رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كمال الهلباوى فى أخطر شهادة: أردوغان وأستاذه نجم الدين أربكان موّلا جرائم إرهابية

كمال الهلباوى
كمال الهلباوى

نشرت مجلة «Quillette»، السويدية، مقتطفات من كتاب «الدائرة المغلقة: الانضمام والانشقاق عن جماعة الإخوان»، للكاتب والأكاديمى الإيطالى لورينزو فيدينو، مدير برنامج التطرف فى جامعة جورج واشنطن والخبير فى الإسلام السياسى، والذى صدر مؤخرًا لدار نشر مطبعة جامعة كولومبيا الأمريكية، ويتناول قصص عشرات من الشخصيات التى انشقت عن جماعة الإخوان بعد فترات من الانخراط العميق مع الجماعة فى أوروبا وأمريكا الشمالية.
وتضمنت الحلقة الأولى من الكتاب شهادة لامرأة سويدية دخلت الجماعة وانشقت عنها، وتدعى بيرنيلا أويس، وفى الحلقة الثانية شهادة لأحد أقطاب الجماعة السابقين وهو كمال الهلباوى، الذى انشق عن التنظيم فى ٣١ مارس ٢٠١٢، على خلفية ترشيحه القيادى خيرت الشاطر فى الانتخابات الرئاسية.

اختبارات ولاء وسمع وطاعة للأعضاء تتضمن حمل حقائب مليئة بالحجارة والحديد

قسّم «الهلباوى»، خلال حديثه مع «فيدينو»، رحلته مع الإخوان إلى ٤ محطات رئيسية، بدأت بانضمامه إلى الجماعة فى الخمسينيات، ثم انتقاله للعمل الدولى التابع لها، بما فى ذلك رئاسته الجمعية العالمية للشباب الإسلامى «WAMY»، وعمله مبعوثًا للجماعة فى أفغانستان، ثم أدائه دورًا رئيسيًا فى تأسيس تنظيمات إخوانية فى أوروبا وأمريكا الشمالية مثل منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية «IRW»، والجمعية الإسلامية لبريطانيا «MAB»، والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية «ISNA»، انتهاءً بانشقاقه عن الجماعة وأسباب وتداعيات ذلك.
وحكى «الهلباوى» أنه ولد عام ١٩٣٩ فى قرية صغيرة فى محافظة المنوفية، وأنه كان ذكيًا وموهوبًا منذ دراسته الابتدائية، وحينها قرر والداه أن يُلحقاه بمدرسة تؤهله للوصول إلى الجامعة فى سن أصغر، وكانت جماعة الإخوان هى التى تدير هذه المدرسة، على الرغم من أن والديه لا ينتميان للجماعة.
وكشف «الهلباوى» عن أن المدرسة التابعة للإخوان كانت توفر المواد التعليمية إلى جانب المواد الدينية، وقد أتم الدراسة وهو فى سن ١٢ عامًا، ثم التحق بالمدرسة الثانوية فى شبين الكوم عام ١٩٥١، وهى نفس المدرسة التى درس فيها الرئيس المصرى السابق محمد حسنى مبارك.
وقال «الهلباوى» ساخرًا: «منذ التحقت بالمدرسة التابعة للجماعة اعتبرنى التنظيم عضوًا فيه دون أن أدرى أنا»، مضيفًا: «كانوا يضعون الأطفال تحت الملاحظة، خاصة أولئك الذين لم يولدوا لعائلات من عناصر الإخوان، وهؤلاء الذين هم فى المراحل الأولية للانضمام كان يتم اختبارهم بشكل مستمر، على عدة مستويات، مثل الصدق والشجاعة والفهم والسلوك».
وروى أن من بين تلك الاختبارات أن يُجبر العضو على تنفيذ أعمال لا فائدة منها، فقط لمجرد قياس مدى طاعته ودرجة الوثوق فيه، ضاربًا المثل: «يخبرونك أنه لدينا اجتماع مهم جدًا فى محطة السكك الحديدية فى الساعة الواحدة ظهرًا، ثم يظهر المشرف الإخوانى ويقول لنا: أنا سعيد برؤيتكم، عودوا إلى المنزل»، متابعًا: «كنا نتساءل: لماذا فعل ذلك؟ لماذا أحضرنا؟، ولكن عندما كبرت فهمت أنه كان اختبارًا».
وذكر أن «سياسة الاختبار هذه تمتد إلى الأفراد الذين انضموا رسميًا للجماعة فى شبابهم، ويخضع لها أيضًا أعضاء الجهاز السرى المخصص للعمليات العسكرية، وكانوا يخضعون أيضًا لفحص واختبارات أكثر صرامة»، ضاربًا مثالًا بأنه «قد يُطلب منك حمل حقيبة ثقيلة من مكان إلى آخر، ربما دون استخدام أى وسيلة نقل فى الطريق، مع تعليمات بعدم فتحها، وقد تحتوى ببساطة على حجارة أو قضبان حديدية لا قيمة لها، ولكن المهمة هى لمجرد اختبار الإخوانى الجديد».
ورأى أن الانضباط الداخلى واحد من خصائص الإخوان الرئيسية، وربما تتضح هذه الظاهرة بشكل كبير خلال الاحتجاجات ضد الملكية التى وقعت فى جميع أنحاء مصر فى أوائل الخمسينيات، موضحًا: «لاحظت اختلافات كبيرة بين مظاهرات يقودها الإخوان وتلك التى يقودها سياسيون آخرون، فى الواقع كانت منظمة تنظيمًا جيدًا، فكبار أعضاء الجماعة يسيرون فى الأمام، وهناك عملية تطويق تتم حول المظاهرات بحيث لا أحد يستطيع الدخول أو الخروج ما لم يكن هناك ضرورة، على النقيض من ذلك إذا نظمت قوى أخرى المظاهرات، فتجدها تفتقر إلى النظام والانضبابط الداخلى».
وذكر أن الجماعة، بمناسبة الحديث عن المظاهرات، كانت مترددة فى المشاركة فى الحراك الشعبى الذى حدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١، حيث سعت لتجنب إثارة ردود الأفعال العنيفة، مضيفًا: «لكن مع مرور الأيام، شعرت بأن فكرة الإطاحة بالنظام ربما تتحقق، فقرر الإخوان النزول إلى الشوارع، وبفضل المهارات التنظيمية أصبحوا قادة المظاهرات، وكانوا يحاولون إخفاء خلفياتهم الإخوانية».


نشرت تعاليم الجماعة فى نيجيريا.. وتوليت منصب مرشد القوات الأفغانية
روى «الهلباوى» أن معلميه الأوائل داخل الجماعة كانوا يلقنونهم التعاليم التى بإمكانها أن تجعل أى شخص تابعًا لهم، كما كانوا يستطيعون إيهام الأعضاء بأنهم يتلقون التعاليم الإسلامية الصحيحة، قائلًا: «فى البداية كانوا يلقنوننا بعض القيم، مثل كن مهذبًا واحترم آباءك وأولياء أمورك ومعلميك وكبار السن، واحفظ دروسك بشكل صحيح، وحاول أن تصبح الأول فى فصلك، وتنافس مع الناس بشكل جميل، ونظف نفسك واحفظ كتبك نظيفة، وساعد الآخرين فى الشارع إذا احتاجوا، إذا رأيت رجلًا أعمى أو امرأة، ساعدهما فى عبور الطريق».
وأضاف: «كانوا يشجعونك على القيام بأعمال خيرية، وهذا هو السبب الذى جعلنى أنضم، وأصبحت عضوًا تحت الملاحظة، وبعد ذلك أصبحت عضوًا كاملًا، يدفع الرسوم، وواصلت دراستى وحصلت على شهادة فى الأدب عام ١٩٦٠، وفى إدارة الأعمال والترجمة الفورية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة ١٩٧١، وكنت قد بدأت منذ بداية الستينيات فى العمل بوحدة التدريب التابعة للجماعة، وهى المخصصة لتدريب الأعضاء الجدد ونشر عقيدة التنظيم».
وواصل: «فى ذلك الوقت بدأت مشكلاتى مع السلطات المصرية، وكانت فترة الستينيات واحدة من أحلك الأوقات للجماعة، ووجدت نفسى تحت وطأة ثقيلة من المراقبة والتحقيق بشكل روتينى، على الرغم من أننى على عكس العديد من عناصر الإخوان، ولحسن الحظ، لم أقضِ وقتًا فى السجن، وعندما توفى جمال عبدالناصر فى عام ١٩٧٠، قررت مغادرة مصر».
وتابع: «كانت هناك عقود سفر كثيرة حول العالم لنشر نهج الإخوان، وسافرت لأول مرة إلى نيجيريا، وأدى نجاح تجربتى فى نشر تعاليم الإخوان هناك إلى اهتمام قادة الإخوان بى، الذين قد هربوا خارج مصر وكونوا ثروات، كان من بينهم توفيق الشاوى، الذى يوصف بأنه سفير الإخوان فى أوروبا، وكان عضوًا تأسيسيًا فى الجماعة، وتوفى فى ٢٠٠٩، وكان الشاوى من ضمن العناصر التى كانت تقنع الأثرياء بتمويل الجماعة».
وقال إنه أصبح بعد ذلك مسئولًا عن بعض التنظيمات الممولة من الإخوان فى الغرب، وكانت المهمة الرئيسية له نشر أيديولوجية الجماعة عالميًا من خلال إنشاء معسكرات للشباب وتزويدهم بالكتب والأنشطة، مضيفًا: «من هنا نظمت مؤتمرات فى جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية، وجمعت أول رواد جماعة الإخوان فى الغرب».
وكشف عن أنه خلال السبعينيات تعرف على مناهج «الإخوانية التركية»، وهو مصطلح بدأ مع نجم الدين أربكان، مؤسس حزب الرفاه، الذى يوصف بأنه عراب الإسلام السياسى التركى، حيث أسس مختلف الأحزاب الإسلامية التركية التى فيما بعد تم إغلاقها بشكل روتينى من قبل السلطات التركية، وفى يونيو ١٩٩٧ عزله الجيش التركى من منصب رئيس الوزراء.
وحكى أنه «كان حزب العدالة والتنمية، الحاكم فى تركيا حاليًا، قد تأسس فى عام ٢٠٠١ من بعض أعضاء الأحزاب السياسية المختلفة التى أسسها أربكان، وكان من بينهم الرئيس الحالى رجب طيب أردوغان، والعديد من قادة الحزب الحاليين من تلاميذ أربكان، الذى أنشأ أيضًا مؤسسة (مللى جوروش)، أبرز منظمة تركية فى أوروبا، ولديها مئات الآلاف من الأعضاء فى جميع أنحاء القارة»، مضيفًا: «كانت على نفس منوال الإخوان وتنظيماتها فى الشرق الأوسط والغرب، وتتبع نفس الانتماءات الأيديولوجية الأساسية».
وقال: «أربكان هو أول من أثار فكرة التدخل العسكرى فى قبرص واليونان، وكان دائمًا ما يتحدث أمام قادة الإخوان عن أنه لا توجد امرأة واحدة فى قبرص ترتدى الحجاب، ومن هنا تم إرسالى إلى قبرص لإنشاء (مركز الدعوة) وأقمت مؤتمرًا كبيرًا فى شمال البلاد».
وأضاف «الهلباوى» أنه سافر إلى تركيا مع محمد مهدى عاكف، الذى أصبح بعد ذلك مرشدًا للجماعة فى مصر، وكان هناك تواصل مع «أربكان»، وتفاعل مع بعض تلاميذه الأكثر التزامًا وإيمانًا بأفكاره، وأبرزهم «أردوغان».
وواصل: «تعرفت شخصيًا على رءوف دنكطاش، الرئيس المؤسس لجمهورية شمال قبرص التركية، وكانت هناك أمثلة لا حصر لها من أحداث العنف التى وقعت فى البلاد، وكانت ممولة بشكل رئيسى سواء من الإخوان أو من أربكان وأردوغان لتشجيع عملية الانفصال عن قبرص».
وتابع: «فى عام ١٩٨٨، أوفدتنى الجماعة إلى باكستان وأفغانستان لأكون مرشدًا للقوات الأفغانية فى قتال السوفييت، وهناك قابلت عبدالله عزام، الذى لقب بـإمام الجهاد، وكان هو السبب فى تعبئة الآلاف من المسلمين فى جميع أنحاء العالم للسفر إلى أفغانستان، وصاغ على نطاق أوسع مفهوم التطوع والفكر الجهادى حول العالم».
وقال «الهلباوى» إنه لم يكن أول مبعوث من الجماعة لأفغانستان، لكن سبقه محمد كمال الدين السنانيرى، أحد قادة الإخوان المصريين البارزين، الذى تزوج «أمينة»، شقيقة سيد قطب منظّر الجماعة ومؤسس الأيديولوجية العنيفة، وكان لـ«السنانيرى» دور كبير فى التواصل مع من تمت تسميتهم «المجاهدين الأفغان»، وأشاد به أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابى، فى كتابه «الفرسان تحت راية النبى»، مضيفًا: «بعد فترة تم اعتقال السنانيرى فى مصر فى الحملة الأمنية التى تلت اغتيال الرئيس المصرى أنور السادات، ويقال إنه مات فى السجن».