رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

75 عامًا (2)


حلّت، كما أشرنا في المقال السابق، الذكرى الخامسة والسبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، دون أن تنال حظها من الاهتمام المُناسب، خاصةً في البلاد التي كانت طرفًا أساسيًا فيها، كألمانيا، وانجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، والولايات المتحدة؛ فقد انشغل أهلها عن ذكرى الحرب الفائتة، بوقائع حرب "كورونا المُستجد" التي تخوض غمارها الآن، وفيما عدا روسيا، الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي السابق، التي نظّمت احتفالًا محدودًا بهذه المناسبة، فقد مرّت الذكري مرور الكرام، دون التفات لها إلا في أضيق نطاق!

ويهمني في هذه المناسبة أن أشير إلي نقطتين مهمتين ارتبطتا بهذه الحرب الكونية وترتَّبتا عليها.

أولاها: أن نهاية هذه الحرب، التي شهدت هزيمة ألمانيا النازية وحلفائها، وتقسيم أرضها إلي "ألمانيتين": شرقية وعاصمتها "برلين"، وغربية وعاصمتها بون، أنشأت وضعًا سياسيًا جديدًا شهد بروز الولايات المتحدة الأمريكية كزعيمة للمعسكر الرأسمالي الغربي، والاتحاد السوفييتي السابق، كزعيم للمعسكر الاشتراكي (الشرقي)، في ظل قطبية ثنائية، ظلت قائمة، وسباق تسلُّح عالمي، و"حرب باردة" مُستعرة، استمرت حتي انهيار الاتحاد السوفييتي مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، ليخلفها انفراد أمريكي بالهيمنة والتسلّط علي سائر شؤون العالم، فيما كانت آخر الإمبراطوريات الغربية القديمة: البريطانية والفرنسية، قد بدأتا في الأفول، وتراجع دورهما العالمي، ثم آلتا إلي الانحدار بعد هزيمة العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956.

وقد سمح مناخ التوازن النسبي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لدول عديدة كانت ترزح تحت تحت وطأة السيطرة الاستعمارية، مثل مصر في ظل قيادة الرئيس "عبد الناصر"، أن تطمح إلي بناء جيش قوى، واقتصاد مستقل نسبيًا، بمساعدة الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية، وأن تتقدم للعب دور تحررى ملحوظ في قارات "العالم الثالث: أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، أدى إلي ازدياد عدد الدول (المستقلة)، وبروز حركة عدم الانحياز، وانتشار الأفكار الاشتراكية بتلاوينها.

غير أن المقاومة الغربية العنيفة، والأمريكية خصوصًا، أجهضت هذه الآمال، واستطاعت أن تكسر شوكة هذه التطلعات، خاصةً بعد هزيمة 5 يونيو 1967، وانكفاء مصر علي قضية مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذى استقر علي الضفة الغربية للقنال.

والثانية: أن الولايات المتحدة، في سابقة لم تتكرر حتي اليوم، وفيما كانت الحرب ذاتها في طريقها للانتهاء، وبدون ضرورة موضوعية، ألقت قنبلتين ذريتين فوق مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين (يومي 6، و9 أغسطس 1945)، بينما كانت اليابان قد أُنهكت قواها، ومُنيت بخسائر فادحة علي الجبهة السوفييتية، وتوشك علي الاستسلام دون قيد أو شرط !

وقد خلف هذا الهجوم ضحايا كثر، بلغ عددهم، بحلول نهاية سنة 1945، نحو 220،000 شخصًا؛ فيما كانت القوات السوفييتية والغربية قد أحكمتا الحصار علي الجيش الألماني، وأنزلتا به خسائر فادحة أجبرت "هتلر" علي الانتحار، ودفعت القوات الألمانية إلى الاستسلام النهائي، فى السابع من شهر مايو.

واخيرًا فمن المهم التنويه إلى أن دروس الحرب العالمية الثانية، وما خلفته من مآسٍ (من 60 إلي 80 مليون ضحيّة مدنية وعسكرية، حسب تباين التقديرات، غير ما حاق بمئات المدن من تدمير وخراب) لم يتم استيعابها حتي الآن، فقد تحللت الولايات المتحدة الأمريكية من أية ضوابط أو قيود أو حسابات، وراحت ـ بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ـ تطلق العنان لكل عدوانيتها وأطماعها، وتتجاوز كل الأعراف والقواعد الدولية، وتعيث في الكون فسادًا دون رادع أو اعتبار.

وهاهي الآن تحت قيادة "دونالد ترامب" تدق طبول حرب جديدة ضد الصين، لمحاولة عرقلة تقدمها الحثيث إلي مواقع الصدارة العالمية من جهة، ولتحميلها تبعات فشل إدارته فى مواجهة فيروس "كورنا المُستجد"، الذى يقترب عدد المصابين به اليوم من مليون ونصف المليون مواطن أمريكي، وعدد ضحاياه، خلال نحو ثلاثة أشهر فقط، ما يقرب من 90 ألف متوفٍ، بينما لم يتجاوز عدد الضحايا الأمريكيين فى الحرب العالمية الثانية التي استمرت لست سنوات متصلة (سبتمبر 1939 ـ سبتمبر 1945) نحو ثلث هذا العدد وحسب!