رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صواريخ «آيات الله» وحناجرهم


للأستاذ محمد حسنين هيكل كتاب ظريف عنوانه «مدافع آية الله»، أما طبعته الإنجليزية، فكان عنوانها «عودة آية الله»، لأن الناشرين، فى بريطانيا وأمريكا، رأوا أن العنوان الأول يعطى انطباعًا لا يتفق مع حقيقة الكتاب، الذى يتناول قصة الثورة الإيرانية، من وجهة نظر الأستاذ هيكل، الذى اقترب منها، وهى ما زالت عند فجرها. وفى باريس قال لقائدها أو مرشدها «آية الله الخمينى»: إننى أسمع دوى مدافعك، ولكنى حتى الآن لا أرى أثرًا لمشاتك.
المَدافع، التى كان الأستاذ هيكل يقصدها هى «سلاح الدين»، أو حنجرة «المرشد» أما الصواريخ التى نتحدث عنها، فهى صواريخ حقيقية، أطلقتها المدمرة «جمران»، التابعة للجيش الإيرانى، خلال مناورات عسكرية، بدأت ظهر الأحد. ونجح صاروخ منها فى إصابة البارجة «كنارَك»، التابعة للجيش نفسه، وأسفر عن مقتل وإصابة عشرات من جنود وبحارة وكبار ضباط الجيش الإيرانى، وتحدثت بعض التقارير الإيرانية عن غرق «كنارك»، هولندية الصنع.
التحقيقات ما زالت جارية للوقوف على سبب الحادث، بحسب بيان أصدرته البحرية الإيرانية أمس، الإثنين، أعلنت فيه عن مقتل ١٩ وإصابة ١٥ آخرين. بينما أفاد وحيد حاجى بور، مراسل جريدة «جوان» التابعة للحرس الثورى، أن ٤٠ جنديًا وبحارًا وعسكريًا، كانوا على متن البارجة، لقوا مصرعهم جميعًا، وتم تأكيد انتشال ١٨ جثة.
المدمرة أو الفرقاطة «جمران»، التى ‏صنعتها إيران سنة ٢٠١٠، من المفترض أن بها رادارات سطحية وجوية ومستشعرات حرب إلكترونية. وعليه، يكون الباب مفتوحًا أمام سيناريوهات واحتمالات عديدة بشأن وجود خلل تقنى فى المنظومة الصاروخية الإيرانية، أصابها بـ«الحول»، كذلك الذى أصاب النظام الإيرانى ودفعه، الآن، إلى إجراء مناورة عسكرية، تاركًا فيروس كورونا المستجد يفتك بالإيرانيين الذين ما عاد باستطاعتهم مواجهة الوباء أو تحمل التكلفة المتصاعدة للطعام والضروريات الأساسية للحياة.
غالبًا، هو الحَوَل نفسه، الذى جعل الحرس الثورى الإيرانى ينتقم لمقتل رجله القوى، قاسم سليمانى، بقتل ١٧٦ شخصًا، معظمهم إيرانيون، كانوا يستقلون طائرة ركاب أوكرانية. ولعلك تتذكر أننا كنا قد نصحنا السلطات الإيرانية، فى مقال سابق، بأن ترسل عددًا من خيرة رجالها إلى واشنطن لاعتقال الرئيس الأمريكى، وسَبْى «الجميلة» مورجان أورتيجاس، المتحدّثة باسم خارجيته. وكان عشمنا كبيرًا، ولا يزال، فى أن ينجزوا المهمة على طريقتهم، أو كعادتهم، ويقوموا باعتقال مرشدهم على خامنئى وسَبْى رئيسهم حسن روحانى!.
نذكرك لو كنت نسيت بأن الولايات المتحدة قامت بتصفية قاسم سليمانى، قائد «فيلق القدس»، مع عدد من رفاقه وعملائه، أبرزهم أبومهدى المهندس، نائب قائد ميليشيات «الحشد الشعبى العراقى». ووقتها، حبس العالم أنفاسه انتظارًا لرد فعل إيران، التى هددّت بالانتقام. وفى ساعة مبكرة من صباح ٨ يناير، استهدفت إيران قاعدتين عراقيتين، تستضيفان قوات أمريكية، بـ١٢ أو ١٥ أو ٢٢ صاروخًا، اعتقدنا فى البداية أنها من طراز «العيار اللى ما يصيبش يدوش»، لكن اتضح، لاحقًا، أن واحدًا منها، على الأقل، أسقط الطائرة الأوكرانية.
لن نحكى قصة الطائرة «كوثر»، أو غيرها من القصص والادعاءات الإيرانية ‏حول طائرتها وصواريخها، مكتفين بالتشكيك الحالى، فى الأرقام التى تعلنها السلطات الإيرانية لضحايا الفيروس القاتل، وبالتحذيرات المستمرة، من قفزة جديدة، أو موجة ثانية للوباء، الذى حصد آلاف فى واحدة من أكثر دول العالم تضررًا. والأهم من ذلك التشكيك، وهذه التحذيرات، هو أن محمد خاتمى، الرئيس الإيرانى الأسبق، غير المسموح له بالظهور فى وسائل الإعلام أو السفر للخارج، ظهر فى مقطع فيديو، مساء السبت، ليحذر، هو الآخر، من أن الانهيار الاقتصادى وتردى الأوضاع المعيشية، وانتشار حالة عدم الرضا، قد تدفع «الشعب المستاء» إلى الانفجار.
نحن، باختصار، أمام نمر من ورق، يثبت، يومًا بعد آخر، أن الآلة الدعائية الأمريكية نجحت فى نفخه وبالغت فى تقدير و«تصدير» خطورته، ليكون «تلكيكة» أو «فزاعة»، تبتز بها الدول الواقعة تحت مظلتها أو سيطرتها. ونعتقد أنه لم يعد خافيًا، مثلًا، أنها خلقت «أو استغلت» حالة عدم الاستقرار التى عاشتها المنطقة العربية، فى السنوات الأخيرة، وأتاحت لتركيا وإيران إنشاء مناطق نفوذ، وحرضت وشجعت قطر، على دعم وتمويل تنظيمات إرهابية.
بحنجرته، أو بسلاح الدين، استطاع «آية الله العظمى السيد روح الله مصطفى أحمد الموسوى الخمينى» أن يقوم بدور المدفعية بعيدة المدى وأن يهدم نظام الشاة فوق رءوس أصحابه. لكن ذلك، فى رأى الأستاذ هيكل، لم يحقق النصر، الذى لا يتحقق إلا بجنود مشاة يحتلون المواقع ويتولون تطهيرها ويتحملون مسئولية المحافظة عليها. والآن، وبعد مرور ٤١ سنة، ثبت أن «آيات الله» لم يستعملوا أو يطوروا إلا سلاح الدين، الحناجر، أو الجعجعة، وباقى الأسلحة التى تفتك بالإيرانيين، دون غيرهم. وغالبًا لن يتوقفوا حتى تنهار الدولة فوق رءوسهم.