رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرسول فى مصر (٢٢)

محمد الباز يكتب: خيانة الرسول.. كيف باع الإخوان النبى فى قضية الفيلم المسىء؟

محمد الباز
محمد الباز

وكأن الله أراد أن يفضح ستر جماعة الإخوان الإرهابية.. ففعل.
وكأنه منح المصريين جميعًا الفرصة ليعرفوا أنها كاذبة، لا صدق فى كلامها ولا خير فى سلوكها.. ولا أمان لقادتها ولا لأعضائها ولا منطق لأتباعها.. فوضعهم وجهًا لوجه أمام محاولة لنصرة النبى فخذلوه.
لعقود طويلة حاولت الجماعة احتكار توكيل الدفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم، ينظمون المظاهرات والمسيرات إذا ما بدرت إساءة ولو عابرة للنبى فى أى مكان على وجه الأرض، يشعلون الحماس فى العقول والقلوب، ويحشدون الحناجر للهتاف، وإبداء الاستعداد للموت فداء للنبى صلى الله عليه وسلم.
كانوا يفعلون ذلك وهم خارج السلطة، للدرجة التى كان يعتقد فيها البعض أن الجماعة وحدها التى تحب النبى صلى الله عليه وسلم من دون المصريين جميعًا، وهو ما جعل الناس يركنون إليهم طويلًا على أنهم أنصار الله فى الأرض، وأعتقد أن المفتاح الذى نجحت الجماعة أن تدخل به أبواب الملايين من الناس أنهم «ناس بتوع ربنا».
وضعهم الله على المحك، لنرى من آيات الله عجبًا.
نحن الآن فى سبتمبر ٢٠١٢، جماعة الإخوان المسلمين تجلس على كرسى السلطة فى مصر من خلال مندوبها فى قصر الاتحادية محمد مرسى.
العالم يتابع أخبار الفيلم الأمريكى المسىء إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
عنوان الفيلم كان خادعًا «براءة المسلمين»، ولم يكن أحد يعرف على وجه اليقين الجهة التى تقف خلفه. أصابع الاتهامات اتجهت إلى «نيقولا باسيلى نيقولا»، و«ألن بروتس»، لكن لم يكن لمعرفة من صنعوا الفيلم تأثير، فقد انشغل العالم الإسلامى بالجرأة على النبى، فقد تعمد الفيلم على أن يظهره صلى الله عليه وسلم كزير نساء، وأن القرآن الذى هو معجزة الرسول العظمى ما هو إلا خليط من آيات من التوراة وضعها راهب مسيحى.
رأيت الفيلم الذى لم تتجاوز مدته الخمس عشرة دقيقة، كان كل شىء مقززًا بالفعل، لا مكان للعقل ولا للمنطق ولا للفن، المشاهد المتتابعة بسذاجة ليست إلا محاولة لاستفزاز العالم الاسلامى كله، بإساءات ليست جديدة فى حق النبى الأعظم، فما قاله الفيلم قاله كثيرون قبل صناعه.
لم يخيب العالم الإسلامى ظن صناع الفيلم، رأينا احتجاجات أمام السفارات الأمريكية فى مصر وتونس واليمن والعراق، ورأينا هجومًا فى ليبيا على القنصلية الأمريكية هناك، أدى إلى مقتل أربعة دبلوماسيين أمريكيين منهم السفير «كريستوفر ستيفنز»، رأينا مطالبات من دعاة مشاهير لمقاطعة المنتجات الأمريكية فى كل الدول الإسلامية، وشاهدنا الفاتيكان وهو يطالب بالكف عن استفزاز المسلمين، وترك البيت الأبيض نفسه وطلب من شركة جوجل حذف الفيلم من «يوتيوب»، وخرجت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون لتقول بوضوح إن الفيلم مقرف بدرجة لا يتحملها أحد، الرئيس الأمريكى باراك أوباما قرر أن يزايد على موقف وتصريح وزيرة خارجيته، فقال إن الفيلم أهان أمريكا كما أهان المسلمين.
راقبت السعودية الموقف عن قرب، ولما عرفت أن شركة جوجل رفضت حذف الفيلم من يوتيوب مدعية أن هذا يخالف سياستها، هددت المملكة بحجب الموقع كاملًا على أرضها، فاكتفت جوجل بحجب الفيديو عن المستخدمين فى السعودية ومصر وليبيا وإندونيسيا، ولم يكن هذا لأن هذه الدول احتجت فقط على الفيلم، ولكن لأن موقع «يوتيوب» محلى فيها، بما يعنى أنه خاضع لقوانين هذه الدولة، وهو ما جعل الشركة لا تحجب الفيلم عن المستخدمين فى باكستان وبنجلاديش، لأن الموقع ليس محليًا فيها.
خرجت الدعوات الشعبية من دول إسلامية عديدة لمقاطعة شركة جوجل نهائيًا والامتناع عن الدخول على «يوتيوب»، وبدأت مواقع إلكترونية تقدم الإسلام إلى العالم من جديد، وتروى سيرة النبى لمن لا يعرفها.
لا تعتقد أننى ابتعدت بك عن جماعة الإخوان المسلمين، السؤال الذى يلح عليك الآن هو: ما الذى فعلته الجماعة التى أصبحت فى السلطة، كيف احتجت، كيف غضبت وكيف عبرت عن هذا الغضب؟
سأوفر عليك عناء التفكير، وسأقول لك كلمة واحدة هى «الارتباك».
ارتبكت الجماعة التى صدعتنا بأنها تسير على طريق النبى، صلى الله عليه وسلم، فى معالجة أزمة الفيلم الأمريكى المسىء له، رغم أنها كان تشعل النار لأقل مما حدث.
ستسألنى عن هذا الارتباك.. وأنا سأجيبك بما جرى، فقد كنت راصدًا له، واسمحوا لى أن أعود إلى أوراقى التى دونتها خلال هذه الفترة.
فى أوراقى وجدت الآتى.
فلو أن أعظم عرّاف فى العالم جاءنا قبل أيام قليلة من ثورة يناير ٢٠١١، وقال لنا إن عصام العريان القيادى الإخوانى المعتز بجماعته، سيجلس يومًا منتشيًا بالسلطة ليتغزل فى الولايات المتحدة الأمريكية دون حياء أو خجل، لقلنا له قطع لسانك، فالمناضل عصام العريان الذى عرف السجون والمعتقلات لا يمكن أن يفعلها أبدًا.
لكن يبدو أن أقدار الرجال تذلهم، تدك أعناقهم، تجعلهم ينقلبون على كل ما آمنوا به، لا لشىء إلا لأنهم أصبحوا أصحاب سلطة، وكأن العريان كان مناضلًا لأنه لم يكن يمتلك شيئًا يخاف عليه، أما وقد جاءته الدنيا هو وجماعته، فإنه لم يتردد عن أن يقبل كل الأعتاب التى يضمن له أصحابها أن يظل رابحًا، حتى لو خسر نفسه وجماعته، أو لنقل ما تبقى من نفسه ومن جماعته.
فى مؤتمر صحفى بمقر حزب الحرية والعدالة احتشدت الكاميرات والميكروفونات ترصد كل لفتة ونبرة عن الدكتور العريان، قال القائم بأعمال رئيس الحزب، إن قيادات الحزب تلقت اتصالات من البيت الأبيض تقول لهم إن موقفهم فى أزمة الفيلم المسىء وأحداث السفارة كان جيدًا.
هكذا بجملة واحدة تحول الذين أوهموا الناس بأنهم مناضلون إلى كائنات طيّعة، هشّة قابلة للكسر والتفتيت.
فرح العريان بأن أمريكا تثنى على حزبه، انتشى من أن الإدارة الأمريكية راضية عنهم، ولن تكف عن حمايتهم، بعد أن أسهمت بسذاجة سياسية فى الوصول بهم إلى قصر الرئاسة.
العريان كان يعرف جيدًا كيف يصيغ مواقفه السياسية، حاول أن يبدو متوازنًا، تحدث فى مؤتمره الصحفى عن السياسة الخارجية التى ينتهجها الإخوان، وكيف أنها سياسة تقوم على المصالح المتبادلة، فى محاولة للإيحاء بأن جماعته والأمريكان سواء بسواء، وأن الإدارة الأمريكية لملمت أوراق الأزمة حتى تحافظ على علاقاتها مع الجماعة.
أريحية العريان تجعلنا نشير إلى أن ما جرى بين الإخوان المسلمين والأمريكان كان علاقة فاحشة، ركعت فيها الجماعة حتى كادت تقبل أقدام الإدارة الأمريكية، لا لشىء إلا من أجل العفو عن ساكن القصر الرئاسى.
كانت جماعة الإخوان قد وجدت ظهرها للحائط تمامًا فى أزمة الفيلم المسىء للرسول.
التيارات الإسلامية التى لم تتمكن من السلطة كما جرى للجماعة، رأت فى الفيلم فرصة لاسترداد شعبيتها فى الشارع، فحشدت الجماعة أنصارها للتظاهر أمام السفارة، رغم أنها نفت ذلك رسميًا فى حالة هى الترنح بين الرغبة فى كسب الشارع والحرص على عدم إغضاب الأمريكان، ظهر قادتها أمام كاميرات الفضائيات يصرخون ويحتجون على ما جرى.
ظهر الجماعة كان إلى الحائط تمامًا، وهو ما جعلها تدعو إلى مليونية «نصرة الرسول»، يخرج أعضاؤها فيها من كل مساجد مصر، أراد الإخوان أن يؤكدوا أنهم أولى بالنبى، صلى الله عليه وسلم، ممن يتشددون فى الدفاع عنه.
لكن لماذا قرر الإخوان المسلمون تنظيم المليونية بالفعل؟
دافع المزايدة على التيارات السياسية الأخرى كان أمامهم.
لكن الأكثر من ذلك، وربما ما حركهم بسرعة، أن قيادات أمنية أجرت اتصالات بقيادات مكتب الإرشاد، وأكدت للجماعة أن المظاهرات التى يريد البعض تنظيمها لا بد من التحكم فيها، وعدم نزول الإخوان إلى الشارع يمكن أن يجعل بعض التيارات تنحرف بها، وهو الانحراف الذى يمكن أن يحولها إلى أعمال عنف لا يقدر أحد على تحملها.
قرر الإخوان أن ينزلوا الشارع حتى يتحكموا فى المظاهرات، ويوجهوها إلى الغاية التى يريدونها دون أن تنحرف بما يمكن أن يمثل إحراجًا للجماعة أمام الراعى الأمريكى.
أغلب الظن أن قيادات الداخلية التى طلبت من قيادات الجماعة النزول إلى الشارع، لم تفكر فى الأمر بشكل سياسى على الإطلاق، كان الدافع لديهم أمنيًا فى المرتبة الأولى، فالإخوان قادرون على التنظيم، ويمكنهم بما لديهم من كفاءات أن يجهضوا أى مظاهرة مهما كان عدد المشاركين فيها، ولذلك أرادت الداخلية مدد الجماعة فى الشارع، بعد أن تعرض رجالها للضرب أمام السفارة الأمريكية.
روج الإخوان عبر أبواقهم الإعلامية أنهم سيحشدون لنصرة الرسول، لكن على الأرض بدا الموقف باهتًا للغاية، لقد نجح الإخوان طويلًا فى تنظيم المليونيات، لكن هذه المليونية فشلت تمامًا، بدت بائرة.
بالطبع لم يفقد الإخوان المسلمون لياقتهم، التى كانت فى عزها بعد وصولهم إلى السلطة.
لم يتحولوا إلى عجزة.. بل منحتهم السلطة قُبلة الحياة.
كانوا لا يزالون قادرين على حشد الأتباع وتنظيم المظاهرات المليونية، وهو ما تم دعمها بكثيرين حاولوا التقرب إلى الجماعة التى تحكم.
لكن هذه المرة عزف الإخوان عن المليونية رغم أنها كانت من أجل الرسول الأعظم الذى أهين على أيدى مواطنين أمريكان.
عرفت وقتها أن الإخوان تراجعوا عن تنظيم المليونية، أو بالأدق تعاملوا معها بتكنيك مختلف، بمعنى أنهم دعوا لها وألقى مرشدهم محمد بديع كلمة فى إحدى فعالياتها من أحد المساجد ببنى سويف- المحافظة التى كان يعمل فى جامعتها- ثم انسحبوا منها تدريجيًا ودون إعلان عن ذلك ليفقدوها أى تأثير، وبذلك يكونون فعلوا ولم يفعلوا، وذلك كله بعد مكالمة حادة وغاضبة تلقاها محمد مرسى من الرئيس الأمريكى باراك أوباما على خلفية الأحداث التى تعرضت لها السفارة الأمريكية من مظاهرات أمامها والاعتداء على أسوارها وتسلقها.
يمكن أن نستسلم قليلًا للتصريحات الرسمية عن المكالمة التى جرت بين أوباما ومرسى، فالمتحدث الرسمى باسم الرئاسة ياسر على قال إن مرسى أكد فى المكالمة استياء المصريين والمسلمين بصفة عامة من الفيلم الذى أنتجه أمريكيون أهانوا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوضح للرئيس الأمريكى أن أفعال القلة المتجاوزة تثير الكراهية وتسهم فى ضعف العلاقة بين الشعب المصرى والأمريكى.
أوباما وطبقًا للرواية الرسمية أكد لمرسى حرصه على العلاقات المصرية الأمريكية ودعم عملية التحول الديمقراطى التى تحدث فى مصر، وأنه يتوقع أن يحظى المواطنون الأمريكيون ومنشآتهم بالحماية اللازمة، وأبدى أوباما استياء حكومته وشعبه من التعدى على المقدسات الإسلامية وإثارة الكراهية، وشدد على أن هذا لا يبرر التعدى على الأشخاص والممتلكات.
ولأن محمد مرسى هو من بدأ المكالمة طبقًا لرواية ياسر على الرسمية، فكان لا بد أن ينهيها، حيث قال مرسى إن مصر تمارس مسئولياتها الدولية والرسمية لحماية الوافدين عليها والبعثات الدولية، وشدد على أنه يرفض التعدى على الأفراد والممتلكات.
الغضب الأمريكى الرسمى الذى أعلنه أوباما، والذى وصل به إلى قوله إن مصر ليست حليفًا وليست عدوًا، وهو تصريح فى الأعراف الدبلوماسية له دلالته الخطيرة جدًا، لا يمكن أن يجعل المكالمة بهذا الدفء والتفاهم الكبير الذى تحدث عنه الإخوان، فما جرى أن أوباما كان غاضبًا، لدرجة تعنيف الرئيس المصرى. فعلى أسوار السفارة الأمريكية رفعت أعلام تنظيم القاعدة وكتب اسم بن لادن.
الغضب الذى أبداه أوباما كان سببًا مباشرًا فى أن تتراجع جماعة الإخوان عن مليونيتها، فما نقله إلى مرسى فى مكالمته، نقله الرئيس إلى جماعته، وليس صحيحًا أن موقف الجماعة فى الأزمة انفصل عن موقف الرئيس. فالرجل الذى كان يعيش على كف الجماعة لم يكن يفعل شيئًا بعيدًا عن رأيها ومشورتها.
كان محمد مرسى يستعد لزيارة البيت الأبيض فى ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢.
زيارة رئيس إخوانى إلى أمريكا كانت حدثًا مهمًا، فالرجل حتمًا سيذهب ليقدم فروض الولاء والطاعة لأرباب نعمته فى واشنطن، لكن أحداث السفارة الأمريكية وحصارها والرعب الذى عاشه العاملون فيها، جعل واشنطن تنظر بعين الريبة إلى الإخوان المسلمين، فها هو الرئيس الجديد لا يستطيع أن يقوم بالحد الأدنى بما عليه وهو حماية الأمريكان ومنشآتهم على أرض مصر.
أصبح فى حكم المؤكد أن زيارة مرسى لن تكون موفقة، وكان هناك اقتراح أن تقتصر زيارة مرسى على مقابلة أوباما فى مبنى الأمم المتحدة، وأن تلتقط لهما صورة تذكارية وهما يصافحان بعضهما، لكن هذا الاقتراح تم رفضه تمامًا، فوجود مرسى وأوباما فى صورة واحدة يمكن أن يستفز مشاعر المواطن الأمريكى الذى يحرص أوباما على صوته.
هذا الموقف جعل جماعة الإخوان المسلمين من بداية الأمر تبالغ فى إبراء ذمتها مما جرى.
الأمين العام للجماعة محمود حسين، وفى تصريحات فضائية، برأ الإدارة الأمريكية من الضلوع فى إنتاج الفيلم المسىء للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أمر مفهوم بداهة.
لكن الرجل احتفظ بما يحفظ له ماء وجهه عندما قال: «لا أعتقد أن أمريكا ولا الإدارة الأمريكية وراء هذا الفيلم، لأنهما لا يفكران فى إحداث هذا الإرباك لأنفسهم».
لم تكن الإدارة الأمريكية هى المرتبكة بل الجماعة هى التى كانت كذلك، فهى تعرف أنها حققت مكاسب لا يمكن أن تعوضها مرة أخرى، ولا بد من الحفاظ على هذه المكاسب مهما كان الثمن، لذلك بدا تهافتها وضعف موقفها.
مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع ألقى باللائمة على الفتنة اليهودية الخبيثة وراء الفيلم، لكن الرجل كان له تفسيره البراجماتى النفعى، فهو يرى أن ما جرى هدفه ضرب الاستثمار فى مصر بعد النهضة التى بدأت بوادرها تلوح فى أفق البلاد، وهى نهضة لم يكن يراها إلا الإخوان وحدهم.
بديع تحدث بالطبع عن نهضة فى رأسه وخياله وحده بالطبع، لكن ما لفت النظر أنه لم يهتم بما جرى للرسول ولا بالإساءة له من الأساس، فكل ما اهتم به وله هو الاستثمارات التى كان ينتظرها، ولأن الاستثمارات تعطلت فلا بد أن تكون هناك مؤامرة على الإخوان المسلمين ومشروع نهضتها ورئيسها.
خيرت الشاطر الرجل القوى فى الجماعة وصاحب العلاقات الوطيدة بمسئولين أمريكان أرسل ببرقية اعتذار نشرتها جريدة النيويورك تايمز، لكن السفارة الأمريكية كشفت عن أنه يناور، يقول كلامًا على حسابه على تويتر يتناقض تمامًا مع ما يقوله موقع الإخوان المسلمين الناطق بالعربية.
المضحك أن الشاطر أصر فى برقية اعتذاره- التى يمكن أن نعتبرها رسمية، فالرجل كان نائب المرشد العام، ثم إنه رجل الجماعة الذى يدير كل الملفات ويتحكم فيها- على أنه لا يحمل الحكومة الأمريكية أو مواطنيها المسئولية عن أعمال فئة قليلة أساءت للقوانين التى تحمى حرية التعبير.
محمد البلتاجى كان فى أدائه أقرب إلى روح الركوع للأمريكان، حاول فى البداية أن يحمل بقايا النظام السابق مسئولية ما يجرى أمام السفارة، وهى حجة لا يمكن أن تدخل عقل أى طفل صغير، ولما بارت هذه الحجة، اهتم بالتأكيد على أن المحرضين على الخروج فى مظاهرات يسعون إلى توريط الإخوان فى الدماء، وحتى يؤكد لمن يراقبون موقف الإخوان مما يجرى، أن الجماعة تنفى مشاركتها فى مليونية نصرة رسول الله.
دع عنك أن ما قاله محمد البلتاجى يعد انقلابًا، فالرجل الذى كان متوهجًا فى المظاهرات التى خرجت قبل ذلك من أجل رد الإساءات عن الرسول والإسلام، يتحول إلى مواطن مدجّن تمامًا، ويعتبر الدعوة للمظاهرات تحريضًا وتوريطًا للإخوان، ورحم الله أيام النضال.
المفزع كان ما قاله رشاد البيومى والذى كان هو الآخر نائب مرشد الجماعة ويعمل جنبًا إلى جنب مع خيرت الشاطر ويسير بتوجيهاته وتعليماته، رشاد كان مستفزًا أكثر من الآخرين، عندما قال إنه على وسائل الإعلام الاهتمام بقضايا أكبر من الفيلم المسىء، وتقمص الرجل شخصية السياسى الكبير عندما رفض التعليق أساسًا على الفيلم، معتبرًا التعليق عليه فى حد ذاته كلامًا فارغًا.
لم يكن غريبًا أن يتصرف الإخوان المسلمون بهذا الشكل مع الأمريكان، ليس لأنهم براجماتيون بطبيعتهم، يمكن أن يبيعوا أفكارهم ومبادئهم وربما دينهم من أجل الحفاظ على مكاسبهم، ولكن لأنهم فى النهاية تم إنتاجهم فى ظل نظام مبارك. فالنظام كان فاسدًا وكان طبيعيًا أن تكون المعارضة كلها فاسدة.
ما جرى أن الإخوان ساروا على خطى نظام مبارك، لكن ما يجب أن نقوله إن الإخوان فى حقيقة الأمر لم يصلوا إلى مبارك وهو فى أضعف حالاته، فهو كان يناور ويداور، لكن الإخوان ركعوا تمامًا، قدموا الاعتذارات وأبدوا استعدادًا ربما لما هو أكثر.
كان نظام مبارك يستخدم الداخلية فى حل أزماته، وهو ما فعله الإخوان المسلمون تمامًا.
سحلوا المتظاهرين أمام السفارة الأمريكية، وقدموا أوراق اعتماد جديدة لدى البيت الأبيض، لكنها للأسف الشديد نفس أوراق اعتماد مبارك، الذى غض الأمريكان الطرف عن مثالبه جميعًا، وهو نفس ما فعلوه مع الإخوان المسلمين الذين قالوا إن أوباما طمأنهم على أنه سيظل راعيًا للتحول الديمقراطى، والصحيح أن أوباما بارك طغيان الإخوان، لأن هذا هو الحل الوحيد للحفاظ على مصالح الأمريكان فى مصر.
خان الإخوان النبى صلى الله عليه وسلم، تنازلوا عن حقه من أجل مكسب سياسى، ولا تظن أننى مندهش من موقفهم هذا، فلم أندهش أبدًا من شىء فعلوه، لأننى أعتقد أننى أعرفهم جيدًا، الدهشة كانت من ملايين هزهم الموقف، ملايين كانت تسير وراء الجماعة الضالة تهتف ضد من يتجاوزون فى حق الرسول، فإذا بالجماعة وبعد أن تصل إلى السلطة تواجه هؤلاء الذين يهتفون من أجل الرسول.
كانت هذه حقيقة الجماعة.. وقد أراد الله أن يكشفها للناس، فوضعها فى التجربة، وهى التجربة التى خسرت بها وفيها كل شىء.