة العاملة، والذين ظهروا فقط على هيئة خدام القوم.

مؤلف الفيلم محمد حفظي كتب مجموعة ناجحة من الكتابات السينمائية رغم قلة عددها، مثل "السلم والثعبان" و"تيتو" و"أسوار القمر"، وهى أفلاما لا زالت تلقى رواجا رغم مرور أعوام على إصدارها؛ كما نجح محمد صقر في أول فيلم تجاري له، عن طريق التصوير الجيد والمحترف، خاصة في طريقة عرض اللقطات الواسعة رالتركيز على الشكل الهندسي الرائع لمباني القرية السياحية، بالإضافة إلى اللقطات المناسبة للمشهد الدرامي وتوصيل رسائل للمتلقي عن ماهية الحالة النفسية من التوتر والراحة عن طريق زوايا الكاميرا المميزة.

واختيار الممثلين ساعد في تكوين تكامل فكرة الفيلم جيدا، ممثلين رائعين اشتركوا في الفيلم ويتصدرهم إياد نصار في لعب دور "الديلر" الذي يوزع بضاعته على سكان القرية السياحية في سيارة إسعاف، ربما يخطر على بالنا أنها مسروقه ولكن "كميل" يعد واحد من هؤلاء الأثرياء، الذي أطلق بعض السخرية على طريقة حياتهم ليضفي نزعة فلسفية يحتاجها الفيلم، أحمد مالك في دور "شريف" هو السبب الرئيسي في جولة سيارة الإسعاف التي يقودها كميل أو كمال لصنع دويتو متناسق الكمياء فيما بينهما.
تتطور الليلة بسن نزاعات الأزواج والأشقاء والأصدقاء، وفي كل حكاية مشاهد سريعة بدون تفاصيل مسبقة وكأن المشاهدين مجرد زائرين يتابعون ليلة من حياة سكان القصور الاثرياء.

أما عن شرين رضا، فربما يجب عليها تغيير النمط المتشابه التي تظهر به في أعمالها في دور السيدة الحرة الثرية، أو سيدة الأعمال، لما لها من قدرات أداء ممتازة لابد من استغلالها في تقديم أنماط ونماذج مختلفة، مثلما قدمت دور "الست صفية" في فيلم "فوتوكوبي".

في محاولة لتبرير تطرف الشخصيات قامت الشركة المنتجة بتقديم الفيلم بإنصاف مقبول عن طريق إضافة +18 إلى جانب عنوانه كي تخلي مسئوليتها، ودراء للهجوم المجتمعي الذي قد تقابله، آلا أنه رغم التحذير فلم يزل الفيلم غير مرحب به في المجتمعات العربية، والتي قد تتقبله إذا تابعها كفيلم أجنبي يحمل الفكرة والمشاهد نفسها على إحدى المنصات الإلكترونية، ولكن في واقع الأمر قد يتحملوا المشاهد الشاذة وغير المألوفة على مجتمعاتهم، ولكن لن يتسامح أحد في قبول مشاهد عجرفة الأثرياء في مقابل بؤس الأغيار من العاملين بالقرية السياحية، حتى بتصدير إحساس الأثرياء بفقدان السعادة والتوافق ولجوء معظمهم إلى تعاطي المخدرات، ربما لكي يتناسى أحدهم أن موديل اليخت قد مر عليه عام بدون تجديد.

نعم إنها اليخوت الحزينة التي تظهر متفرقة في ميناء قرية شهيرة على البحر الأحمر، في إسقاط على تفرقهم النفسي وتباعدهم الاجتماعي فيما بينهم، ولكن تبقي كاميرا طائرة تصور مشاهد البحر والمنازل والرقص في حمامات السباحة من الأعلى؛ كما اتفقت فئات المجتمع على تعاطي المخدرات في أمسية رأس السنة، وهم أنفسهم من هرع إلى أداء صلاة الجمعة وختامها بدعاء الهداية للجميع واخر سرق حذاء ثمين من باب المسجد وحاول أن يدخله في قدم ابنه ولكن بدا واسع عليه وفلت من بين قدميه بعد دقائق من محاولة التأقلم عليه.. وصلت الرسالة.