رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللقاح الصعب.. المستحيل والممكن


الكلام العلمى والرسمى، عن ظهور لقاح مضاد لفيروس «كورونا المستجد»، لا يختلف كثيرًا عن كلام المصاطب: يخاصم بعضه بعضًا، ويتناقض أحيانًا. لكن ما قد يطمئن هو أن هناك شبه إجماع على أن هذا الفيروس القاتل سيختفى بعد أسابيع، شهور، سنوات، أو بعد عمر طويل، إما بظهور اللقاح المضاد، أو بحدوث طفرة جينية تحوله إلى فيروس وديع، لطيف، وظريف!
منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية FDA، أجازت المرحلة الثانية من التجارب السريرية للقاح فيروس «كورونا المستجد». وقالت الشركة المنتجة، فى بيان أصدرته الخميس الماضى، إنها ستنتج الدفعات الأولى من اللقاح فى يوليو المقبل. لكن أمس الأول، الثلاثاء، أكدت مارجريت هاريس، المتحدثة باسم «منظمة الصحة العالمية»، أنه من الصعب إنتاج لقاح مضاد لهذا الفيروس، ووصفت فيروسات «كورونا»، إجمالًا، بأنها «محيرة للغاية»!
منظمة الصحة العالمية، أطلقت مبادرة عالمية لتطوير لقاحات واختبارات وأدوية آمنة وفعالة، لمنع الإصابة بالمرض، وتسهيل تشخيصه وعلاجه. والأحد الماضى، ذكرت المفوضية الأوروبية فى حسابها على تويتر أن سبع دول أوروبية أطلقت مشروعًا موحدًا يشارك فيه «أفضل العقول من الباحثين فى المجالات التقنية والطبية وعلوم الأحياء المرتبطة بالطب». وأشارت المفوضية إلى أن هذا المشروع يضم عددًا من شركات الأدوية العملاقة.
شركات أدوية كبرى، خاصة وعامة من السويد، بلجيكا، إيطاليا، بولندا، إسبانيا، ألمانيا، وسويسرا، يعمل خبراؤها وعلماؤها معًا فى تحالف علمى دولى، منذ ١٠ أبريل الماضى، وهناك مفاوضات أو مناقشات جارية مع شركات أخرى للانضمام إلى المبادرة التى تتيح للباحثين فى تلك الشركات الوصول إلى المكتبات الطبية الخاصة بالتحالف، التى تضم قاعدة بيانات هائلة عن جميع أنواع الأدوية المتاحة، لتسريع عملية البحث التى تهدف لإيجاد لقاح أو علاج لـ«كورونا».
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كان قد أعلن فى أكثر من مناسبة عن أنه من المتوقع أن يتم إنتاج اللقاح الأمريكى لعلاج فيروس «كورونا المستجد» فى يناير المقبل ٢٠٢١. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن حوالى ١٠٠ لقاح مضاد للفيروس، تخضع للتقييم، بينما تُجرى التجارب السريرية لـ٨ لقاحات، بالإضافة إلى لقاح واحد بدأت المرحلة الثانية من التجارب السريرية له، هو ذلك اللقاح الذى قامت بتطويره شركة «مودرنا» الأمريكية، بمشاركة أو تحت إشراف المعهد الوطنى الأمريكى للحساسية والأمراض المعدية.
هذا اللقاح، هو أول لقاح أمريكى، يتم إجراء التجارب السريرية له. وفى بيانها، قالت الشركة إن المرحلة الثانية من التجارب السريرية ستبدأ قريبًا، بعد إجازة منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تبدأ المرحلة الثالثة فى يونيو المقبل. وأكدت أنها بصدد وضع اللمسات الأخيرة لبروتوكول المرحلة الثالثة من التجارب السريرية.
المرحلة الأولى من تجارب اللقاحات السريرية، تختبر درجة أمان اللقاح، وفى المرحلة الثانية يتم توسيع عدد المشاركين فى التجارب، بينما يتم فى المرحلة الثالثة إعطاء اللقاح لأعداد أكبر لاختبار الفاعلية والأمان. ولا يزال معظم الخبراء واثقين من أن اللقاح سيظهر فى نهاية المطاف؛ لأن «كورونا المستجد»، على عكس فيروس نقص المناعة، مثلًا، لا يتغير بسرعة. وعليه، يرى كثيرون، أبرزهم أنتونى فوتشى، مدير المعهد الوطنى الأمريكى للحساسية والأمراض المعدية، أنه سيتم إنتاج لقاح فى غضون عام إلى ١٨ شهرًا. بينما يرى آخرون، مثل كريس ويتنى، رئيس نقابة الأطباء فى إنجلترا أن تلك الفترة قليلة جدًا.
مع بدء الدول فى الخروج من حالة الشلل، ينصح العلماء والخبراء بتطبيق طريقة جديدة للتعايش والتفاعل، تسمح بكسب مزيد من الوقت فى الأشهر أو السنوات أو العقود القادمة حتى يمكن التخلص من الفيروس عن طريق اللقاح. وعلى المدى القصير، يطالب الدكتور ديفيد نابارو، الأستاذ فى إمبريال كوليدج لندن، بتنفيذ برامج تسمح بمواصلة الحياة جنبًا إلى جنب مع الفيروس، لأننا «لا يمكننا أن نفترض مطلقًا أن اللقاح سيظهر، أو أن نتوقع حال ظهوره، أن يجتاز جميع اختبارات الفاعلية والأمان».
فى منطقة مختلفة يقف جيوسيبى ريموتسى، مدير معهد ماريو نيجرى للأبحاث الدوائية فى ميلانو، الذى أكد أن قوة «كورونا المستجد» تضعف تدريجيًا. وفى تصريحات تليفزيونية، نقلتها صحف إيطالية عديدة، قال الطبيب الإيطالى المخضرم، إن الفيروس الموجود الآن مختلف تمامًا عن ذلك الذى ظهر فى الصين، وتوقع أنه «سيختفى» قبل أن يظهر اللقاح المضاد له.
الرهان ممكن، إذن، على اختفاء الفيروس أو تلاشى قوته. وكنا قد أوضحنا منذ أيام أن «كورونا قد يصبح وديعًا»، وتحت هذا العنوان، أوضحنا أن هذه البشرى السارة، نقلتها وكالات الأنباء عن باحثين أمريكيين قالوا إنهم رصدوا طفرة فى الشفرة الوراثية للفيروس، تشبه تلك التى غيّرت سلوك فيروس «سارس»، وجعلته أقل خطورة وأضعفت قدرته على الانتشار بين البشر.