رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

75 عاماً! (1)


في أتون الانشغال العالمي بصد الهجمات الغادرة لفيروس "كورونا المُستجد"، سقط من ذاكرة أغلب البلاد والشعوب، الاحتفاء الواجب بإحدى أهم المناسبات، التي كانت تستحق بالغ الانتباه لأهميتها ولما تحمله من معانٍ ودلالات. الاحتفاء بمرور ثلاثة أرباع القرن، علي انتهاء أشرس حروب المعمورة، وأكثرها عنفاً، وأوسعها امتدادا، وأشدها تأثيراً: الحرب الكونية العظمي، أو الحرب العالمية الثانية!

اشتعل أوارهذه الحرب في الأول من سبتمبر 1939، وخبا لهيبها في الثاني من سبتمبر عام 1945، وامتدت نارها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حتي لا تكاد توجد دولة أو منطقة نجت من أهوالها، أو لم تتأثر بوقائعها، بصورةٍ أو بأخري.

انفجرت هذه الحرب، التي انجرف إلي أتونها أغلب دول العالم، وشارك في معاركها نحو مائة مليون من أكثر من ثلاثين دولة، وقتل فيها ما بين 60 و80 مليون ضحيّة، وما كان لها إلَّا أن تنفجر، بسبب التنازع التناحري بين كبريات الدول الاستعمارية، وصراعاتها الدموية حول مناطق النفوذ ومجالات الهيمنة، ودوائر النهب للأمم والشعوب، وهي الخلافات الموروثة من عهد الحرب العالمية الأولي، (التى انفجرت في 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر 1918)، وكان يُظن أنها "الحرب التي ستُنهي كل الحروب"، فإذا بها تحمل ميراثها الشيطاني إلي أجيالٍ تالية، ما كان لها إلا أن تستأنف القتال وتستدرك أهوال القتل، ولو بعد حين!

لقد انتهت الحرب العالمية الأولي بهزيمة مُهينة لتجمُّع الإمبراطورية الألمانية، والإمبراطورية النمساوية المجرية، والدولة العثمانية، ومملكة بلغاريا، وبإعلان فوز محور الحلفاء: المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا، والجمهورية الفرنسية الثالثة، والإمبراطورية الروسية.

لكن ألمانيا لم تنس أبداً أنها خرجت من "مولد" اقتسام غنائم العالم، وتوزيع خيرات مناطقه بين كبريات الدول الاستعمارية "بلا حُمص"، والأهم أنها لم تنس أبداً ما حاق بها من إذلالٍ، وما أحاط باسمها من ضعةٍ ومهانة، وما أسفرت عنه الحرب من خسائر وأعباء.

وهي إذ أخذت فى إعداد العُدّة، وتحيُّن الفرصة، لوقفةٍ جديدةٍ تستعيد من خلالها بعض ما فقدته من هيبةٍ ومكانةٍ، وتسترجع بعض ما اعتبرته حقوقاً مسلوبة في المُستعمرات ومناطق النفوذ، والثروات والمصالح، كانت علي موعدٍ مُرتقبٍ مع "ديماجوجي" موهوب، و"شعبوي" بامتياز، ومُهيِّجٍ جماهيريٍ حاذق: "أدولف هتلر"، استطاع أن يلعب علي مشاعر الملايين من أبناء الشعب الألماني، الموجوعين من نتائج الحرب، والمصعوقين من آثارها السياسية والاقتصادية، ومن تضاؤل شأن دولتهم وهوان وضعها، وأن يُهيئهم، نفسياً قبل أي شيئ آخر، لجولةٍ جديدةٍ من جولات الصراع.

أما الطبقات الرأسمالية الفاحشة الثراء، وكبار رجال المال والأعمال الألمان، الذين خسروا الكثير مع خسران بلادهم للحرب، وحوصروا وحوصرت أعمالهم في الحدود الضيّقة لبلدهم، وبشروط المنتصرين، فقد كانوا "علي الندهة"، مُستعدين لتمويل حرب أخري، بل وحروب، ودعم "مجنونٍ" آخر، بل و"مجانين"، لا ستعادة ما فقدوه من مكانةٍ، وما مُنعوا عنه من مكاسب!

وهناك علي الشاطئ الآخر، كان فارس العالم الجديد الفتيّ، الولايات المتحدة الأمريكية، يتحين الفرصة، يرقب خرائط المعمورة، وينتظر اللحظة المُناسبة للتدخل من أجل الحصول علي نصيب الأسد من الغنيمة، بأقل الجهد وأيسر التكاليف!

وبين هذا وذاك، كان عدوٌ جديد قد شغل الدنيا ولفت انتباه الناس؛ طال رأسه، وأينعت، وحان قطافها: الاتحاد السوفييتي العنيد، الذي تصدّي لكل محاولات القضاء علي دولته الوليدة، وواجه بعزيمة كافة حروب التدخُّل الداخلي والخارجي لإسقاط نظامه الاشتراكي، المناوئ ـ شكلاً وموضوعاً ـ للرأسمالية الاستعمارية في الفكر والتطبيق!

كان من مصلحة التحالف الاستعماري الغربي، أن يوجّه طاقة المارد الألماني الغاضب، الساعي للانتقام، ناحية الشرق، حيث تربض "روسيا الحمراء"، لإنهاكهما معاً.

وفي المقابل أدرك "ستالين" هذه النية الاستعمارية الغربية، للتضحية ببلاده علي طاولة المناورات والمؤامرات، فحاول تأجيل الهجوم الألماني قدر المُستطاع، حتي يستكمل أهبّته للقتال، ولكن هذه المحاولة لم تنجح إلّا إلي حين.

فقد أزفت الساعة وما كان للشرارة إلا أن تؤذن باندلاع اللهيب!