رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلقة الـ28 وما بعدها


بلا أى مبالغة، لم يحدث أن حققت أى حلقة من مسلسل، فى تاريخ الدراما المصرية أو العربية، ردود أفعال تقترب من تلك التى حققتها الحلقة رقم ٢٨ من مسلسل الاختيار، الذى تعمدت عدم الكتابة عنه طوال الـ٢٧ حلقة السابقة، لأن ما رآه المشاهد، الذى هو غالبًا القارئ، على الشاشة، أكثر تأثيرًا من المقالات والخطب. ومعروف أن السيف، كما قال «أبوتمام»، أصدق إِنباءً من الكتب.
المصريون كلهم، إلا قليلًا، بكوا وهم يشاهدون الحلقة واختلطت دموعهم بالدعاء لرجال قواتنا المسلحة، وقوات إنفاذ القانون إجمالًا. أما ذلك القليل أو الاستثناء، فكانوا ثلاث فئات: الإرهابيون، وفئة ضئيلة ضالة ارتضت أن تلعب دور الظهير السياسى لهم، ومغيبون أو طيبون زيادة عن اللازم دفعت بعضهم عقدة «الخبير» الأمنى أو العسكرى إلى التقيؤ بما سبق أن بصقه الإرهابيون، أو من يحركونهم، فى أدمغتهم.
استهداف المسلسل بدأ منذ بداية تصويره، وشارك فيه عملاء جرى استئجارهم، أو بلهاء تم استغلال سذاجتهم، جهلهم. وسخرت الجماعات الإرهابية، والدول الداعمة لها كل وسائل إعلامها، وكل ذبابها الإلكترونى على شبكات التواصل الاجتماعى، ومع كل ذلك، حقق المسلسل نجاحًا كبيرًا غير مسبوق، ومع الحلقة الحاسمة، حلقة «ملحمة البرث»، أو الحلقة رقم ٢٨، «ارتفع منسوب الاهتمام على الإنترنت إلى مستويات غير مسبوقة بالنسبة لأى عمل درامى عربى». وما بين التنصيص ننقله عن تقرير لشبكة «سكاى نيوز عربية»، نقل عن بيانات عملاق محركات البحث «جوجل»، أن الموضوعات الخاصة بالمسلسل مثلت ١٢ من الـ٢٠ موضوعًا الأكثر بحثًا.
السيفُ أصدق إِنباءً من الكتب، فى حده الحد بين الجد واللعب. وما تلا الحلقة ٢٨ من مسلسل «الاختيار»، أو ما جاء بعدها، كان خطة المواجهة «أو المجابهة» الشاملة، أو العملية التى اختير لها اسم «سيناء ٢٠١٨»، والتى كان لها ٤ أهداف، أعلنها المتحدث العسكرى، فى بيانه الأول: إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية، تطهير المناطق من البؤر الإرهابية، تحصين المجتمع المصرى من شرور الإرهاب، ومواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير. وحتى يتحقق ذلك، وحتى لا يكون على أرض مصر خسيس أو جبان، صعدت أرواح وارتقى شهداء قبل وبعد أحمد منسى ورفاقه.
أحمد منسى، أسطورة طبعًا، لكن هناك، أيضًا، أساطير كثيرة سبقته ولحقت به: أدهم الشوباشى «٢١ سنة» فى كمين «أبوالرفاعى»، الذى أصر على مواصلة القتال بعد إصابته، وزميله عبدالرحمن متولى «٢٢ سنة» الذى قتل بمفردة ١٢ إرهابيًا، كان يقتنصهم باحترافية بالغة قبل أن تصيبه رصاصة فى رأسه فصعد شهيدًا. وأبانوب صابر «٢٠ سنة» الذى كان على وشك أن يقتل الإرهابى السادس لولا نفاد خزنة الطلقات فى خمسة إرهابيين، وبعدها نال الشهادة. ومحمد أيمن، الذى كانت تفصله ١٥ يومًا عن عيد ميلاده الحادى والعشرين، واحتضن إرهابيًا يرتدى حزامًا ناسفًا، ليفتدى زملاءه من موجة انفجارية ضخمة، حوّلت جسده الطاهر إلى أشلاء.
جاء الوقت، ليتم تسليط الضوء على هؤلاء وغيرهم، بعد أن عُمنا طويلًا، ولا نزال، فى مستنقع الأكاذيب، التى أطلقتها وتطلقها جهات معادية، واستخدمت فى ترويجها وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية. ولم يعد ذلك سرًا أو اتهامًا مرسلًا يطلقه من أكلت «نظرية المؤامرة» أدمغتهم، بعد أن دقت على رءوسنا طبول كثيرة. وبعد أن رأينا شواذ وطنيًا أو سياسيًا، لا يخجلون من الإعلان عن تعاونهم مع أعداء الخارج أو الاستقواء بهم، بزعم أنهم يعارضون نظام الدولة السياسى.
قوى الشر، استغلت «أو صنعت» الاضطرابات والتوترات فى دول المنطقة، لتتمكن من السيطرة عليها. ولما تلقت هزيمة قاسية فى مصر، أطلقت اللقطاء والعملاء والبلهاء. والتاريخ ملىء بآلاف الأمثلة على حروب إعلامية ساخنة جدًا، شنتها أجهزة مخابرات دول طوال نصف القرن الماضى، وتنافست فيما بينها فى ابتداع أشكال مختلفة من الأكاذيب وحملات التضليل.
غالبية الحروب الأخيرة، وتحديدًا تلك التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط، لم تكن مقصورة على العمل العسكرى التقليدى، وصار العدو فى كثير منها مجهولًا، فى وجود تنظيمات أو كيانات يصعب ربطها بالدول التى تحركها، أو تستعملها. وعلى سبيل التحايل، أو تبريرًا لعدة جرائم، ظهر مصطلح «الجريمة السياسية»، وأسىء استخدامه وتوسيع نطاقه، ليشمل الجرائم العادية، كالقتل والسرقة، وغيرها لو كان لها دافع سياسى. وهذا طبعًا كلام فارغ، لأن معناه أن المعيار هنا أساسه النية، التى لا يعرفها غير الله، ولا تصلح لأن تكون ركنًا من أركان الجريمة.
النيات يعلمها الله، أما ما نعلمه نحن، فهو أن الحرب مستمرة. وتكون واهمًا لو انتظرت أداءً مختلفًا أو ردود أفعال مغايرة، من إرهابيين، يخوضون معركة «البقاء أو الموت»، أو من الشواذ وطنيًا والموضوعين تحت السيطرة.