رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدى الكنيسى: رفضت منصب وزير الإعلام فى عهد «الإخوان» (حوار)

حمدى الكنيسى
حمدى الكنيسى

كشف الإذاعى القدير حمدى الكنيسى عن رفضه تولى منصب وزير الإعلام فى فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، مشيرًا إلى أنه تم ترشيحه للمنصب أيضًا فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
واسترجع «الكنيسى»، فى حواره مع «الدستور»، حكايات نشأته فى إحدى قرى محافظة الغربية، والتحاقه بالإذاعة المصرية، وعمله مراسلًا حربيًا فى معارك الاستنزاف وأثناء انتصار أكتوبر المجيد.
كما تحدث عن فترة عضويته بمجلس إدارة نادى الأهلى، وكيف دخل فى صدام مع المايسترو صالح سليم بسبب محمود الخطيب، إلى جانب رفضه تحرير بلاغ ضد المسئولين عن الانتخابات فى «القلعة الحمراء»، الذين تعمدوا إسقاطه.

نشرت مقالًا فى «الجمهورية» وعمرى لم يتجاوز 11 عامًا

بدأت رحلة القدير حمدى الكنيسى فى قرية «شبرا النملة»، إحدى قرى محافظة الغربية، حيث ولد فى حضرة أسرة يعتبر نفسه «محظوظًا» بالانتماء إليها والنشأة بين جدران بيتها، لأنها أمدته بـ٣ معالم أساسية، هى: الثقافة، والقيم، والمبادئ الريفية، تلك «الثلاثية» التى صارت لوحة منقوشة على جدران حياته ومعاملاته، ولوحًا محفوظًا فى قلبه وعقله.
الوالد كان أحد رجالات وزارة التربية والتعليم، لذلك وجد فيه شخصًا يهوى الثقافة ويعشقها، ويحرص دومًا وبصورة يومية على مطالعة كل الصحف والمجلات، بجانب امتلاكه مكتبة ضخمة تضم ذخائر الكتب والمؤلفات، كما أن شقيقه الأكبر كان طالبًا بكلية دار العلوم، وذا ثقافة واسعة وصاحب معرفة قوية.
وتذكّر «الكنيسى»: «بحكم أننى أصغر الأبناء، وضع كل فرد من أفراد الأسرة لبنة وترك بصمة فى جدار تشكيلى الثقافى وتكوينى العلمى والمعرفى، لذلك مبكرًا جدًا وضحت علىّ ميولى الأدبية، ففى سن مبكرة جدًا بدأت فى كتابة المقال ونسج القصة القصيرة ونشرها فى بعض الصحف الرائجة آنذاك مثل (الجمهورية)، التى نشرت لى مقالة فى (بريد القراء)، وعمرى لم يتجاوز ١١ عامًا، ولذلك قصة لا أنساها أبدًا».
يحكى تلك القصة فيقول:
حين كان أخى الأكبر يذاكر دروسه بصحبة صديقه جمال قطب، ذلك الرجل الذى صار واحدًا من أعلام الفن التشكيلى فى مصر لاحقًا، وأحد أعمدة مؤسسة «دار الهلال» الصحفية فيما بعد، خطرت فى بالى كتابة قصة قصيرة، وبالفعل كتبتها وعرضتها عليهما، لكن لم يدعمانى ولم أجد منهما ترحيبًا يروى شغفى بالكتابة.
اتجهت إلى والدى حيث كان من عادته أن يجلس فى ساعة العصارى داخل حديقة المنزل يقرأ الكتب ويطالع الصحف، وتلك اللحظات كان يرفع خلالها شعار ممنوع الاقتراب أو حتى المرور من أمامه، لكننى اقتحمت خلوته فنادانى متسائلًا ومستفسرًا عن سر قدومى إليه، فعرضت عليه ما كتبت، فأثنى على قلمى وأشاد بكلماتى وخاطبنى قائلًا: «والله ممكن تكون كاتب كويس».
لكنه طلب منى حينها الذهاب إلى مكتبته والاطلاع على أعداد مجلة «الرسالة»، التى كان يحرص على اقتنائها بشكل دورى، وبمجرد أن بدأت فى تصفح أوراقها وجدت نفسى أغرق فى بحر من المتعة بفعل قراءة كتابات الكبار أمثال أحمد حسن الزيات وعباس العقاد، حيث العبارة الرشيقة والجملة البليغة وجزالة اللفظ وقوة الفكرة، وهو ما أفادنى كثيرًا فى حياتى بالأمس واليوم وأيضًا الغد.
ولم تقتصر موهبة «الكنيسى» على الاتجاه الأدبى، فقد كان أيضًا قائد فريق المدرسة الرياضى خلال مراحل التعليم المختلفة، بدءًا من الابتدائى وصولًا إلى الثانوية.
وفى المرحلة الثانوية أيضًا، تفوق «الكنيسى» بصورة لافتة جدًا فى مادة «اللغة الإنجليزية»، بفعل مدرسها، وكانت تلك النقطة السبب الأكبر فى ترجيح انضمامه لكلية الآداب «قسم الإنجليزى»، وهناك فوجئ بأن القسم يرأسه الدكتور محمد رشاد رشدى، وهو نفسه الرجل الذى اعتاد قراءة مقالته بمجلة «الرسالة»، فى لقطة كانت طريفة ومبهجة ومبشرة فى توقيت واحد.
ويضيف «الكنيسى»: «حين التحقت بجامعة القاهرة وغادرت ريف طنطا اعتبرت نفسى على موعد مع الجولة الثانية في الحياة، وهى جولة تحمل عنوان التحدى فى رحلة البحث عن الذات، ولذلك اهتممت بدراستى جدًا وأنهيت سنواتى الأربع بتفوق».
خريج قسم اللغة الإنجليزية فى تلك الفترة كانت لديه ميزة نسبية عن سائر أقرانه وزملائه من الأقسام الأخرى، فكل مجالات العمل تبقى متاحة أمامه، وفى حالة «الكنيسى» اقتحم سوق العمل من باب مهنة التدريس، حيث عمل مدرسًا لمدة عام، وهى المهنة التى كان يتم تكليف معظم الخريجين بها آنذاك لمدة عام، وخلال هذه المدة يبقى متاحًا أمام الجميع فرص التقدم لوظائف أخرى، مثل العمل فى وزارة الخارجية والتليفزيون وغيرهما. ويتابع: «منذ اللحظة الأولى لإعلان تخرجى فى الجامعة، وأنا محدد هدفى بالعمل فى الإذاعة المصرية، وهو حلم قديم تجدد خلال تلك الفترة، وسببه أننى دائمًا كنت أقدم الإذاعة المدرسية، فصار أملى أن أستبدل ميكروفون المدرسة بميكروفون الإذاعة، وقد تحول هذا الحلم إلى حقيقة فى بداية ستينيات القرن الماضى».

رفضت ترقية السادات.. ودخلت فى صدام مع المايسترو بسبب الخطيب

لا تخلو أحاديث الإذاعى القدير حمدى الكنيسى، المكتوبة والمسموعة والمرئية، من متلازمتين يكررهما فخرًا وفرحًا، الأولى نبوغه الأدبى المبكر الذى كان سببًا فى تميزه خلال عمله الإعلامى، والثانية تفوقه الرياضى الذى قاده لاحقًا لعضوية مجلس إدارة نادى الأهلى، فى تجربة يصفها بأنها واحدة من أخصب فتراب حياته.. فماذا عن هذا الوجه الرياضى الآخر؟.. يتذكر تلك الأيام الخوالى قائلًا:
«بعد عودتى من تغطية حرب أكتوبر صعدت إلى القمة وصرت كما النجوم فى السماء، حيث كرّمنى الرئيس السادات وأثنى على مجهودى، وطلب ترقيتى، لكنى رفضت تلك الترقية بسبب رغبتى فى تأسيس نقابة للإعلاميين، وأذكر أننى عرضت عليه الفكرة فوافق وأعطى أوامره، لكن تاهت الأمور وسط زحمة الأوراق لاحقًا».
خلال تلك الفترة اخترقت بثقافتى جدران نادى الأهلى، فبدأت فى إقامة ندوات ثقافية وفكرية أحدثت صدى وبريقًا دفع الأعضاء لمطالبتى بالترشح فى الانتخابات، وبالفعل خضت هذا المعترك ونجحت حاصدًا أعلى الأصوات، وبقيت عضوًا فى المجلس لعدة دورات متعاقبة.
خلال دورتى الأولى بالمجلس دخلت فى صدام مبكر مع المايسترو صالح سليم بفعل بعض القرارات، فهو كان صاحب فلسفة خاصة فى الإدارة لم تتوافق فى أحيان كثيرة مع آرائى.
أذكر أن الصدام الأول بدأ حين أرسلت له جريدة «الجمهورية» دعوة لحضور حفل تكريم «أفضل لاعب»، وكان الاختيار حينها من نصيب الكابتن محمود الخطيب، لكنه رفض الحضور، فناقشته طالبًا منه الحضور، خاصة أن اللاعب المكرم ابن من أبناء النادى، لكنه لم يُلقِ بالًا لطلبى.
وهكذا كانت العلاقة بينى وبينه شدًا وجذبًا، لكنها مغلّفة باحترام كبير، حرصًا على مصلحة الكيان، وقد ظل هذا قائمًا حتى الدورة التى غادرت فيها المجلس حين تم إسقاطى.
وحدث أنه فى يوم انعقاد الجمعية العمومية الخاصة بالانتخابات كانت كل المؤشرات تُبشر بنجاح ساحق لى، لكنى فوجئت وقت إعلان النتيجة بسقوطى، وحينها احتددت بقوة على القاضى المشرف على الفرز، وبعد سجال وجدال متبادل، طالبنى بعض الأعضاء بالتوجه إلى قسم قصر النيل لتحرير محضر إثبات حالة، فرفضت الاستجابة لمطلبهم لأننا تعودنا فى الأهلى على قاعدة أرسيناها، وهى عدم «نشر غسيلنا» على الملأ.
وللعلم، بعدها بسنوات تعرضت لموقف مشابه، حين أبعدنى «الحزب الوطنى» عن ملعب السياسة فى عام ٢٠٠٥، وتعمد إسقاطى فى الانتخابات نتيجة معارضتى الكثير من القرارات التى كان يتم اتخاذها وتمريرها.
لكن بشكل عام أشعر بأننى فى النهاية دائمًا ما أخرج فائزًا، فإلى الآن ما زالت سيرتى الطيبة تجدد من نفسها ولا أجد فى مسيرتى شائبة تعكر صفو تلك الرحلة الطويلة والثرية، وسعيد دائمًا بأن اختياراتى المهنية كانت انحيازًا وانتصارًا لمبادئ تربيت عليها، ويكفى أننى رفضت منصب وزير الإعلام فى عهد «الإخوان» لاختلافى التام معهم، وللعلم فقد ترشحت لهذا المنصب إبان فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
وأخيرًا، أنا لم أسعَ طيلة حياتى لمنصب، دائمًا كنت شغوفًا بالفكر والثقافة، وتكفينى محاوراتى مع عظماء عصرى ونوابغ القرن العشرين، فما زلت إلى الآن أذكر وأعتز بغضب العظيم يوسف إدريس منى، الذى طالبنى بالاستمرار فى الكتابة حين اطّلع على أعمالى الأدبية، ووعدته، لكنى أخلفت موعدى معه، وحين التقى معى لاحقًا رفض مصافحتى، وسألنى: «فين برنارد شو يا عم حمدى؟!»، فى إشارة إلى رغبته فى أن أسير على درب الكتّاب الكبار.

شاركت فى تغطية حرب أكتوبر المجيدة بطلب شخصى منى

اللحظة التى تلقى فيها الشاب حمدى الكنيسى خطاب تكليفه بالعمل مذيعًا فى الإذاعة المصرية كانت لقطة شعر خلالها بأنه الآن يقف على القمة.. لكن الوصول إلى القمة أمر صعب بالتأكيد، والمحافظة عليه وصناعة اسم لا ينسى هى حالة شديدة الصعوبة، خاصة أن توقيت الدخول إليها جاء فى وقت تمتلئ فيه بالعمالقة والعباقرة فى آنٍ واحد.. فكيف كان طريق الاستقرار على قمة النجاح؟.. يقول:
الفترة الأولى بالعمل داخل جدران الإذاعة المصرية كانت لحظات لا تُنسى وذكريات لا يمحوها الزمن، فحينها كان يجلس أمام الميكروفون «عتاولة» العمل الإعلامى، ولكل واحد منهم طلة مميزة وحضور مؤثر، لكنى لم أشعر بالرهبة من ذلك، فقد كنت أمشى بمنطق واثق الخطى استنادًا إلى ثقافتى القوية وإجادتى «الإنجليزية» بجانب إتقانى التام اللغة العربية.
وبمناسبة الحديث عن اللغة العربية، منذ صغرى وأنا حريص على تعلم قواعدها كتابة ونطقًا بطريقة سليمة، وحين التحقت بالكلية كانت الجامعة تنظم مسابقة أدبية بين الطلاب لاختيار من يمثلها فى «أسبوع شباب الجامعات»، وحينها تقدمت بـ٣ قصص مختلفة باللغة العربية على أمل أن تحصد إحداها مركزًا متقدمًا، ففوجئت بتلك القصص تفوز بالمراكز الثلاثة الأولى على التوالى.
وحين بدأت العمل الإذاعى وجدت أنه يتطلب نوعًا من الخُلق الفنى بالشكل الذى يسهم فى إثراء خيال المستمعين، لذلك فى الحلقات التى كنت أقدمها عمدت المزج بين الحكاية والرواية، القصة والتاريخ، الفن والرياضة، وهكذا، خاصة أننى من يومى الأول تم تكليفى بالعمل فى إذاعة «البرنامج العام» بقسم التنفيذ، ووقتها كانت الإذاعة الرسمية الأولى، وهذا القسم كان هو المكلف بربط الفقرات وقراءة النشرات على الهواء.
بعدها بفترة اتخذت قرارًا من أكثر القرارات الموفقة فى حياتى، حيث طلبت نقلى من قسم التنفيذ إلى قسم البرامج الثقافية، وهى خطوة أذهلت الجميع لما لقسم التنفيذ من بريق خاص، وأذكر أن الإذاعى القدير جلال معوض استغرب من تلك الخطوة ونهرنى بالكلام حينها بشدة.
حين بدأت العمل بالقسم الثقافى اخترت أن تكون ضربة البداية عبر برنامج جديد اسمه «أقلام جديدة»، حاولت من خلاله إبراز أعمال وكتابات الأدباء الشبان، وبعده قدمت برنامجًا آخر بعنوان «دنيا الفنون»، وتوالت بعدها برامجى المختلفة.
وأعتقد أن اللحظة الحقيقية التى شهدت ميلاد اسمى كانت عندما قررت العمل كمراسل حربى بعد هزيمة عام ١٩٦٧.
أحدثت «النكسة» تأثيرًا سلبيًا مدويًا على المثقفين والكتّاب دون غيرهم، فقد أسقتهم المرارة حتى الثمالة، لهذا بمجرد أن بدأت «حرب الاستنزاف» أخذت جهاز التسجيل الخاص بى وانطلقت إلى مدن القناة، وبدأت حينها فى استكشاف الواقع الصعب بعدما تم تهجير عدد كبير من السكان، وعملت على نقل الصورة كاملة إلى المستمعين عن طريق إجراء مجموعة من اللقاءات مع الأهالى والمقاتلين المرابطين هناك.
ولذلك عندما قامت حرب أكتوبر كانت قد توافرت لدىّ جرعة مناعة وجرأة كافية بحكم الخبرات التى اكتسبتها اللازمة لتغطية أجواء الحرب، فقد عشت لحظات أنس وحب بين الجنود والقادة، وتغطيتى هذه الملحمة جاءت بناءً على طلب شخصى منى عرضته على رئيس الإذاعة المصرية، آنذاك، محمود شعبان «بابا شارو».
وأذكر حين علم هذا الإذاعى الشهير برغبتى فى تغطية تلك الأجواء الملتهبة حدثنى قائلًا: «إنت فاهم يا حمدى بتقول إيه.. عايز تروح الحرب؟!» فأجبته: «طول فترة الاستنزاف وأنا معتاد على معايشة مثل هذه الظروف.. ولذلك أنا مصمم أروح هناك»، فاستجاب لرغبتى، وعرض الأمر فى وقتها على الراحل العظيم عبدالقادر حاتم، وزير الإعلام، آنذاك، فرحب على الفور.
وسط نشوة الفرحة بالموافقة لى على خوض تلك المغامرة التاريخية، كان هناك تيار رافض وقوة ممانعة كبيرة من جانب زوجتى وأسرتى لإقدامى على تلك الخطوة، باعتبارها خطوة غير مأمونة العواقب، لكنى نجحت بطريقة ما فى إقناعهم بموقفى، ومن بعدها تفرغت لأداء تلك المهمة ذات الرسالة العظيمة.
الخطوات الأولى على الجبهة كان يداعبنى مزيج من الفرحة الممزوجة بالرهبة والقلق، الشجن الذى يداعبه الأمل بالانتصار، وكل تلك الأشياء أفرزت شغفًا خاصًا بداخلى، تمت ترجمته فى نجاحى بتغطية المهمة التى تم تكليفى بها، حيث أشاد بى الجميع، وكنت أنا الشخص الوحيد فى تاريخ الإذاعة الذى غطى أجواء الحرب لبرنامجين مختلفين، وهما «يوميات مراسل حربى» و«صوت المعركة».