رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليست القبلات.. ولكنها الدراما التى تنقل الواقع


تكمن القيمة الفنية التي تنقلها الدراما التليفزيونية في قدرتها على نقل الصورة والتعبير عما يحدث في المشهد، حتى وإن كان يخلو من الجمل الحوارية أو التعليق الصوتي، يكفي أن تنقل الصورة وملامح وتعبيرات الممثل ولغة جسده ما ينقل ويعبر عن الحدث، مثلما يتعارض مع قيام الممثل بأداء مشهد حركة دون تبادل اللكمات أو تبادل لإطلاق الرصاص، كذلك لا يستطيع الممثل أن يرسم ابتسامة على وجهه عوضًا عن ملامح الجدية والألم.

جميع ما سبق لا ينطبق على حالة مسلسل "النهاية" وبطله يوسف الشريف، الذي يشترط في عقد الاتفاق على الأعمال الدرامية أن تكون خالية من التلامس بالأيدى والأكتاف، فما بالك إذا كان المشهد يحتاج لعناق يدل على السعادة أو الشوق وما إلى ذلك من أسباب تدفع الشخص للاقتراب من الآخر جسديًا!

كيف لشخصية صباح/سهر الصايغ أن تكرس سنوات من حياتها في صناعة آلي يصير صورة طبق الأصل من حبيبها المهندس زين/ يوسف الشريف، وتتلاعب بصاحب ورشة التصنيع، وتعرض حياتها للخطر، وتقضى أيام وليالى في صنع جسد معدني يحمل ملامح الشخص الذي هامت به عشقًا، وعندما تفرغ من عملها غير القانوني ويقف أمامها حبيبها يكون رد فعلها مجرد التصفيق والتهليل أشبه بفرحة طفلة بعروس جديدة من والديها!!، بالطبع لم يصدق المتلقي مدى تعلق صباح بحبيبها ولا مدى سعادتها عن طريق التصفيق والصراخ الطفولي.

ربما في عمل آخر ليس من بطولة يوسف الشريف لكان الأوقع والأقرب للحقيقة أن تندفع صباح إلى أحضان حبيبها الآلي والذي لم تعرفه ولم يشهد من قبل هذا العناق لرفض المهندس البشري الارتباط بها، بل وفضل أخرى عليها واقترن معها بطفله الوحيد.

المسألة ليست في اللمس أو العناق، وإنما في محاولة توصيل المصداقية للمشاهدين. إن الفتاة الطبيعية إذا رسمت لوحة زيتية لحبيبها تظل تتأملها بعيون ممتلئة بالسعادة والحب ثم تضم اللوحة إلى قلبها، فما بالك بما يفترض أن تفعله صباح التي استطاعت أن تصنع بديلًا ملموسًا للرجل الذي تحلم بقربه منذ سنوات.

ليس هذا المشهد فحسب، ولكن في مشاهد الأكشن التي لا تحمل من العاطفة شيئاً صدرت للشاشة اكثر المشاهد هزلا، وكأن مقصًا لرقيب مر على لقطة انتشالها للآلي ووضعه في السيارة بعد إصابته بطلقة من شأنها إفساد نظام تشغيله وانهيار بنيته، سقط الآلى فقبضت صباح على مؤخرة ياقة قميصه وتهم بحمله/ قطع/ لا.. ممنوع اللمس، لتأتي اللقطة التالية والآلي وصباح في سيارة تنطلق بعيداً.

هكذا انتقص المسلسل من الصورة الكاملة لأجواء العمل الدرامي الذي يحترم عقلية المشاهدين، والمفترض أن يتجنب الاستسهال والاستخفاف بالعقول.

هذه ليست دعوة للانفتاح على مشاهد التلامس والعناق أو- والعياذ بالله القبلات- ! ولكن في كل عمل درامي وسينمائي ضرورة طبيعية نقابلها في الواقع وتنقلها لنا شاشات السينما والتليفزيون، وأتمنى ألا أرى أحد المعلقين يعتبر ما كتبت دعوة للفجور، أو أنها إدانة لرغبة الممثل الذي يشترط ألا يقترب من زميلاته، أو أنه- كما اقترح بعض المشاهدين على صفحات التواصل الاجتماعي- يتجنب التلامس لوجود زوجته ضمن طاقم العمل. وكأن المخرج علي بدرخان لم يقم بإخراج أفلام زوجته سعاد حسني وكان رب العمل نفسه!!