رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدائرة المغلقة 1

سويدية منشقة عن «الإخوان» تفضح «الإرهابية»: لا تؤمن بالمساواة

الإخوان
الإخوان

نشرت مجلة «Quillette» السويدية، فى تقرير لها، مقتطفات من كتاب «الدائرة المغلقة: الانضمام والانشقاق عن جماعة الإخوان»، للكاتب والأكاديمى الإيطالى لورينزو فيدينو، مدير برنامج التطرف فى جامعة جورج واشنطن والخبير فى الإسلام السياسى، والذى صدر مؤخرًا لدار نشر مطبعة جامعة كولومبيا الأمريكية، ويتناول قصص عشرات من الشخصيات التى انشقت عن جماعة الإخوان بعد فترات من الانخراط العميق مع الجماعة فى أوروبا وأمريكا الشمالية.

ويقع كتاب «فيدينو» فى ٢٩٦ صفحة، ويسلط الضوء على أسباب الانضمام إلى جماعة الإخوان ثم لحظة اكتشاف الخدعة والانشقاق عنها، وينقل الكاتب تجارب المنشقين عن الجماعة، مبينًا أن تعليقاتهم توفر ثروة من المعلومات الجديدة حول طريقة العمل السرى لجماعة الإخوان والشبكات والتنظيمات التى ترتبط وتتأثر بها.
ويبحث الكتاب فى التكتيكات التى يستخدمها الإخوان لتجنيد الأعضاء والحفاظ على ولائهم، وكذلك كيف ولماذا يتخذ الأفراد القرار الصعب بالمغادرة والانشقاق عن الجماعة رغم ما فيه من مخاطر، وذلك من خلال قصص الأعضاء السابقين المتنوعة.
ومن بين تلك الشخصيات التى يتناولها المؤلف الإيطالى فى كتابه امرأة سويدية دخلت الجماعة وانشقت عنها، وتدعى بيرنيلا أويس، ولدت عام ١٩٦٥، ونشأت فى عائلة سويدية كبيرة بها أربعة أشقاء، حيث سلط «فيدينو» الضوء على قصة حياتها، فى محاولة منه لكشف غموض التنظيم العابر للحدود.
وقال «فيدينو»، فى الفصل الذى تناول قصة السويدية: «عندما كانت فى السادسة من عمرها توفيت والدتها وأصبحت أختها الكبرى أمًا لها، كانت تلك الأخت، التى أدخلت «بيرنيلا» إلى الإسلام بعد سنوات، تعمل باحثة روحانية، حيث ذهبت لدراسة البوذية فى الصين، لكن بعد لقائها طلابًا مسلمين هناك أصبحت مفتونة بالإسلام الذى وجدته أكثر طبيعية ومساواة».
ووفقًا لمقتطفات الكتاب، فى العام ١٩٨٤ عادت إلى السويد وهى ترتدى الحجاب، وسرعان ما تزوجت من إخوانى مصرى يعيش فى ستوكهولم، وتقول «بيرنيلا»: «كنت مراهقة وأتذكر أننى وعائلتى اعتقدت أن الأمر برمته كان غبيًا جدًا، لقد شعرنا بالرعب أيضًا عندما أحرقت هى وزوجها كتبها عن البوذية».
وفى نوفمبر ١٩٨٥، أنجبت أختها طفلها الأول، وذهبت «بيرنيلا»، التى عاشت فى مدينة لوند الجامعية، لزيارتها فى ستوكهولم، وقالت: «فى غضون أسابيع قليلة، تحولت من التفكير فى أن التحول للدين الإسلامى أمر مستحيل إلى زواجى من إخوانى جزائرى، كان يسعى للحصول على تصريح دائم للبقاء فى السويد وتجنب العودة إلى الجزائر حتى لا يتم تجنيده فى الجيش، وعادة ما يتهرب الإخوان من الدخول فى الخدمة العسكرية بجيوش بلادهم».
تقول «بيرنيلا»: «فى ٢٨ ديسمبر ١٩٨٥ تزوجت منه، وبعد بضعة أشهر أصبحت حاملًا واتخذت اسم سمية بدلًا من بيرنيلا».
ولكن خلال فترة وجودهما فى مدينة لوند بالسويد تطورت آراء زوجها، وكانت لديه بالفعل وجهات نظر محافظة للغاية عندما التقت به لأول مرة، لكن مع بداية الحرب الأهلية فى مسقط رأسه الجزائر أصبحت مواقفه أكثر صلابة وميلًا إلى الجهاديين، وانخرط فى عملية التطرف، حتى إنه ارتحل إلى الأماكن الأكثر تشددًا فى المشهد الإسلامى فى التسعينيات: أفغانستان وباكستان.
تقول «بيرنيلا» إنه فى تلك الفترة حتى الصحافة السويدية اخترقها عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، فكانت تلك المرحلة تشهد معركة فكرية بين رواد الإخوان الذين تأتى لهم تمويلات خارجية، وكانت تعمل صحفية فى المجلة الإسلامية «السلام» التى كانت رئيسة تحريرها هيلينا همستين، من ١٩٩٦ وحتى ٢٠٠٠، التى تم انتقادها مؤخرًا بسبب علاقتها بالإرهابى المدان منير عوض وصلاتها الوثيقة بجماعة الإخوان.
وأضافت «بيرنيلا» أن الإخوان كانوا يسعون لأن تكون هناك ترجمات لسيد قطب، الأب الروحى لجماعة الإخوان فى مصر ومصدر الإيديولوجية العنيفة للجماعة، وأنها لم تكن تدرى أن المجلة كان يديرها الإخوان إلا بعد أن قال لها زوجها بنفسه، فبدأت تصوراتها تتغير فى العام ١٩٩٦، حيث شرعت فى الدكتوراه فى علم البيئة البشرية، وتدهورت علاقتها بزوجها بشكل متزايد، مما دفعها إلى قضاء المزيد من الوقت خارج المنزل.
وفى ذلك الوقت تقريبًا، بدأت «بيرنيلا» التقرب إلى زوجين كان لهما تأثير كبير فى حياتها، هما «آن صوفى روالد» وزوجها عدلى أبوحجر، و«آن» نرويجية ذات شخصية كاريزمية اعتنقت الإسلام، وأكاديمية بارعة، وسرعان ما أصبحت من أقرب أصدقاء «بيرنيلا»، حيث سافرتا حول العالم لحضور المؤتمرات والكتابة حول مختلف جوانب الإسلام.
و«أبوحجر» نشأ فى الأردن وكان ناشطًا إسلاميًا بارزًا منذ وصوله إلى أوروبا فى أوائل الثمانينيات، وحسب روايته الخاصة، فإن أول اتصال له بالإخوان لم يتم فى الأردن أو فى الجزائر، حيث تابع دراسته الجامعية هناك، ولكن فى فرنسا، بمجرد وصوله إلى مدينة ليل لمواصلة تعليمه فى التخطيط الحضرى، حيث كانت المدينة الجامعية الفرنسية مركزًا للإخوان منذ أوائل الثمانينيات، وانجذب على الفور للجماعة، واقترب من فيصل مولوى، زعيم الفرع اللبنانى للإخوان، الذى أمضى عدة سنوات فى فرنسا ولعب دورًا حاسمًا فى تأسيس مؤسستين للإخوان، هما«UOIF» و«IESH»، وأصبح «أبوحجر» أيضًا لاعبًا رئيسيًا فى تنظيم الإخوان، أولًا فى شمال فرنسا ثم عبر الحدود لبلجيكا، حيث طلب منه الإخوان الإقامة هناك.
لكن على الرغم من هذه الروابط الوثيقة، يزعم «أبوحجر» أنه لم ينضم رسميًا إلى جماعة الإخوان، قائلًا: «أخبرتهم دائمًا أننا نفكر على حد سواء، أننا نعمل جميعًا من أجل الإسلام، لكن ولائى لله وحده، وليس لأى منظمة، أنا أعمل من أجل الإسلام، وليس من أجل الجماعة كما يؤمن الإخوان غالبًا».
وكانت أهم نشاطات «أبوحجر» خلال تلك الأيام تتعلق بدوره فى الاتحاد الإسلامى الدولى للمنظمات الطلابية «IIFSO»، وهى منظمة أقل شهرة من مؤسستى «UOIF» و«IESH» اللتين تنتميان إلى الإخوان، وقد كانت منظمة «IIFSO»، التى تأسست فى عام ١٩٦٩، بنفس القدر من الأهمية فى الجمع بين قادة ونشطاء الإخوان من جميع أنحاء العالم، وتأسست بعد اجتماع استمر يومين فى مسجد بلال فى مدينة آخن الجامعية الألمانية، وليس من قبيل المصادفة أن مسجد بلال كان مقر عصام العطار، وهو زعيم بارز فى جماعة الإخوان المسلمين فى المنفى، إلى جانب سعيد رمضان، صهر مؤسس الجماعة حسن البنا، ويوسف ندا، أحد قادة الإخوان فى الغرب.
وفى منتصف الثمانينيات، عمل «أبوحجر» كممثل «IIFSO» فى أوروبا، وهو منصب مكّنه من السفر إلى جميع أنحاء القارة وحول العالم، وبينما كان يعمل جنبًا إلى جنب مع قادة ومنظمات الإخوان فى العديد من الأنشطة، بدأ أيضًا مبادراته الخاصة، والتى اختلفت فى بعض الأحيان عن أهداف الإخوان، وقد دفعه هذا الاستقلال إلى الاصطدام ببعض عناصر الجماعة، خاصة فى الأردن، حيث قدّم بعض الإخوان شكوى رسمية ضده إلى المكتب الدولى للتنظيم.. وتتلخص المواجهة بين «أبوحجر» والإخوان حول التوترات التى غالبًا ما تكون موجودة داخل الجماعة بين قيادة تريد ممارسة السيطرة الكاملة تقريبًا، وأعضاء- سواء كانوا أعضاء فعليين أو مسافرين مثل أبوحجر- يبحثون عن مساحة للتنفس.
وقال «أبوحجر» إنه رد على أوامرهم بأن تكون «الأولوية للجماعة» قائلًا: «لا، حيث يمكن للجماعة أن تخطئ، أما الإسلام فأمر آخر»، لكن كان رد الجماعة أنها هى والإسلام شىء واحد، فرد أبوحجر: «لا، الإسلام من الله، والجماعة من البشر، يمكن أن يكونوا على خطأ».
ووجد «أبوحجر» هذا الضغط خانقًا، فانسحب من الجماعة بحلول العام ١٩٩٣، وواصل أنشطته العديدة التى تهدف إلى تعليم الإسلام لكل من المسلمين وغير المسلمين، لكنه حافظ على علاقات جيدة مع العديد من قادة الإخوان.
كان «أبوحجر» يرى السرية المفرطة للإخوان مقلقة للغاية، ويجادل البعض بأن السرية مفهومة فى الشرق الأوسط، وكان لها ما يبررها، لكن فى الغرب الذى يسمح بوجود تنظيمات مثلها فإن هذه السرية لا معنى لها، وهى سبب ترك العديد من الإخوان الجماعة وسبب عدم ثقة العديد من الغربيين بها.
كان لمنطق «أبوحجر»، تأثير على «بيرنيلا»، التى كانت علاقتها مع زوجها تتدهور بشكل متزايد، وحدث أن تناولت العشاء بمفردها مع أحد الباحثين المسلمين، وشوهدت فى المطعم من قبل أصدقاء زوجها، وفى تلك الليلة نفسها، فى أكتوبر ٢٠٠١، واجهها الزوج وطلقها، وفى يناير ٢٠٠٢ حصلت على الطلاق رسميًا بالسويد، بالتزامن مع حصولها على درجة الدكتوراه فى عمر الـ٣٧.
تقول «بيرنيلا»: «لقد خدعنى الإخوان، فقد كنا أداة.. كنت أسافر لأبيع مفاهيمهم فى الدول الغربية ونزيد من تغلغلهم فى المجتمعات الأوروبية، وكانت العنصرية من أهم الأسباب التى جعلتنى أنشق عن الجماعة، فهم لا يؤمنون بالمساواة كما يزعمون». وتعجبت من كيفية استخدام الإخوان النساء، خاصة «إخوان مصر»، حيث لعبت النساء دورًا مهمًا ولطالما كان الأخوات جزءًا لا يتجزأ من التنظيم، ويدعمن رجالهن فى جميع أنشطتهم، ويقمن بعدد كبير من الأنشطة، مستشهدة بدور الإخوانية زينب الغزالى فى إعادة تأسيس الجماعة بمصر.