رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: لماذا نقول إن كل هؤلاء إخوان؟

محمد الباز
محمد الباز

من حقك أن تضرب أخماسًا فى أسداس- كما يقولون- عندما تجد شخصية عامة لم نعرف عنها انتماءً إلى جماعة الإخوان الإرهابية فى أى يوم من الأيام، متهمة من قبل النيابة العامة بأنها تعمل على تحقيق أهداف جماعة الإخوان الإرهابية.
مؤكد أنك تحيرت عندما وجدت أسماء مثل حسن نافعة ومعصوم مرزوق وزياد العليمى وحسام مؤنس وحازم عبدالعظيم وخالد داود وهشام جنينة وحازم حسنى فى قائمة الذين يخدمون جماعة الإخوان الإرهابية، حتى لو لم يقوموا بالتنسيق المباشر معها.

القاعدة تقول إن الحياة بالنتائج وليست بالتفاصيل، والنتيجة التى جنيناها على أيدى هؤلاء أن كل ما فعلوه كان يصب بشكل مباشر فى مصلحة الجماعة الإرهابية وما تريده بنا ولنا ومنا.

ومن حقك أيضًا أن تندهش عندما تجد شخصيات سياسية تقدم نفسها للرأى العام عبر كتاباتها على أنها يسارية يتناقض توجهها تمامًا مع جماعة الإخوان، لكننا نتعامل معها إعلاميًا على أنها تعيش فى رحم الإرهابية لا تخاصمها ولا تفارقها، وسيكون منطقيًا أن تتهمنا بأننا نفترى على هؤلاء، لكن ما رأيك لو تأملت الوجوه وقاربت بينها وبين ما تفعله على الأرض.
خذ عندك مثلًا شخصيات مثل بلال فضل وسليم عزوز وسامى كمال الدين يقسمون على كل الكتب السماوية بأنهم ليسوا إخوانًا، بل يحاولون من وقت إلى آخر الاشتباك مع الجماعة للتأكيد على أنهم لا ينتمون إليها، رغم أنهم يأكلون من خيرها ولا يرفعون رءوسهم عن إنائها.
يمكنك أن تعترض على وضع سليم عزوز وبلال فضل وسامى كمال الدين فى قائمة الشبهات، لأنهم بالفعل يخدمون فى بلاط الجماعة.
الأول من خلال قناة «الجزيرة» وأخواتها.
والثانى من خلال قناة «العربى» التى يشرف عليها عزمى بشارة.
والثالث من خلال قنوات الجماعة السرية، فهو المُعد المباشر لكل ما يقوله المقاول الهارب محمد على.
سأقول لك، ضع الثلاثة فى أقرب سلة زبالة تقابلك.
ما رأيك فى نماذج أخرى؟
يمكننا أن نقابل على رقعة الشطرنج التى وضعتها بينى وبينك الآن شخصيات، مثل ممدوح حمزة المهندس، الذى ضيع فى أوهام الثورة عمره، فيصرخ محاولًا أن يحقق أى مكسب ولو ضئيل دون فائدة.
وعمار على حسن، الذى حلم طويلًا بأن يكون فيلسوف ثورة ٢٥ يناير ومُنظرها الكبير، فإذا به يسقط تحت أقدام حركة تصحيح الثورة التى انطلقت فى ٣٠ يونيو، فلم تعرفه ولم تمنحه مساحة ولم تعترف بما يعتقد أنه يملكه من إمكانات خارقة.
والسفير المأسوف على دبلوماسيته عزالدين شكرى فشير، الذى استعانت به جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية، ليكون بديلًا للكاتب السعودى جمال خاشقجى، ويكون صوتًا من الشرق الأوسط، فإذا به يحول مساحته إلى مستنقع قاذورات يلقيها على وجه مصر صباح مساء.
وحافظ الميرازى الذى يبكى على المهنية ليل نهار، وهو أول من يفتقدها ولا يعرف عنها شيئًا، وتجده مثل التركى الذى أفلس يمارس عقده على كل من حوله، دون أن يخبرنا عن كرامة واحدة من كراماته.
وعلاء الأسوانى الذى استراح بعيدًا عن مصر، لكنه لا يريد أن يريحنا من سمومه التى يعتقد أنها مقالات تهز العروش، رغم أنها فعليًا لا تحظى باهتمام أحد، ولا يلتفت لها أحد، ولفرط تهافتها تعتقد أنها من بين أدب الخيال العلمى.
وخالد فهمى، أستاذ التاريخ، الذى كان يجب أن يأخذ من التاريخ عظة وعبرة، لكنه يبذل مجهودًا خارقًا ليهيل التراب على كل ما يحدث على أرض مصر، يتصرف بنفسية متثاقف يعرف كل شىء، ولا يعرف أحد غيره أى شىء.
وجمال عيد، الذى يصدعنا ببطولاته فى حقوق الإنسان، رغم أنه فعليًا أكثر من استفاد من هذه السبوبة التى يعيش مرعوبًا من أن تنتهى، ولم أرَ أكثر منه بجاحة ولا افتراء على كل من يقول كلمة حق فى هذا الوطن، وكأنه يريدك أن تكون ضلاليًا حتى يرضى عنك، رغم أن رضاه فى الحقيقة لا يستحق أن تضعه إلا تحت حذائك.
ونادر فرجانى الذى أنفق عمره فى دراسات اجتماعية من المفروض أن ترتقى به، لكنه يسلم عقله لدعايات ضالة ومضللة، للدرجة التى تشعر معها بأنه لم ينقطع عن الرضاعة من أفكار الإخوان، رغم أنه ينفى ذلك ويهاجم كل من يحاول أن يكشفه أو يبين زيفه.
لا تستطيع أن تتجاهل نماذج تسربت إلينا من العهود المرتبكة، وتحاول الآن أن تحصد بطولات وهمية، خذ عندك محمد على إبراهيم وعبدالناصر سلامة.
الأول بعد أن قضى عمره فى خدمة نظام مبارك يريد أن يتطهر الآن مرتديًا ثوب المعارض الشرس، والثانى بعد أن فشل فى خلع رداء الإخوان الذين وضعوه على رأس جريدة الأهرام، قرر أن يتقمص شخصية المعارض الشرس، رغم أن كل ما يقوله هازل وهزيل.
لقد نما معظم هؤلاء فى وادينا الطيب على هامش أحداث يناير، التى ساعدت كائنات عشوائية على النمو والتمدد والانتشار، لكن عندما استردت الدولة نفسها، ووضعت كلًا منهم فى حجمه تمامًا، هربوا بعيدًا عنها، وبدأوا فى مناصبتها العداء، لأنهم لا يستطيعون العيش فى ظل دولة وقانون بعد أن حصلوا على مجد وشهرة وثروة فى ظل حالة سيولة تفتقد إلى كل القيم والمعايير التى نعرف على أساسها الحقيقى من المزيف.


ومن حقك أن تفزع عندما تجد عددًا من المسيحيين متهمين فى قضايا عنوانها التعاون مع جماعة الإخوان، والعمل على تنفيذ برنامجها التخريبى فى مصر.
ومن حقك أن تسأل مثلًا: كيف يستقيم الحال باتهام إعلامى شاب فى خلية «الجزيزة الوثائقية» بأنه يدعم الجماعة، أو أن طبيبة مثل منى مينا تتحرك على أرضية نقابة الأطباء وتطالب بحقوق زملائها يمكن أن تقف فى صف واحد مع الجماعة الإرهابية؟.
ولن أعارضك إذا سألت: كيف لمواطن مسيحى يعرف خطر الجماعة عليه أن يعمل من أجل مصلحتها، ضاربًا عرض الحائط بأدبياتها العدائية للمسيحيين وتاريخهم الميدانى فى مطاردتهم وتهديدهم والاعتداء عليهم.
***
وستجد من يسمع لك، مثلًا عندما تستبعد تمامًا أن يكون ممثل مثل خالد أبوالنجا الذى له ما له وعليه ما عليه من الإخوان، أو أن عمرو واكد الذى يعانى من عقدة ضمور دوره الثورى يعمل فى صف الجماعة الإرهابية.
لن أضع أمامك قائمة تضم محمد شومان وخالد عبدالله وهشام عبدالحميد ومعتز مطر ومحمد ناصر وأيمن نور الذى تحول إلى سمسار ينفذ كل ما تصدره له الجماعة من تعليمات.
هؤلاء لم يعد أحد يشكك من قريب أو بعيد فى إخوانيتهم، فرغم أنهم يحاولون تصدير أنفسهم على أنهم أصحاب قضية، ولا علاقة لهم بالإخوان، إلا أنهم قولًا وفعلًا، ليسوا أكثر من خدم وأُجراء تحت أقدام الجماعة وحلفائها.

يمكنك أن تطالبنى بأن أحترم عقلك.
أن أحترم المنطق الذى يقول إنه ليس كل من يعترض أو تكون لديه وجهة نظر مختلفة نتعامل معه على أنه إخوان.
ما رأيك أن نتحدث بصراحة؟
أن نقف أنا وأنت وجهًا لوجه، لا نخفى شيئًا، ولا نتحرج من شىء.
لقد نجحت الجماعة الإرهابية فى إرهابنا، جعلتنا نكتم ما نراه صحيحًا حتى لا يقال إننا ننافق النظام، أو نتكسب منه، أو على الأقل نتقى شره.
هذه الحيلة جعلت الكثيرين يصمتون، يشترون راحتهم كما يقولون، فما الذى يجعلك عرضة للنقد والسباب والشتائم، وفى الوقت نفسه وسعت دائرة من يعملون من أجل تحقيق أهداف الجماعة.
هل يمكن أن نعود إلى الوراء قليلًا؟
هى سنوات قليلة لن نبتعد بكم عن الحدث الساخن الآن.
فى اللحظة الفاصلة التى أعلن فيها الشعب المصرى عن أنه لا مكان للإخوان، لم يكن يقصد فقط الجماعة الإرهابية وتنظيمها، لم ينصرف فعله إلى الأعضاء التنظيميين الذين يدفعون اشتراكات للجماعة، أو هؤلاء الذين ينتظمون فى تدرجها التنظيمى، ولكنه كان يقصد كل من يتعاطف مع الجماعة أو يساعدها أو يدعمها أو يقف إلى جوارها.
فعل الشعب المصرى ذلك وهو يعى أن المعركة التى يخوضها ليست نزهة، بل معركة وجود، فالجماعة التى قررت إما أن تعود إلى الحكم أو تسعى إلى إسقاط الدولة وهدم كل مؤسساتها، حتى تصبح لقمة سائغة تستطيع أن تمضغها وتهضمها، أدركت منذ اللحظة الأولى أنها لا تستطيع أن تفعل هذا وحدها، فلعبت على التناقضات فى ثوب ثورة ٣٠ يونيو، وبدأت تستقطب كل من تصل يدها إليه، حتى يصبح صوتًا من أصواتها.
لم تهتم الجماعة بأن يبايع حلفاؤها الجدد مرشدها، فلا أحد يعرف لهم مرشدًا الآن، لكنها اهتمت فقط بأن يكون صوت الحلفاء مناهضًا للدولة المصرية، ساعيًا إلى تعطيلها عمّا تسعى إليه، نفخت فيهم، رددت ما يقولونه، عرضت أفكارهم وآراءهم عبر منصاتها الإعلامية، وكأنها تقول لهم نحن نسير فى طريق واحد، وكانت المفاجأة أن أحدًا لم يعترض أو يقول أنا لست معكم.
أزمة المعارضين فى مصر، أنهم لا يعرفون من المعارضة إلا وجهًا واحدًا فقط، لا يحاولون أن يستوعبوا أولويات اللحظة الراهنة وضروراتها، لا يفهمون إلا لغة واحدة يرددونها وهم معصوبو العيون، وكأنهم لا يعيشون معنا ولا يعرفون عنا شيئًا.
قد تعتقد أننى أنحاز لعدم وجود معارضة فى مصر.. لاختفاء أى صوت لا يتفق مع توجه الدولة ومؤسساتها.
هذا أمر لا يستقيم أبدًا، ولا يمكن أن ينادى به عاقل أو يقف وراءه من يحب هذا الوطن.
فالمعارضة هى ضمان استقامة أى نظام.. لكنها معارضة البناء لا الهدم.
المعارضة التى تبحث عن حلول وتتحدث فيها وتدير حولها نقاش.
وليست المعارضة التى تدعو إلى تدشين الهاشتاجات وتنظيم الوقفات حتى لو كانت رمزية.
يمكننا أن نمسك هنا بقلب فكرتنا، إننا نقول على هؤلاء جميعًا- ممن وردت أسماؤهم هنا أو حتى ترى صورهم دون الإشارة إليهم- إخوانًا، لأن الإخوان الآن أصبحوا فكرة أكثر منهم تنظيمًا.
فكرة يريد أصحابها أن يفرضوها علينا، أن يسحقوا الوطن كله من أجل أن يتسع لهم الطريق ليعودوا مرة أخرى، لينتقموا من الجميع.
القياس يمكن أن يكون مريحًا هنا.
تعمل الجماعة على هدم الدولة، تستخدم فى ذلك أدوات كثيرة، منها الإرهاب المباشر من خلال أجنحتها المسلحة، والإرهاب الإعلامى من خلال قنواتها القادمة من قطر وتركيا، ومواقعها الإلكترونية وصفحاتها عبر شبكات التواصل الاجتماعى التى ينشط من خلالها ذبابها الإلكترونى، تبث شائعات، تشكك فى أى وكل إنجاز، تصنع الفتن بين الشعب ومؤسساته، وعلى رأسها القوات المسلحة، تسعى وراء خلخلة الجبهة الداخلية لإضعافها.
جماعات المعارضة تعاند الدولة، تهدم كل ما تفعله، تسعى إلى التشكيك فى كل إجراءاتها، تروج الأخبار الكاذبة حول قراراتها.
وعليه فلا يمكن أن نفصل الجماعات المعارضة عن خط الإخوان.
لا يمكن أن نقول إنها تعمل بمعزل عنها.
لا يمكن أن نقبل أنها لا تعرف أو لا تخدم أو تدعم.
لقد ارتضت الجماعات المعارضة وأصحاب الكتابات الزاعقة أن تكون أهدافهم هى نفس أهداف الجماعة الإرهابية، أو على الأقل كانوا أدوات استخدمتها الجماعة للتشهير بالدولة المصرية، لضرب الجبهة الداخلية فى قلبها، فكان طبيعيًا أن يتم التعامل مع هؤلاء جميعًا على أنهم من الجماعة.
يمكن أن تقول لى وهل يمكن أن نعتبر إعلاميًا، ينتج أفلامًا فنية لـ«الجزيرة وثائقية»، يخدم جماعة الإخوان أو يحقق أهدافها؟
هنا نقطة أخرى تمامًا، وهى كيف يمكن أن أتعاون مع كيان أعرف جيدًا أنه يعمل على هدم بلدى بأى شكل من أشكال التعاون، كيف أضع يدى فى أيديهم، كيف أحصل منهم على أموال أعرف جيدًا أنها من نفس منبع الأموال التى تمول الإرهاب وتدعمه؟
من يفعل ذلك مثله تمامًا مثل من دخل خمارة، وعندما ألقوا القبض عليه قال: والله أنا كنت داخل أتوضأ.
المعركة واضحة جدًا، لا لبس فيها، ولا غموض.
إما أن تكون مع الوطن، أو تكون ضده.
إما أن تكون فى صف مؤسساته، أو فى صف الجماعة التى تعمل على هدم هذه المؤسسات.
لا أحد يطلب منك أن تبتلع لسانك.
لا أحد يطلب منك أن تصمت.
لكن لا بد أن تعرف موطئ قدمك، فكثيرون زلت أقدامهم، خرجوا من صف الوطن دون أن يشعروا، وتجدهم يجادلون عندما تقول لهم: انتبهوا أنتم فى طريق اللاعودة.
الوطن ليس وجهة نظر، فإما أن تكون معه أو تكون ضده.
هذه الثنائية تتجلى الآن؛ لأننا نعيش ظرفًا استثنائيًا، صنعته جماعة تريد أن تأخذ كل شىء، أو لا يبقى أى شىء على الإطلاق.. وللأسف الشديد يتماهى معها من نظن أن الله منحهم القدرة على التمييز، لكن التجربة العملية أثبتت أنهم بالفعل لا يملكون الحد الأدنى من أى تمييز.