رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عض الأصابع.. كيف يخطط أردوغان للسيطرة الكاملة على ليبيا؟


ليس هناك أصدق من حديث «عمر جليك»، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركى، فى المؤتمر الصحفى الذى عُقد الثلاثاء بمقر الحزب على هامش اجتماع اللجنة المركزية- حيث طمأن الحضور من وسائل الإعلام بأن «الرئيس أردوغان يتابع التطورات فى ليبيا، عن كثب وبشكل شخصى»، مؤكدًا أيضًا تجديد أنقرة دعمها القوى لقوات الوفاق، حسب نص كلماته التى تضمنت أيضًا الجملة المفتاحية، التى تكفى الجميع عناء التحليل والاستنباط، عندما ذكر المتحدث «جليك» عبر تقنية الفيديو وهو مسجل وعلنى بالمناسبة أن «التقدم الذى تحرزه قوات الوفاق، يتماشى تمامًا مع مصالح أنقرة».
والحقيقة الجلية، كما ذكرها المتحدث، أن تركيا اليوم تقوم بإدارة العمل العسكرى ضد الجيش الوطنى الليبى، بإشراف يومى من الرئيس أردوغان الذى وضع خريطة زمنية لتصفية سريعة لمكتسبات الجيش الوطنى فى المنطقة الغربية بكاملها، قبل العودة لاستئناف- افتراضى- متوقع لمسار برلين، بعد انتهاء فصل الانشغال الدولى الممتد بأزمة كورونا.
خروج السيد فايز السراج معلنًا عن تثمين وتأييد المبادرات التى تدعو لبعض من المخارج السياسية لحالة الأزمة بين الأطراف الليبية- لا يعدو كونه غطاءً إعلاميًا لما يجرى فعليًا على الأرض بتسارع ممنهج يراه ويتابعه الجميع.
فليست هناك ثمة دلالات أو أى من مؤشرات التعاطى الجاد من حكومة الوفاق مع أشكال الهدنة التى وافقت عليها القيادة العامة للجيش الليبى، فى محاولة منها لإفساح مجال تعاطى ليبى مع المشهد الراهن. لكن أنقرة وفق مخططها تصر على
إنجاز تحويل دفة الحركة على الأرض، كى تحدث اختراقًا نوعيًا قد يصعب ترميمه لاحقًا، من خلال انتزاع مدينة «ترهونة» من سيطرة الجيش الوطنى عليها وحمايته لها، فضلًا عن الاستحواذ بأى ثمن على قاعدة «الوطية» العسكرية الحصينة، وكسر قوة «اللواء التاسع» الموجود بها، فهى القاعدة التى تمثل أبرز وأقوى وجود للجيش الوطنى فى الغرب الليبى بكامله. لذلك بدا حديث السراج كتغريد، لا يطرب أحدًا أو- بالأدق- لا يسمعه سوى بعض وسائل الإعلام التى نقلته كخبر عابر لا يصل حتى إلى مستوى تسجيل الموقف.
فى حين يظل الواقع التركى أصدق أنباء من مثل تلك الغطاءات الإعلامية، ففى نفس يوم حديث السراج شهدت قاعدة «الوطية» هجومًا مركزًا يعد الأكبر ضمن سلسلة هجمات تتعرض لها منذ بداية الأسبوع، لتتمكن قوات الجيش الوطنى الليبى من صده، وإحباط مخطط اختراق القاعدة رغم الجهد الجوى التركى «المسير» الذى شكل غطاءً داعمًا، ليتمكن فى إحدى غاراته- المتتالية- من إصابة آمر قوة حماية القاعدة الرائد أسامة أمسيك الزنتانى، الذى قُتل بقصف صاروخى نفذه الطيران التركى المسير، ومعه عدد من الجنود قدرتهم غرفة عمليات المنطقة الغربية بـ«١١ جنديًا».
لكن رغم تلك الإصابة المؤثرة، فإنه لم يقتصر الجهد العسكرى للجيش الوطنى الليبى على إحباط هذا الهجوم التركى الميليشياتى، بل تمكن من تكبيد عناصره خسائر بشرية قدرت بـ«٤٠ قتيلًا» وعشرات الجرحى، كما استطاعت قوة القاعدة من أسر عدد من العناصر المهاجمة، قبل أن تنسحب بقية القوة الميليشياتية المهاجمة على هيئة «فرار» حقيقى، إلى كل من طرابلس وزوارة، حيث أماكن تمركزها التى بدأت منها الهجوم على نسق مجموعتين كبيرتين، كلفت إحداها بإدارة معركة نيران واسعة مع قوة الحماية التى يقودها الرائد أسامة أمسيك، فى حين تتولى الأخرى تنفيذ عملية الإغارة ومحاولة الاختراق، مصحوبة بعناصر مدربة لتفكيك الألغام التى يضعها الجيش فى نطاقات القاعدة العسكرية بغرض التأمين والحماية. فشلت كلتا المجموعتين لصلابة مواجهة جنود «اللواء التاسع» المتمركز بداخل القاعدة، حيث تمكن من صد كل مناورات الالتفاف طوال أحداث يوم كامل من المواجهات الشرسة.
هدنة التوقف، التى سعت الدول الصديقة ومعها البعثة الأممية فى ليبيا برئاسة وجهود «ستيفانى وليامز» إلى اعتمادها خلال شهر رمضان، وعلى خلفية الأزمة الصحية التى تشمل المنطقة والعالم، ولا يتصور أن ليبيا بمنجى منها، لذلك فهى تحتاج إلى بعض من التدابير الصحية وإجراء عمليات الكشف وتقديم العلاجات- استجاب الجيش الوطنى الليبى لها، وقرر وقف كل عملياته العسكرية بمحيط طرابلس العاصمة فى مطاردة الإرهابيين والمرتزقة الجدد، الذين غزوا المنطقة الغربية بصورة متسارعة ولافتة خلال الأسابيع الماضية.
وفعليًا لم تسجل على قوات الجيش الوطنى أى تحركات عسكرية خلال تلك الفترة، لا سيما القوة الكبيرة الموجودة فى قاعدة «الوطية» التى لم تتحرك خارج أسوارها، رغم بعض الخسائر فى مدن الغرب المؤثرة مثل «صبراتة» و«صرمان»، لكنها آثرت إفساح المجال أمام التحركات الدبلوماسية دون التدخل العسكرى لإصلاح ما اختل من معادلات التمركز والسيطرة.
على الجانب الآخر؛ تظل عمليات نقل المرتزقة إلى ليبيا تشهد زخمًا وتطورًا كبيرًا رصده الكثير من المتابعين، أهمهم البعثة الأممية ذاتها التى أشارت فى أكثر من إفادة إلى هذا التنامى الذى يخل بالمشهد الأمنى ويدفع إلى تجدد المواجهات العسكرية.
هذا ما جرى فعليًا، فتلك الدفعة الجديدة التى سابقت أنقرة الزمن فى الدفع بهم، ارتفعت بعددهم وفق أقل التقديرات إلى نحو «٧٥٠٠ عنصر» موجودين على الأراضى الليبية، فيما تؤكد المصادر السورية القريبة من الفصائل المسلحة هناك أن عملية جديدة- كما جاء على لسان متحدث العدالة والتنمية التركى تجرى الآن- تتمثل فى تسجيل أسماء دفعة من عناصر فصائل «لواء المعتصم، وفرقة السلطان مراد، ولواء صقور الشمال، والحمزات، وسليمان شاه». رغم عدد من القتلى الذين وصلت جثثهم إلى سوريا فى مناطق سيطرة الأتراك والفصائل بريف حلب الشمالى ممن عرف الأهالى أنهم قتلوا مؤخرًا فى معارك ليبيا، ووصل الذين سجلت أسماؤهم وما زالوا يتلقون التدريبات داخل تركيا، استعدادًا لنقلهم إلى ليبيا إلى «ثلاثة آلاف مرتزق» ينتظر استكمالهم إلى خمسة آلاف، وحتى تفصح معطيات ساحات العمليات الليبية عن متطلباتها، فيمثل هؤلاء دفعة ثالثة قادرة على ترسيخ السيطرة التركية الكاملة على محاور الغرب الليبى، أو هذا ما ينتظره ويتابعه أردوغان عن كثب على مدار اليوم حرفيًا.