رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عقدة الخواجة!


مَن منا لم يمر بخاطره، أو ورد على لسانه هذه المقولة "عقدة الخواجة"؟ مَن منا لم تُثِره تداعيات "عقدة الخواجة" وتولد الإحساس بالانكسار والتبعية وفقدان الذات أمام الأخر؟ أنا نفسي في بعض المناقشات التاريخية مع بعض الأصدقاء، كنت أُفاجئ ببعضهم يحاول أن يُنهي الحديث لصالحه فيقول: "لكني قرأت في كتاب مُترجَم عكس ذلك"! وذكرني ذلك بأحد منولوجات الفنان الكوميدي الكبير "سمير غانم" في أحد الأفلام، وهو يسخر من شخصية مُدعي الثقافة فيقول: "أنا قريت في مجلة برتغالية بتصدر في أنجولا"!!
كنت أحاول تفسير "عقدة الخواجة"، وإهانة الذات وتعظيم الأخر من خلال المثل الشعبي "الشيخ البعيد سره باتع"، كانت "عقدة الخواجة" في صدر شبابي تمثل لي عائق لا بُد من تجاوزه، والحق أن نماذج مثل فاروق الباز ومجدي يعقوب وأحمد زويل، وفي الأدب نجيب محفوظ، فضلاً عن الدراسة والعمل مع الأجانب، كل ذلك ساعدني كثيرًا على تجاوز هذه العقدة.
وبحكم دراستي حاولت أن أبحث عن الجذور التاريخية لهذه المسألة، والمثير أني وجدت- في منتصف القرن الماضي- العلامة "أحمد أمين"، صاحب موسوعات فجر الإسلام وضحى الإسلام، وعميد كلية الآداب بجامعة القاهرة، ووالد أستاذ الاقتصاد الشهير "جلال أمين" والمفكر الإسلامي "حسين أحمد أمين"، يعالج هذا الأمر في كتابه المهم "قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية"؛ إذ يحدثنا أحمد أمين عن ما هو الخواجة في ذهن المصريين: "هو أوربي يلبس بدلة وبرنيطة، وهو يُحترَم في مصر ويُخاف منه، ويُعتقَد فيه العلم والأمانة أكثر من المواطنين، وخصوصًا في الزمن الماضي، فإذا قدم طبيب وكان خواجة، أعتُقِد أنه طبيب أمهر من الأطباء المصريين، مهما كانت شهادته وضيعة!... وكم ضحك الأوربي على ذقن المصري، لا لشيء إلا لأنه خواجة".
ويحاول أحمد أمين البحث عن أسباب هذه العقدة المُزمنة "عقدة الخواجة"، ويرى أمين أن ذلك يعود إلى الغزو الأوربي لمصر سواء الحملة الفرنسية أو الاحتلال البريطاني، وأثر ذلك في نشوء عقدة الخواجة تجاه أي أوربي.
كما يشير أحمد أمين إشارة هامة في هذا الشأن إلى دور الامتيازات الأجنبية التي تمتع بها الأجانب منذ العصر العثماني، واستفحال شأنها، وما ترتب عليها من نشأة المحاكم المختلطة في القرن التاسع عشر؛ حيث لم يخضع الأوربي للقانون المصري ولا المحاكم الوطنية، واستمر هذا الوضع حتى تم الاتفاق على إلغائه بمعاهدة مونترو عام 1937، وانتهى تمامًا في عام 1949.
ويلخص أحمد أمين بدقة عقدة الخواجة عند المصريين قائلاً:
"وقد أوجدت هذه الحالة مُرَكَب النقص في المصريين، فاحترموهم واعتقدوا فيهم الكمال في كل شيء مهما كان الخواجة ساقطًا"!