رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَن سيشارك فى منصة التشارك؟!


حالم سارح فى الملكوت أقنع منظمة الصحة العالمية بأن تطلق «منصة للتشارُك»، أو منصة علمية دولية، لمشاركة البيانات والأبحاث المتعلقة بفيروس «كورونا المستجد». وطبقًا للبيان الذى أصدرته المنظمة، فإن هذه المنصة ستتيح للعلماء والباحثين، فى مختلف دول العالم، الوصول إلى ما تم إنجازه من الاكتشافات الطبية والتكنولوجية فى إطار مكافحة الوباء.
الهدف من هذه المنصة، كما ذكر البيان، هو إقامة «قاعدة بيانات للتكنولوجيا الطبية على صعيد اللقاحات والأدوية والتشخيصات وأى أداة أخرى» لمكافحة الوباء. ومع رئيسى كوستاريكا وتشيلى، دعا تيدروس أدهانوم حبرييسوس، مدير عام المنظمة، الدول والأطراف الناشطة فى مجال الأبحاث، إلى المساهمة بشكل «طوعى»، فى إنشاء هذه المنصة العلمية التشاركية. وقال خلال مؤتمر صحفى عبر الإنترنت: «فى هذه الظروف الاستثنائية علينا أن نطلق العنان لقوة العلوم المطلقة لتوفير ابتكارات قابلة للاستخدام وتفيد الجميع، بالتزامن، أينما كانوا».
خلال أيام، ينعقد الاجتماع السنوى للمنظمة، ومن المتوقع أن يتبنى وزراء صحة الدول الأعضاء «قضية اللقاح للجميع»، استجابة للدعوة التى أطلقها حوالى ١٤٠ شخصية، من بينهم رؤساء دول وحكومات، بأن تكون لقاحات وعلاجات فيروس «كورونا المستجد» «مجانية للجميع». وسبق أن أعربت مع منظمات أخرى كثيرة، ولا تزال تعرب، عن قلقها من انعدام المساواة المحتمل فى الحصول على اللقاحات والعلاجات، حال ظهورها. ولو شاء الله، وتم إطلاق هذه المنصة التشاركية، سيكون متاحًا للباحثين التشارك، مجانًا، فى معلومات وبيانات وحقوق ملكية فكرية للبيانات الموجودة بالأساس أو الجديدة، التى سيتبرع أو سيتشارك بها أصحابها.
الكلام، كما ترى جميل ومعقول. لكن العالم، الذى حولته ثورة الاتصالات إلى قرية صغيرة، كما انتهينا فى مقال أمس، تحوّل، بعد تفشى وباء «كورونا المستجد» إلى غابة كبيرة، تحاول فيها الولايات المتحدة أن تأكل كل دول العالم، لكى تكون وحدها على القمة، دون شريك أو منافس. وتقاتل بشراسة لكى يظل حلفاؤها، قبل أعدائها، فى أماكنهم، وألا يطمحوا إلى مكان أفضل، أو يطعموا فى دور أكبر.
التوزيع المنصف والعادل والشامل للقاح المضاد لفيروس «كورونا المستجد»، حال ظهوره، لن يحدث إلّا فى الخيال أو على الورق، فقط على الورق. لأن شركات الأدوية، كما كل الشركات، تسعى إلى تحقيق أرباح. وتكون ساذجًا لو صدقت أن مجموعة «سانوفى» الفرنسية للصناعات الدوائية، أو غيرها من شركات الأدوية الكبرى، لن تمنح أولوية الحصول على اللقاح، لو توصلت إليه، للولايات المتحدة، حتى بعد أن تراجعت المجموعة خطوة أو خطوتين إلى الوراء، وزعم رئيس مجلس إدارتها، أن تصريحات الرئيس التنفيذى «تم تحريفها».
الشركة الفرنسية، واحدة من كبريات الشركات العالمية المتخصصة فى تصنيع اللقاحات، وبدأت العمل على تطوير اللقاح منتصف فبراير الماضى. ووقتها، قامت بالتوقيع على اتفاق تمويل جزئى مع صندوق الأبحاث والتطوير الطبى الحيوى «بادرا» التابع لوزارة الصحة الأمريكية. وطبقًا لما ذكره بول هادسن، رئيسها التنفيذى، فى حوار مع وكالة «بلومبرج»، فإن المساهمات المالية التى قدمتها الولايات المتحدة تمنحها «حق الحصول على الطلبيات المسبقة» وتتيح لها أيضًا الاستفادة من اللقاح قبل أيام أو أسابيع من باقى دول العالم.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن حوالى ١٠٠ لقاح مضاد للفيروس، تخضع للتقييم، وهناك تجارب سريرية لـ٨ لقاحات، بالإضافة إلى لقاح واحد بدأت المرحلة الثانية من التجارب السريرية له. وكانت المنظمة قد أطلقت مبادرة عالمية لتطوير لقاحات واختبارات وأدوية آمنة وفعالة، لمنع الإصابة بالمرض، وتسهيل تشخيصه وعلاجه. والأحد الماضى، ذكرت المفوضية الأوروبية، أيضًا أن سبع دول أوروبية أطلقت مشروعًا موحدًا يشارك فيه «أفضل العقول من الباحثين فى المجالات التقنية والطبية وعلوم الأحياء المرتبطة بالطب». وأشارت المفوضية إلى أن هذا المشروع يضم عددًا من شركات الأدوية العملاقة.
شركات أدوية كبرى، عامة وخاصة، من الدول الأوروبية السبع، يعمل خبراؤها وعلماؤها، بالفعل، فى تحالف علمى دولى، منذ ١٠ أبريل الماضى، وهناك مفاوضات جارية مع شركات أخرى للانضمام إلى التحالف، الذى يتيح لأعضائه الوصول إلى قاعدة بيانات هائلة. وإياك أن تفرح أو تتفاءل بهذا التعاون، أو تعتقد أنهم «جربوها ونفعت»، لأن هذه الشركات، العامة والخاصة، اشترطت التوقيع على وثيقة تنص على عدم الكشف عن أى محتوى خاص بأبحاثها.
حالم سارح فى الملكوت، إذن، هو من يعتقد أن أحدًا سيشارك بمعلومات ذات قيمة، أو لها ثمن، فى منصة التشارُك، المجانية، التى ستطلقها منظمة الصحة العالمية أو تحلم بإطلاقها. وحالم، أيضًا، لكنه سارح وشارخ هو ذلك الذى ينتظر أن يتم التوزيع المنصف والعادل والشامل للقاح، حال ظهوره، فى الواقع أو على الأرض، كما يُقال، الآن، فى التصريحات الدعائية أو الخيالية.