رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هراء طبي.. «الدستور» تحقق: هل التدخين يقلل معدلات الإصابة بـ«كورونا؟»

التدخين
التدخين

زعمت دراسة علمية أجراها مستشفى «لابتبي سال بتريير»، في العاصمة الفرنسية باريس، أن المدخنين هم الأقل عرضة للإصابة بفيروس كورونا، بفضل مادة «النيكوتين» التي تكسبهم مناعة ضد المرض، مدعية أن نسب الإصابة بين المدخنين لا تتعدى الـ5% من مجموع الإصابات.
وأثار أطباء في إحدى مستشفيات ويلز بالمملكة المتحدة الأمر ذاته، مدعين -بناءً على ما وصفوه بالدراسة- أن المدخنين أقل عرضة للإصابة بالفيروس.
«الدستور» تستطلع في السطور التالية آراء نخبة من الأطباء والمتخصصين حول هذه «الدراسات»، ومدى صحة استنتاجاتها، كما تسأل مواطنين عن مدى تأثير انتشار «كورونا» على معدلات تدخينهم، وتستطلع آراء عدد من البائعين عن حركة بيع وشراء السجائر وغيرها من مواد التدخين في ظل هذه الظروف.
يوسف أمين: يضعف المناعة والرئتين.. والدراسات حول فائدته «غير دقيقة»
حذر الدكتور يوسف محمد أمين، أستاذ الأمراض الصدرية مدير وحدة ارتفاع ضغط الشريان الرئوي بمستشفى قصر العيني، من أن التدخين يضعف المناعة ويقلل كفاءة الرئتين، مشددًا على الدراسات التي تزعم بأن «النيكوتين» يزيد من عدد كرات الدم البيضاء ويقلل فرص الإصابة غير دقيقة.
واعتبر أن انتشار هذه الدراسات لا يهدف لتشجيع الأفراد على التدخين، وإنما يأتي في إطار محاولات التوصل لعلاج يحد من خطورة «كورونا» في أسرع وقت ممكن.
واختتم بأن الإقلاع عن التدخين أو تجنبه يتطلب وجود قناعة تامة بأن هذه العادة تسبب أضرارًا بالغة للأفراد، وتؤثر بشكل مباشر على صحتهم الجسدية والنفسية.
مايكل موريس: الأبحاث «اجتهادات شخصية» لم تخضع لاختبارات علمية
شدد الدكتور مايكل موريس، أخصائي أمراض الصدر والحساسية ومناظير الصدر، على عدم وجود أي مصدر رسمي يمكنه تأكيد إدعاء أن التدخين يقي من «كورونا»، واصفًا الدراسات التي تتحدث عن ذلك الأمر بأنها مجرد اجتهادات شخصية لم تخضع للتجربة العلمية الدقيقة ولا البحث ومتابعة الحالات التي خضعت للدراسة، وغيرها من سبل تأكيد النظريات العلمية والطبية.
وأوضح أن الدراسة الفرنسية التي تربط بين التدخين وتقليل فرص الإصابة بـ«كورونا» تتعارض مع البيانات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية، التي أعلنت في أحد بياناتها حول الفيروس أن المدخنين ومرضى الجهاز التنفسي والحساسية من أكثر الفئات عرضة للإصابة بالفيروس.
وقال «موريس» إن المدخن يعاني طوال حياته من عدة أمراض صدرية، من بينها الالتهاب الرئوي والربو والتهاب الشعب الهوائية وانتفاخات الحويصلات الهوائية والتليف الرئوي والسرطان، معقبًا: «ذلك كله يحدث بسبب السجائر وما تفعله بالجهاز التنفسي».
وتابع: «التدخين يتسبب في ضعف الجهاز المناعي وتكسر كرات الدم البيضاء، والأمراض المزمنة مثل القدم السكري وضغط الدم وأمراض القلب، والمدخنون من المحتمل أن يصابوا بالانسداد الرئوي المزمن، وهو ما قد يتسبب في الوفاة سريعًا، لذلك في حال أصيب المدخن بفيروس كورونا سيعاني بشدة مقارنة بالشخص العادي».
كيرلس قلادة: يضر بالشعب الهوائية ويقلل من مقاومة الجسد للأمراض
وصف الدكتور كيرلس خلف قلادة، الحاصل على الدكتوراة في أمراض الصدر والحساسية والمناظير بجامعة عين شمس، الدراسات التي تتحدث عن أن أي «أمر ضار» قد يساعد على الوقاية من الأمراض، بأنها مجرد «هراء»، خاصًة التدخين، لأنه يضر بالجهاز التنفسي بشكل كامل، ومن الممكن أن تتسبب شراهته في تليف الرئتين وسرطان الرئة.
وقال «قلادة»: «هناك العديد من الدراسات التي تؤكد أن التدخين يقلل من مقاومة الجسد للأمراض، ويضعف الجهاز التنفسي بشكل كبير وملحوظ، حال التدخين بشراهة، وفي بعض الحالات يسبب العديد من الالتهابات التي تصيب الحويصلات الهوائية».
وتابع: «التدخين يؤثر على الغشاء المبطن للشعب الهوائية، ما يزيد من فرص الإصابة بفيروس كورونا المستجد، لأنه يبحث عن الأجساد الضعيفة المتهالكة، وهي البيئة يوفرها التدخين للفيروس، ما يجعل المدخنين، أكثر عرضة للإصابة به».

هيثم صلاح الدين: حملة دعائية لترويج السجائر بعد تراجع المبيعات
قال هيثم صلاح الدين، مدرس واستشاري الأمراض الصدرية والحساسية بكلية الطب جامعة عين شمس، إنه لا يوجد دراسات «حقيقية» تؤكد أن التدخين أو «النيكوتين» يحمي من «كورونا».
ورجح أن تكون شركات إنتاج السجائر وراء إطلاق هذه الشائعات، التي تروج لكون التدخين يقي من «كورونا»، بهدف ترويج السجائر بعد تراجع مبيعاتها عالميًا، الأمر الذي جعلها تتاجر بصحة الأفراد من خلال حملات دعائية مزيفة.
وحذر من أن التدخين يضعف الجهاز المناعي، ويجعل المدخن المصاب بفيروس «كورونا» أكثر عرضة للمضاعفات المميتة، التي يمكنها إغلاق مجرى الجهاز التنفسي تمامًا، ناصحًا المدخنين وغير المدخنين بالإقلاع وتجنب التدخين فورًا، إذا أرادوا النجاة.
عبد الباسط صالح: يقتل المصاب بسبب انفجار الحويصلات الهوائية
وصف الدكتور عبد الباسط صالح، رئيس قسم الأمراض الصدرية في جامعة المنصورة، الدراسة التي تزعم بأن مادة «النيكوتين» تضعف «كورونا» بأنها «خاطئة تمامًا»، وأكبر دليل على ذلك هو تصريحات منظمة الصحة العالمية التي دعت المدخنين للإقلاع عن هذه العادة، كونهم عرضة بشكل كبير للإصابة بالفيروس المستجد.
وأوضح «صالح» أن خطورة الإصابة بالفيروس على المدخنين ترجع إلى عدة أسباب، الأولى أن التدخين يتسبب في تلف الحويصلات الهوائية، وفيروس «كورونا» يتكاثر في تلك الحويصلات، لذا فأن الإصابة بالفيروس مع كون المصاب مدخنًا تشكل ضغطًا مضاعفا على الحويصلات، بما يؤدي لانفجارها وموت المصاب.
وأضاف: «السبب الثاني هو أن التدخين يتسبب في زيادة مادة أول أكسيد الكربون في الدم، التي تهاجم الهيموجلوبين المسئول عن مد الدم بالأكسجين، لذا في حالة إصابة المدخن بفيروس كورونا، يتسبب الفيروس في تكسير جزيئات هيموجلوبين الدم، وبالتالي النقص الحاد في الأكسجين الذي يصل إلى الخلايا، مع وجود أول أكسيد الكربون، ما يؤدي في النهاية إلى الوفاة».

شريف موسى: المدخنون الأكثر عرضه لدخول العناية المركزة
كشف الدكتور شريف موسى، رئيس قسم العناية المركزة بمستشفى إسنا بالأقصر المخصص لعزل وعلاج المصابين بـ«كورونا»، عن وجود دراسات طرحتها دولة الصين تشير إلى زيادة معدلات الوفيات بين المدخنين المصابين بالفيروس، إلى جانب زيادة حاجتهم لجلسات التنفس الصناعي ودخول العناية المركزة.
وبَين «موسى» أن الدراسة التي أجريت في فرنسا حول زيادة مناعة المدخنين ضد المرض مجرد «إحصائية» فقط، أشارت إلى انخفاض أعداد الإصابات بين المدخنين من بين العدد الإجمالي للمصابين.
وأوضح أن تلك الدراسة روجت لكون المصابين بـ«كورونا» من المدخنين أقل 4 مرات من غير المدخنين، بنسبة 7% من العدد الكلي للإصابات، معقبًا: «هذه الدراسة صغيرة وغير معترف بها بشكل دولي».
وأضاف: «منظمة الصحة العالمية لم تجد علاقة بين التدخين وانخفاض معدلات الإصابة بفيروس كورونا، حتى يوم 10 أبريل الجاري، لكن في يوم 14 من ذات الشهر، أعلنت مجموعة من التوصيات حذرت فيها من أن التدخين يساعد على الإصابة بشكل أسرع، ويتسبب في سوء حالة المريض المصاب وحاجته لدخول العناية المركزة».
وحذر من أن المدخن أكثر عرضة للإصابة، بسبب تنقل السيجارة بين يده وفمه باستمرار، إلى جانب خطورة «الشيشة» التي تسبب في نقل العدوى نتيجة لتبادلها من شخص لآخر، كما أنها تضعف قدرة الأغشية المخاطية التي تعمل على التخلص من المواد اللزجة في الصدر، وتسبب خشونة في الأوعية الدموية، ما يؤدي إلى تدهور كبير في حالات المدخنين المصابين بالفيروس.

مواطنون يعترفون: حظر التجوال زاد معدلاتنا لـ«علبتين في اليوم»
قال محمد عبد الحميد، 45 عاما، صاحب عمل حر، إنه يدخن السجائر منذ 30 عامًا، ولا يستطيع الإقلاع عنها نهائيا، رغم التحذيرات الكثيرة من خطورتها، كاشفًا عن أنه أصبح يُدخن أكثر بسبب الحظر والبقاء في المنزل، بمعدل يصل إلى علبتين في اليوم.
وأضاف «عبد الحميد»: «أدخن الشيشة أيضا بجانب السجائر، لكن قرار الحكومة بإغلاق كافة المقاهي جعلني أُقلع عن تدخينها»، معتبرًا أن فيروس «كورونا» لا يميز بين مدخن وغيره، لأنه مرض فيروسي يمكنه إصابة أي شخص وليس المدخنين فقط، وفق تعبيره.
واتفق معه علي الجبري، 28 عاما، مندوب في إحدى الشركات الخاصة، بقوله إن تداعيات «كورونا»، خاصة في الأسابيع القليلة الماضية، أثرت عليه بالسلب، فبعد أن كان يُدخن 15 سيجارة في اليوم، أصبح يدخن علبة كاملة، بسبب فرض حظر التجول.
وأوضح «الجبري»، أن السبب في مضاعفة تدخين السجائر هو زيادة وقت الفراغ، خاصة بعد تقليل ساعات العمل، بجانب إغلاق المقاهي وكافة المحال والمتنزهات وأماكن التسوق، التي كانت تُضيع الوقت بعيدا عن التدخين بشكل مستمر.
وأرجع زيادة تدخين السجائر أيضا إلى كثرة الخلافات الأسرية، التي تنتج عن «قعدة البيت الطويلة»، معقبًا: «المدخنون عادة ما يهربون من كثرة المشاكل بتدخين السجائر».
وقال طارق الأحمدي، 53 عاما، موظف في إحدى المصالح الحكومية، إنه لم يستطع الاستغناء عن التدخين طوال عقود، رغم محاولته سابقًا أكثر من مرة، وتضرر جهازه التنفسي بشكل كبير بسبب التدخين المتكرر.
وكشف عن أن «كورونا» جعله يعزم على الإقلاع عن التدخين تمامًا، خاصة بعد أن أطلع على العديد من الدراسات والتقارير التي أثبتت له بأن المدخنين هم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، بجانب تأكيد منظمة الصحة العالمية بأن فرصة الإصابة بالعدوى للشخص المدخن أكبر من أي شخص آخر، ولذلك، امتنع عن التدخين منذ شهر كامل، حرصا على سلامته وسلامة أسرته.
وأضاف: «بطلت تدخين وسعيد إني تمكنت من تحقيق هدفي، خاصة إن رئتي تأثرت سلبيًا بالتدخين، وكانت ستتأثر أكثر إذ تعرضت للإصابة، لأن مناعتي ضعيفة».
بائعون: البعض يخزن السجائر مثل السلع الغذائية خوفًا من نفادها
قال عاطف الحواشي، 50 عاما، صاحب أحد الأكشاك في منطقة وسط القاهرة، إن حظر التجوال ترتب عليه خسائر فادحة لجميع التجار وأصحاب المحال التجارية، واصفًا انتشار فيروس «كورونا» بأنه «كابوس» يهدد حياة الجميع.
وكشف عن أن حجم الطلب على المنتجات كافة تراجع، وليس السجائر فقط، وذك بسبب توقف حركة المواطنين ليلا، وهو الوقت الذي كانت تنتعش فيه حركة البيع والشراء، مضيفًا: «التدخين بشكل عام يضر بالصحة ويؤدي إلى الموت، وجميع المدخنين يعلمون ذلك، لكنهم لن يعدلوا عن هذه العادة حتى لو زادت مخاطر الإصابة بفيروس كورونا».
لكن علاء السيد، 24 عامًا، صاحب أحد الأكشاك في رمسيس، رأى أن «كورونا» لم يؤثر على حركة بيع وشراء السجائر، فالإقبال عليها مستمر، رغم التحذير المستمر بأن المدخنين أكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
وأرجع سبب استقرار حركة بيع وشراءه للسجائر، إلى وجوده في منطقة حيوية ينشط فيها المواطنون خلال الفترات المسموح خلالها بالتجوال، مضيفًا: «المدخن لا بد أن يأخذ قرار التوقف عن التدخين بنفسه، وليس خوفا من كورونا أو غيرها، خاصة أنه لا يوجد أكثر من كون التدخين يسبب الوفاة».
وأعتبر رجب محمد، 60 عاما، صاحب أحد الأكشاك في منطقة إمبابة بالجيزة، أن التحذير من تدخين السجائر يأتي بنتائج عكسية، ما أدى إلى زيادة إقبال المواطنين على الشراء بكميات أكبر، خوفًا من سحبها ونفادها من الأسواق، مضيفًا: «المدخن الذي كان يشتري علبة واحدة في اليوم أصبح يشتري أكثر».
وواصل: «المدخنون يقبلون على شراء السجائر بشكلٍ شره، ويخزنونها في المنازل مثل السلع الأساسية الأخرى التي يتم تخزينها، والكثير منهم لا يعنيه ولا يلتفت إلى ما إذا كانت السيجارة سببا في نقل الفيروس إليه أم لا، ولا يهتم إلا بإشباع رغبته».