رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرسول في مصر «19»

محمد الباز يكتب: محمود عوض.. كاتب المشاهير الذى كشف أسرار النبى

محمد الباز
محمد الباز

يظل الكاتب الصحفى الكبير محمود عوض واحدًا من المظلومين فى تاريخنا الصحفى.
عندما تقترب من تراثه الذى تركه وراءه بعد وفاته فى العام ٢٠٠٩ عن عمر يقترب من الـ٦٧ عامًا ستتأكد من أنك أمام كاتب عملاق، طوّع الله له الحروف، فنسج منها أفكارًا وفلسفات وحيوات نادرًا ما يستطيع أحد أن يصل إلى حقيقتها أو يفض أسرارها.
مرة واحدة قابلت فيها محمود عوض.
كنا فى ورشة عمل تنظمها إحدى المؤسسات الإعلامية الدولية، كان شامخًا بقامته الفارعة التى لم تؤثر فيها انحناءة بسيطة من الصعب أن تلحظها إلا إذا دققت فى مشيته طويلًا. 

وجدت صحفيين من أجيال مختلفة يلتفون حوله، يتلمسون عنده ما يراه فى العمل الصحفى الذى بدأ ينطلق إلى مساحات من ممارسة الحرية لم تكن مسبوقة من قبل، كنا وقتها فى العام ٢٠٠٣ تقريبًا، كل من سأله كان يعرف أن لديه رؤية مختلفة لما يجرى علينا فى مهنة قلقة ومقلقة، لكنه ضن على الجميع بالكلام، كان يكتفى بابتسامة عذبة، تحمل من المرارة أكثر مما تحمل من التفاؤل أو على الأقل الحياد تجاه ما نردده حوله. 

يمكن أن تتعامل مع محمود عوض على أنه كاتب سيرة المشاهير، فهو صاحب كتاب «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد» وكتاب «محمد عبدالوهاب الذى لا يعرفه أحد».. ورغم أن كثيرين من الفنانين حاولوا أن يدفعوه للكتابة عنهم، فإنه رفض تمامًا، عندما قرر أن يكون كاتبًا سياسيًا، فعلها مع فريد الأطرش، رفض أن يكتب عنه حتى مقالًا واحدًا، واحتج وقتها بأنه لا يكتب إلا عن أحبابه.
المفارقة أنه لم يستجب لصديق عمره عبدالحليم حافظ، رفض أن يكتب عنه هو الآخر كتابًا، وإن كان عوّضه بالمسلسل الإذاعى الوحيد الذى كتبه وهو «أرجوك لا تفهمنى بسرعة»، وكتبه لأن عبدالحليم اشترط أن يكون هو الكاتب إذا أرادوا أن يقدم عملًا إذاعيًا، والمفارقة أن المسلسل أُذيع فى رمضان ١٩٧٣، فلم ينل فرصة الاستماع الجيد فى إذاعته الأولى، بسبب أخبار الحرب التى قطعت الطريق على كل شىء بداية من اليوم العاشر من الشهر الكريم.
ويمكنك أن تتعامل معه على أنه من رواد اختراق الحائط الإسرائيلى معرفيًا، فبعد هزيمة ١٩٦٧، وجد نفسه مع جيله فى قلب المأزق الوجودى، قالوا لهم إنهم سيصلّون الجمعة فى المسجد الأقصى بالقدس، فإذا بطيران إسرائيل يحلق فى سماء القاهرة، استعان بإجادته أكثر من لغة، قرأ كل ما أُتيح له عن إسرائيل، وبدأ يكتب مقالات عن إسرائيل من الداخل، وهى المقالات التى صدرت بعد ذلك فى كتاب «ممنوع من التداول».
ويمكن أن تراه واحدًا من أهم من طوروا شكل الحوار فى الصحافة المصرية.
يكفيك أن تقرأ كتابه «شخصيات»، وهو الكتاب الذى يضم عددًا من الحوارات التى أجراها مع عدد من الشخصيات العامة المصرية فى السياسة والفكر والأدب والثقافة والفن، وكان ينشرها على صفحة كاملة فى «أخبار اليوم» بتوجيه ورعاية مباشرة من إحسان عبدالقدوس.
لن تجده فى هذه الحوارات محاورًا يضع السؤال وينتظر الإجابة، بل يتماهى تمامًا مع من يحاوره، فتشعر وأنت تقرأ بأنك جالس معهما تعد عليهما أنفاسهما وتترقب ردود فعليهما.
محمود عوض الذى وقع فى غرام القراءة وهو لا يزال طفلًا صغيرًا، والتحق بالعمل الصحفى، بعد دراسته الحقوق، فى مدرسة على ومصطفى أمين، كان صاحب تجربة عمرها قصير، لكنها لا تزال علامة فى الصحافة المصرية.

فى العام ١٩٨٦ تولى رئاسة تحرير جريدة «الأحرار» واستطاع فى ثلاثة أشهر فقط أن يرتفع بتوزيعها من ٣ آلاف نسخة إلى ١٧٠ ألف نسخة، لكنه ترك كل هذا وراءه ورحل.. ليؤكد لكل أبناء المهنة أنه ليس بالصحافة فقط تعيش الصحف.. هناك على الجانب الآخر ما يقرر وما يمنع وما يمنح.
فى العام ١٩٧٧ مُنع محمود عوض من الكتابة فى «أخبار اليوم» وكل صحف المؤسسة بقرار من موسى صبرى، وظل يكتب مقالاته للصحف العربية من مكتبه فى «أخبار اليوم» حتى العام ٢٠٠٢ عندما أرسلت له المؤسسة رسالة بخروجه على المعاش، فغادر الدار التى تعلّم فيها الصحافة إلى الأبد ولم يدخلها مرة أخرى.
قصة محمود عوض أكثر درامية مما نتخيل، وأعتقد أن من حقه علينا أن نرويها يومًا ما.
لكن أىّ محمود عوض يمكن أن يقابلنا هنا ونحن نتحدث عن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم فى مصر؟ وما الذى يمكن أن يأتى به إلى هذا الحديث وهو الكاتب السياسى الذى صادق الفنانين وكتب عنهم؟
السبب مقال نشره محمود عوض فى كتابه «من وجع القلب» عنوانه «النبى محمد».
«من وجع القلب» كتاب من أهم وأعمق كتب محمود عوض.
يقول هو عنه: فى الصفحات التالية- قد يجد القارئ قضايا متعددة، قضايا باتساع العلم والفن والسياسة والدين والأدب، هى قضايا متعددة، لكنها بالنسبة لى هم واحد، فى القلب هم بل هموم عديدة، فى القلب مواجع شتى، مواجع مع ومن واقعنا وعصرنا وأحلامنا وأشواقنا، وحينما كنت أستجمع تلك الصفحات التالية من جديد كى أضعها أمام القارئ، كنت فى الوقت نفسه أستعيد بعضًا من عمرى وأوجاعًا من قلبى دفعتنى إلى طرق تلك المعانى والأبواب فى حينها. 

فى ١٥ نوفمبر ١٩٦٩ نشر محمود عوض مقاله «النبى محمد» فى جريدة «أخبار اليوم»، وأغلب الظن أنه كتب ما كتبه من باب الوجع.. كان عمر الكاتب الشاب وقتها ٢٧ عامًا يبحث عن قيم الحق والخير والجمال والحرية.. يبحث عن الإنسان وما يحفظ كرامته ويوفر له الحياة التى يستحقها، وأعتقد أنه وجد كل هذه المعانى فى حياة النبى محمد، صلى الله عليه وسلم.
لن يكون متاحًا هنا أن أُعيد المقال كله، يمكنك أن تعود إلى الكتاب الأصلى لتقرأه بنفسك، هنا يمكن أن نقرأ ما بين سطور محمود عوض عن النبى، صلى الله عليه وسلم.
ستراه يدخل فى الموضوع مباشرة.
يبدأ حديثه: «يا ابن أخى، أنا رجل لا مال لى، وقد اشتد الزمان علىّ وألحت علينا سنون منكرة، وليست لنا مادة ولا تجارة، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالًا من قومك، فيتجرون فى مالها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك لما بلغها عنك من طهارتك». 

هكذا تحدث أبوطالب إلى ابن أخيه الشاب محمد بن عبدالله فى حوار بينهما عن خديجة، امرأة من قريش ذات شرف ومال، تستأجر الرجال على تجارتها وتبعث بها إلى الشام.
وقبل أن تعلم خديجة بهذا الحوار كانت تعلم الكثير عن صدق محمد وأمانته وعفته، لهذا أرسلت هى إليه تدعوه إلى الخروج إلى الشام متاجرًا فى مالها، بأجر أكبر من غيره، وخادمًا لها اسمه ميسرة.
ولقد كانت خديجة، رضى الله عنها، أول زوجة لمحمد تزوجها بعد أن قالت له: يا ابن عمى، إنى قد رغبت فيك لقرابتك وصيتك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك.
وعندما تم الزواج كانت خديجة أكبر من محمد، هى فى الأربعين وهو فى الخامسة والعشرين، وكانت أغنى من محمد، هى صاحبة مال وفير وهو فقير إلى المال، ومع ذلك فإنه ظل على وفائه لها طيلة حياته، إن خديجة كانت أول امرأة تزوجها محمد، ولم يتزوج حتى ماتت، ولقد امتد وفاؤه لها بعد وفاتها، بحيث إن زواجه بغيرها لم يمح ذكراها من نفسه قط، وفاء دفع زوجته عائشة، رضى الله عنها، إلى أن تغار منها وهى فى قبرها.
قالت له عائشة ذات مرة مشيرة إلى خديجة: هل كانت إلا عجوزًا أبدلك الله خيرًا منها؟
ورد عليها رسول الله ردًا قصيرًا مختصرًا، قال النبى غاضبًا: لا والله ما أبدلنى الله خيرًا منها، آمنت بى إذ كفر الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله منها الولد دون غيرها من النساء.
لما اختار محمود عوض أن يكون هذا مفتتحه فى الحديث عن النبى، يعلق على ذلك بقوله: هذا هو محمد، صلى الله عليه وسلم، طاهر فى شبابه، صادق فى حديثه، أمين فى معاملته، كريم فى أخلاقه وفى طباعه، إنه هذا كله، حتى قبل أن يصبح الشاب رجلًا، والرجل نبيًا، والنبى صاحب رسالة، أفضل رسالة.
رأى محمود عوض النبى، صلى الله عليه وسلم، بعين المحب، غرق فى الكتب التى تحدثت عنه، ثم خرج لنا بصورته التى رسمها له.
بدأ بأوصاف النبى المادية، يقول عنه: كان رسول الله متوسط الطول، عريض الكتفين، واسع الصدر، غزير الشعر، عظيم الرأس، مستدير الوجه، أسمر اللون مشرب بحمرة، واسع الجبين، كثيف الحاجبين بينهما عرق يدره الغضب، أكحل العينين، تام الأذنين، ضليع الفم، طويل الأنف، سهل الخدين، منفرج الأسنان، ضخم اللحية، غليظ الكتفين، أشعر الذراعين والصدر، بين كتفيه خاتم النبوة، توفاه الله وليس فى رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
ثم تلا ذلك بحديث عن أداء النبى، يقول: كان سريع الخطوات، إذا مشى فجسمه يميل إلى الأمام، إذا التفت فبجسمه كله، إذا زار أحدًا لا يقوم حتى يستأذنه، إذا لقى أحدًا يبدأ بالسلام، لم يره أحد قط مادًا رجليه بين أصحابه، لم يتنفس فى إناء، لم ينفخ فى طعام أو شراب، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما.
ويصل عوض بعد ذلك إلى ما يمكننا اعتباره الملامح النفسية للنبى، صلى الله عليه وسلم.
يقول: ورسول الله لم يكن يتكلم إلا عن ضرورة، إنه متواصل الأحزان دائم التفكير، ليست له راحة، لا يتكلم فى غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بألفاظ سليمة المخرج واضحة النبرات، دمث، ليس بالمتكبر ولا بالمتصاغر، يعظم النعمة وإن قلت، ولا يذم منها شيئًا ولا يمدحه، إذا تعرض للحق لم يعرفه أحد، إذا غضب لحق لا يقيم شيئًا حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار فبكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا مزح غض طرفه، قليل الضحك كثير الابتسام قريب من قلوب جلسائه.
يمسك محمود عوض بتفاصيل أخرى، يرسم لنا صورة لمجلس النبى، صلى الله عليه وسلم، فقد كان مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا تُنتهك الحرمات، ولا تُرتكب الزلات، مجلس يتفاضل الناس فيه بالتقوى، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
يقول عوض: ومحمد رسول الله هو فى هذا كله دائم البشر، سهل الخلق لين الجانب، إنه ليس فظًا ولا غليظًا ولا عيابًا ولا مداحًا، إنه لا يقطع على أحد حديثه، لا يقبل ثناءً إلا من مقتصد، لا يغضبه شىء بسيط ولا يستفزه، يتحدث بحسنى، يستمع بصبر، يناقش بهدوء، يستمع باهتمام، إنه رسول، والرسول يجب أن يكون قدوة، إنه قدوة، والقدوة يجب أولًا أن يكون قدوة فى الأخلاق والصفات، لهذا قال رسول الله: إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
ما يعجبك حتمًا فيما كتبه محمود عوض أنه وصل إلى درجات عليا فى معرفة النبى، صلى الله عليه وسلم، بعيدًا عن الصورة التراثية التى رسمها المؤرخون له.
أسمعه وهو يقول: إن محمدًا رسول، إنه نبى، ولكنه إنسان، والإنسان قد يطغى، وقد يظلم، وقد يسىء التصرف، الإنسان قد ينادى بشعار، ثم لا يطبقه، قد يدعو لمبدأ، ثم لا يمارسه، وقد ينطق بالعدل، ولكنه يتصرف عن هوى، لهذا فإن محمدًا كان حريصًا على أن يسد هذه الفجوة، إن له معركة لنشر رسالته، ولكن معركته الأولى هى أولًا مع نفسه، إن دعوته، رسالته، مبادئه، لا قيمة لها، ما لم يكن أولًا خاضعًا لها ومطبقًا تعاليمها.
لهذا يقول محمد لأصحابه بعد عودتهم من الغزو: مرحبًا بكم قد قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. جهاد النفس.
ومرة أخرى يقول سائل لرسول الله: أى الجهاد أفضل؟ فيرد الرسول: جهادك هواك.
إن محمدًا يكرر هذا المعنى دائمًا فى كل إجابة، وكل مجلس وكل مناسبة، ولكنه أيضًا حريص على أن يبدأ بنفسه، ويجاهد نفسه فى كل دقيقة وكل تصرف.
تعال نسبح معه أكثر فى بحر النبى، صلى الله عليه وسلم.
تأمل ما سيقوله محمود عوض بعد أن يوثّق هذا الموقف.
قال رجل مرة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يا سيدنا وابن سيدنا..».
ولكن الرسول يرد فورًا على الرجل وغيره فيقول: يا أيها الناس لا يستهوينّكم الشيطان، أنا محمد بن عبدالله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعونى فوق ما رفعنى الله، وعندما مات ابنه إبراهيم كسفت الشمس، ساعتها قال الناس: إن الشمس كسفت لموت إبراهيم، ولكن الرسول يقوم فى المسجد ويقول بأعلى صوته: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعو الله وصلوا وتصدقوا.
يقف بنا محمود عوض عند مفارقة مهمة جدًا فى شخصية الرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن محمدًا أب، إن موت ابنه إبراهيم هو بالنسبة له صدمة لا يعرفها إلا كل أب، ولكن محمدًا هو أيضًا قائد، إنه القائد الرسول، والرسول صاحب رسالة، وصاحب الرسالة قدوة، إنه يرفض وهمًا خلقته المصادفة، يرفض إطراءً لا يحتاج إليه، يرفض مديحًا لا يريده، إنه صاحب دعوة، وصاحب الدعوة نموذج، والنموذج الأصيل يريد لأمته الصراحة لا النفاق، إنه يستمد قوته من عقول الناس، لا من أوهامهم ونفاقهم.
بذكاء شديد يقرأ لنا محمود عوض ما الذى كان يريده النبى، صلى الله عليه وسلم، لأمته، وكأنه لا يزال يقرأ كل الأزمات التى نعيشها الآن، وهنا لا بد أن نستمع إليه بتركيز شديد.
فطبقًا لما يراه محمود عوض، أو بالأدق أمسك به، فإن النبى يريد لأمته:
أولًا: العمل، فالعمل عند رسول الله قيمة عليا، هو شرف وواجب، إنه يقول: ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، ويقول أيضًا: لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب به فيبيعه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه.
ثانيًا: المعرفة والعلم، إنه يقول: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، ويقول أيضًا: إذا أتى علىّ يوم لا أزداد فيه علمًا، فلا بورك فى طلوع شمس ذلك اليوم.
ثالثًا: العدل، إنه يقول «ما بعث الله من نبى ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله».
والعدل عند رسول الله قيمة فوق كل قيمة، إنه يطلبه من الحاكم ثم يطلبه من المحكوم، إن الرسول يحذر: ما من أحد يكون على شىء من أمور هذه الأمة، فلا يعدل فيهم إلا كبه الله فى النار، ومرة أخرى يحذر: أشد الناس عذابًا يوم القيامة من أشركه الله فى سلطانه فجار فى حكمه، ولكن الرسول يعلم أيضًا أن المحكوم مسئول أولًا عن عدل حاكمه، لهذا يقول النبى: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده، ثم يقول من جديد: كما تكونون يولى عليكم.
رابعًا: الرحمة، يقول الرسول: ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.
خامسًا: العزة، يقول: من أعطى الذلة من نفسه طائعًا غير مكره فليس منّى.
سادسًا: الأصالة، يقول النبى: اتقوا المهلكات، شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه.
يجمل محمود عوض ما يريده منا النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: الرسول يريد لأمته القوة، يريد العدل، يريد التواضع، الصراحة، الشجاعة، الإيمان، العلم، العمل، العزة، يريد الرسول لأمته الحلم، والأخلاق، يريد النظافة، إنه يقول: «إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود.
يضع محمود عوض فى النهاية يده على قيمة مهمة جدًا من قيم الرسول العليا، وكل قيمه كانت كذلك، يقول: الرسول حينما يتعلق الأمر بعقيدته أو مبادئه، لا يساوم، إنه فى رسالته ودعوته لا يقبل مساومات أو أنصاف حلول، وإلى أن يظهر الله كلمته، فإنه سوف يتحمل كل المصاعب والآلام، مواجهًا لها بقلب كله إيمان، وعقل كله ثقة، وجسم كله شجاعة.
أعرف أنك قرأت كثيرًا لمن كتبوا عن النبى، صلى الله عليه وسلم.
وأعرف أنك سمعت لمن تأملوا فى حياته.
وأعرف أنك تابعت كثيرين من هؤلاء الذين يدّعون وصلًا بالنبى، صلى الله عليه وسلم.
لكننى أعتقد أن رؤية محمود عوض تختلف عن الكثيرين الذين كتبوا، لقد وضع أيدينا على أصل الدعوة التى جاء بها النبى، وأرشدنا إلى قراءة جديدة لمبادئه وقيمه.. وهو ما يجعلنى ألح عليك أكثر أن تقرأ مقاله بنفسك.