رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بوتين باع الجيش الليبى بصفقة مع أردوغان


ما الذي يحدث في ليبيا الآن؟.. وأين تقف قوات الجيش الوطني الليبي على الأرض؟.. وما مستقبل الصراع على الهلال النفطي، في ظل حكومة السراج الموالية لأردوغان؟
قبل ستة أشهر مضت، كان الجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، يتقدم عسكريا، ووصل التقدم إلى أطراف مدينة طرابلس، مقر الحكومة المؤقتة برئاسة السراج.. بل إن الجيش دخل في بعض أحياء العاصمة، وكان بينه وبين قلبها حوالي خمسة كيلومترات، لُتحسم المعركة ويسيطر على ليبيا بالكامل.. ولكن فجأة، تم إجبار حفتر على هدنة، وإيقاف العمليات العسكرية، وهو الذي يسيطر على أكثر من 90% من أراضي ليبيا، وبخاصة الشريط الساحلي، من بنغازي وحتى سرت، حيث منطقة الهلال النفظي، أهم منطقة اقتصادية في ليبيا، بما تحتويه من منابع للغاز والبترول، وثروات طبيعية هائلة.
استغل أردوغان الهدنة ووقف إطلاق النار، الذي استمر أكثر من أربعة أشهر، وأرسل قرابة 20 ألف مرتزق سوري إلى طرابلس، بالإضافة إلى أطنان من الأسلحة، أبرزها منظومات الدفاع الجوي ومنصات الصواريخ والدبابات والمدرعات والطائرة بدون طيار.. ورد الجيش الليبي على التدخل العسكري التركي بقصف السفن التركية المحملة بالعتاد، وتم قتل عدد من الضباط الأتراك، ولكن هذا لم يكن كافيا لمنع وصول الأسلحة التركية والمرتزقة الموالية لأردوغان.. وكانت النتيجة، قلب موازين القوى، وتحولت حكومة السراج من الدفاع إلى الهجوم، واستولت على ستة مدن ساحلية، بعد أن انشكف الغطاء الجوي فيها عن الجيش الوطني وانقطاع اتصاله بالقيادة، بتشويش من السفن والبوارج التركية قبالة الساحل.. والآن يستهدفون قاعدة (الوطية) العسكرية، بالقرب من الحدود التونسية الليبية، ويسعون إلى احتلال مدينة (ترهونة)، الموجود بها أهم مراكز قيادة للجيش الليبي.
وهنا يتساءل البعض: معروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدعم المشير حفتر، والمفروض أن يمده بالسلاح المطلوب لاعتدال موازين القوى لصالح الجيش الليبي، ويجعله قادرا على ضرب الطائرات التركية.. فلماذا لم يفعل؟.. والإجابة ببساطة أن بوتين لا يريد حسم المعركة في ليبيا، لأن هناك صفقة قد تمت بينه وبين أردوغان، تحصل روسيا بموجبها على أراضٍ أكبر في سوريا، مقابل احتلال تركيا أراضي ليبيا.. وقد قبض الثمن باتفاق إدلب.
خرج حفتر ليعلن عن إسقاط اتفاق الصخيرات الذي تم عام 2015، والذي بموجبه أصبحت حكومة السراج هي الشرعية في البلاد، وبرلمان طبرق، المُعترف به دوليا، هو من عيّن حفتر وزيرا للدفاع، طبقا للدستور الليبي الذي يمنح هذا الحق للبرلمان دون غيره.. هذا الإعلان يدفع العالم الآن إلى اعتبار ليبيا دولة تشهد انقساما، في حين ترفض بعض القبائل الموالية لحفتر إعلانه هذا، لأن ذلك يؤدي إلى عدم اعتراف العالم بالبرلمان في طبرق، وبالتالي فإن حكومة السراج ستكون الممثل الشرعي الوحيد لليبيا أمام العالم.. وهنا، أرسلت روسيا لعقيلة صالح، رئيس البرلمان، بيان تؤكد فيه عدم قدرة روسيا على وقف التقدم التركي في ليبيا، وأن الحل هو إعلان هدنة عسكرية، وأن الأمم المتحدة ستجتمع خلال الفترة القليلة القادمة، لإقرار حكومة السراج حكومة شرعية، وأن حفتر (مُنقلبٌ) على هذه الشرعية، وسيفقد برلمان طبرق شرعيته بالتبعية، وسيتم اعتبار الجيش الليبي (قوات انقلاب)، وهنا يتم ضربه بالطيران الأمريكي والأوروبي والتركي، خاصة أن أمريكا وبعض دول أوروبا لا تريد حسم الموقف الليبي، وأن اتفاقيات دفاع مشترك، ستوقعها حكومة السراج مع هذه الدول.. وعادت روسيا إلى القول، إنه يمكن إنقاذ الجيش الليبي في حال أنه أعلن عن وقف إطلاق النار، لأن المجتمع الدولي، في هذه الحالة، لن يعترف بحكومة السراج، ولا ببرلمان طبرق، وسيطلب تأسيس برلمان جديد، وتشكيل حكومة جديدة في ليبيا، يكون لحفتر والقبائل الموالية له حق في بعض حقائبها، ويتقاسم الجميع السلطة.. وهذا هو الوقت الوحيد والمناسب لإصدار عقيلة بيان سياسي، يمنح العالم إمكانية بدء حوار جديد يدعم سلطة جديدة في ليبيا، ويجبر تركيا على إيقاف تعزيزاتها هناك!.
إذن، العالم لا يريد أن تُحسم المعركة في ليبيا عسكرياً، كما يريد إجبار حفتر على حوار سياسي، حتى ولو كان مع تنظيمات تكفيرية متطرفة، وهذا الحوار يتم بشرط، أن يكون حفتر في موقف ضعيف، وتحت ضغط عسكري، كالذي يحدث الآن.. لذلك، فقد قرر المشير الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي والدول الصديقة بإعطاء هدنة إنسانية في شهر رمضان، مُرحبا بالجهود الرامية إلى مساعدة الليبيين في اجتياز الأزمة، مع أن المحللين العسكريين يرون أن وقف حفتر للقتال ليس في صالح الانتصارات التي يحققها الجيش الذي أصبح قريباً من قلب طرابلس، بالتزامن مع ضغطه على الميليشيات الإخوانية في مصراته، وأسره العديد منهم والاستيلاء على أسلحتهم.. أما العجيب في الأمر، أن حكومة السراج رفضت الهدنة، وقالت إنها ستستمر في ضرب الجيش الليبي، وتحاول، بدعم تركي، السيطرة على (ترهونة) وقاعدة (الوطية).. ويبدو أن حفتر استمع لصوت المنطق العسكري، وعاود قتاله على مشارف طرابلس وشرق مدينة مصراته، فيما أسماه عملية (الطير الأبابيل).
السيناريو الأسوأ للمستقبل الليبي، هو تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم، وهذا ما تتبناه روسيا.. إقليم طرابس في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب.. ويتم تشكيل مجلس رئاسي مكون من ثلاثة رؤساء لليبيا، وساعتها لن نعرف من يحكم ليبيا، وكل منهم له الحق الاعتراض على أي قرار.. أما السيناريو الأجود، أن يعي الجميع في ليبيا أنه لا بد من الالتفاف حول بلدهم، وهذا لن يحدث بدون طرد الرئيس الروسي وإنهاء النفوذ الأردوغاني، وطرد الجماعات التكفيرية، وحل الميليشيات بالكامل.. هنا يمكن أن تعمل الدولة الليبية لصالح الليبيين، وليس لمصالح دولية ولا تخضع لابتزاز الميليشيات.. وقد كشف المتحث الرسمي أن الجيش الليبي بصدد إصدار إعلان دستوري خلال أيام، يشمل خارطة طريق جديدة لتحقيق أحلام الشعب، موضحا أن مشروع القيادة العامة للجيش الوطني، مشروع شعبي يتبنى السيادة الوطنية للشعب على البلاد، و(ننتظر من المجتمع الدولي أن يتبنى بصدق خيارات الشعب الليبي).
نأتي للسؤال الثاني: ما الذي يفعله أردوغان الآن في ليبيا؟.. وما موقف مصر مما يحدث بالدولة الجارة؟
يخطط أردوغان إلى تحويل كامل الشريط الساحلي الليبي إلى نفس المشهد الذي حدث في الشريط الحدودي السوري على حدود تركيا، بمعنى أن يُصبح قاعدة عسكرية تركية تضم ميليشيات من جنسيات متعددة، ولاؤهم لأردوغان، باعتباره السلطان العثماني.. كما يحاول احتلال الحدود التونسية مع ليبيا، حيث يتمركز أتباعه من التكفيريين في جبالها، ومن خلالها يمكنه نقل ما يشاء من ميليشيات إلى الداخل الليبي.. كما يهدف، وهذا هو المهم، إلى تهديد مصر من ناحية الصحراء الغربية، وقد حدث أن تم اختراق الحدود المصرية من ناحية ليبيا أكثر من مرة، كان أبرزها عملية الواحات الشهيرة، التي راح ضحيتها 16 من جنود وضباط شرطتنا الأبرار.. وعلى الأرض، تمكن أردوغان من السيطرة على ستة مدن ساحلية، تخلى عنها الجيش الوطني مؤقتا، وتدور المعارك الآن حول مدينة الهيشة، في محاولة من أردوغان للاقتراب من منطقة الهلال النفطي.
أما إجابة الجزء الثاني من السؤال، فهي أن المواجهة المصرية التركية غير واردة الآن، إلا إذا اقترب أردوغان من مدينة بنغازي، لأنها عاصمة الجيش الليبي، وقريبة جدا من حدودنا، ومصر لن تسمح بوجود مرتزقة على حدودها، فإن اقتربت المرتزقة من بنغازي، فإن ذلك يعني تهديدا عسكريا ضد مصر.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.