رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفاءل.. تأمّل.. أو اكتئب


آخر مجاعة أقر بها برنامج الأغذية العالمى، تلك التى ضربت إحدى ولايات جنوب السودان، سنة ٢٠١٧. واليوم، هناك شبح مجاعات جديدة يلوح فى الأفق بسبب فيروس «كورونا المستجد». وتريد منظمة الأمم المتحدة، التى رأت ذلك الشبح، أن يكون لها دور فى مواجهته بـ«خطة إنسانية»، تستهدف «حماية ملايين الأرواح والحد من تفشى الوباء فى دول هشة»!.
هذه الخطة الإنسانية بدأت بنداء أطلقته المنظمة الدولية فى ٢٥ مارس الماضى، لجمع مليارى دولار. وأمس الخميس، أطلقت نداءً آخر لجمع ٤.٧ مليار دولار، مع أن كل ما تلقته، إلى الآن، لم يصل إلى نصف أقل من مليار دولار فقط. بينما قفز مارك لوكوك، مساعد أمين عام الأمم المتحدة للشئون الإنسانية، خطوة أو اثنتين إلى الأمام وتوقع أن الـ٦.٧ مليار دولار ستغطى تكاليف خطة الاستجابة الإنسانية حتى ديسمبر المقبل، فى نحو ٢٠ دولة، لها الأولية، وتتوقع تقديرات الأمم المتحدة، أن ترتفع أعداد الإصابات بفيروس «كورونا المستجد» فيها خلال الشهور الثلاثة أو الستة المقبلة. وقال لوكوك، فى بيان، إن عدم التحرك الآن سيؤدى إلى تفاقم كبير للنزاعات والجوع والفقر، مطالبًا المانحين بأن يكون ردهم متناسبًا مع حجم المشكلة.
حتى سنة ١٩٨١، كان ٤٢٪ من سكان العالم يعانون من «فقر شديد». والفقر الشديد، بحسب تعريف الأمم المتحدة، أن يعيش المرء على أقل من دولارين فى اليوم. واليوم، انخفضت هذه النسبة إلى أقل من ١٠٪. وكانت الأمم المتحدة تراهن على التخلص من الفقر الشديد بحلول سنة ٢٠٣٠ لكن مع فيروس كورونا المستجد، ومع فتور التعاطف فى العالم الغنى، لن يتحقق هذا الهدف على الأرجح، فى ٢٠٣٠ أو ٢٠٥٠، وغالبًا لن يكن هناك عالم غنى وآخر فقير، لأن الولايات المتحدة، مثلًا، قد تحتاج إلى مساعدات، ليس فقط بسبب الوباء، ولكن لأن تقريرًا صدر عن أحد بيوت الخبرة الدولية، سنة ٢٠١٧، توقع أن يتم الاستغناء عن ثلث الموظفين مع تطبيق نظم الأتمتة أو الميكنة. ولك أن تتخيل كيف صار هذا التوقع السوداوى أكثر سوداوية بعد أن أصبح العنصر البشرى نقطة ضعف، وأصبح التباعد الجسدى من ضرورات الحياة!.
الكوارث الطبيعية، تدفع، سنويًا، حوالى ٢٦ مليون شخص للنزوح عن ديارهم. والرقم سيزيد طبعًا ما لم تحدث ابتكارات ثورية، وإذا استمرت دول العالم فى تبنى سياسات اقتصادية وبيئية خاطئة، لأن مناطق كثيرة من العالم لن تكون صالحة للحياة. والوضع طبعًا سيختلف لو نشبت حرب عالمية، وسيكون «كله رايح»، ولن يستفيد مخلوق من الإمدادات الغذائية الاحتياطية المحفوظة فى «قبو يوم القيامة»!.
قبو يوم القيامة، تم بناؤه على جزيرة سفالبارد فى القطب الشمالى منذ ١٠ سنوات لحماية الإمدادات الغذائية فى العالم، ويضم نحو ٩٠٠ ألف عينة من البذور. وهناك تقرير عنوانه «المناخ فى سفالبارد سنة ٢١٠٠»، صدر عن وكالة البيئة النرويجية، توقع أن ترتفع درجة الحرارة على هذه الجزيرة أكثر من ١٠ درجات بنهاية القرن الحالى. وطالب التقرير بضرورة خفض الانبعاثات الحرارية لحماية الجزيرة، وللحفاظ على الإمدادات الغذائية الاحتياطية للبشرية، لأن الارتفاع فى درجة الحرارة يهدد استقرار الأرض المتجمدة التى تم بناء القبو عليها.
الأطفال، أحباب الله، ولعلك قرأت أو سمعت أن قدرتهم على مقاومة فيروس كورونا المستجد أفضل منك كثيرًا، سواء كنت فى منتصف العمر أو فى أرذله. أما ما قد لا تعرفه، فهو أن العالم يشهد وفاة طفل كل ست ثوانٍ، بعد هبوط المعدل إلى النصف خلال عشرين سنة. وتقول الأرقام إن نصف البشر تقريبًا ماتوا فى طفولتهم، قبل سنة ١٩٥٠، وبعدها صار ٢٧٪ هو فقط كل الأطفال الذين يموتون قبل بلوغهم ١٥ سنة. والآن، انخفضت هذه النسبة إلى نحو ٤٪. وأمراض مثل شلل الأطفال والجذام والعمى النهرى وداء الفيل تقلصت أو كادت تختفى. وعليه، كان متوقعًا أن يصل تعداد سكان الأرض سنة ٢٠٥٠ إلى ١٠ مليارات نسمة، وأن يتضاعف نمو الاقتصاد العالمى أربع مرات. مقابل بعض التأثيرات السلبية على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، بتغير أنماط الاستهلاك، الأمر الذى قد يؤدى إلى خسائر فادحة، مع قدر، لا بأس به، من الخراب!.
.. أخيرًا، وبسبب ازدهار الصناعات التكنولوجية، غير الإيجابية، فإن غالبية المحادثات الخاصة علنية، وستجد طريقها إلى المشاع. الأمر الذى قد يؤدى إلى غياب شبه كامل للسلوكيات العفوية، وإلى تزايد معدلات الجرائم، خاصة فى المدن الكبرى التى ستكون متشابهة، بدرجة تدعو إلى الاكتئاب. وبالتالى، سترتفع أيضًا الخسائر فى الأرواح بسبب معدلات الجرائم المتزايدة وأيضًا بسبب الاكتئاب، التى ستتزايد حدته بالتأكيد، لو حدثت المعجزة وصار سكان المدن المتشابهة «شبه بعض» أو تشابهوا علينا!.