رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شائعة أو نكتة انقلاب قطر


لم يحدث انقلاب فى دويلة قطر ولن يحدث. وكل ما حدث أمس الأول، الإثنين، هو أن هزارًا ثقيلًا، بين عدد من أفراد العائلة الحاكمة المسلحين، تصاعد وتطور وتحول إلى خناقة، قامت قوات الاحتلال التركى بفضّها. ولعلك تعرف أن الجيش التركى هو ثانى أقوى جيش فى تلك الدويلة، بينما يأتى الجيش القطرى فى ذيل القائمة بعد قوات أمن «سيتى سنتر» الدوحة!.
طبيعة الوضع فى تلك الدولة لا تسمح، أساسًا، بحدوث انقلابات. وطوال تاريخها القصير، لم يحدث أن انتقلت السلطة، لو جاز وصفها بذلك، إلا بتحرك فرد، أو مجموعة، بأوامر من دولة الاحتلال لتغيير «الوالى» أو من يقع عليه الاختيار للحكم بالوكالة. وعليه، فلا يصح أن يوصف ما حدث سابقًا، وما قد يحدث لاحقًا، بأنه «انقلاب» إلا لو كنت تقصد إضحاك من تتحدث معه.
حين أطلق الفرنسيون، فى القرن السابع عشر، مصطلح «انقلاب» كانوا يريدون وصف إجراءات مفاجئة وعنيفة اتخذها الملك للتخلص من أعدائه، على غير ما جرت العادة ودون سند قانونى. ثم اتسع معنى المصطلح، فى القرن التاسع عشر، ليشمل أى أعمال عنف يقوم بها أحد مكونات الدولة، للإطاحة برأس السلطة. ولو فتحت «قاموس أكسفورد الموجز لعلم الاجتماع» ستجد أن «الانقلاب العسكرى» هو «استيلاء عنيف وفورى على سلطة الدولة بواسطة القوات المسلحة غالبًا». وستجد فى «الموسوعة البريطانية» أنه «الإطاحة الفجائية بحكومة قائمة من جانب فرد أو مجموعة صغيرة، يتم عادة بواسطة عنف محدود وأحيانًا بلا عنف على الإطلاق».
لا يمكن، طبعًا، التعامل بهذين التعريفين، أو بغيرهما، مع ما شهدته قطر طوال تاريخها القصير لعدة أسباب، أبسطها أنها ليست دولة بالمعنى المتعارف عليه، ولم يحدث أن كانت ذات سيادة أو بها سلطة محلية. ومنذ أن كانت تحت الاحتلال البريطانى، وبعد وقوعها تحت الاحتلال الأمريكى، تلخص دور الحاكم بالوكالة، أو من يلعبون دور الحكومة، فى تنفيذ «إملاءات» المحتل.
لم ينقلب حمد بن خليفة آل ثانى، إذن، على والده كما يقال. بل كان سيناريو أمريكيًا تم تنفيذه، وهو ما قد يكون قيد التنفيذ الآن لعزل تميم، والذى يمكن رده «إن حدث» إلى المحددات الجديدة للسياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، وفقًا للرؤية الأمريكية. وبالتالى، لن تكون أى تحركات على الأرض إلا مجرد «تلكيكة». بالضبط، كما لم يكن السيناريو الذى قامت «موزة» بتنفيذه منذ ربع قرن، إلا «تلكيكة» أو تكأة استندت إليها دولة الاحتلال، الولايات المتحدة، للإطاحة بخليفة بن حمد آل ثانى وتنصيب الحمدين: حمد بن خليفة وحمد بن جبر.
حدث ذلك فى ٢٧ يونيو ١٩٩٥ وقيل وقتها إن «حمد» قام بما وصفوه بـ«انقلاب أبيض» على والده «خليفة» الذى كان خارج البلاد، وكان طبيعيًا ألا يعترف الأب بشرعية الحكم الجديد، وظل يتنقل بين عدة دول أوروبية وبين الإمارات والسعودية والبحرين. وقام بمحاولة يائسة أو بائسة لاستعادة الحكم، فى فبراير ١٩٩٦ معتمدًا على عدد من أفراد أسرته «الأسرة الحاكمة» وعدد من ضباط وأفراد ما يوصف بـ«الجيش القطرى» وبعض حرس الأمير. وكان ما يثير الدهشة والسخرية هو أن عدد كل هؤلاء لم يتجاوز الـ٣٩ شخصًا، قيل فى البداية إنهم ١٢٠ ثم نزل العدد إلى ٦٧ اتهمتهم النيابة العامة القطرية بـ«التآمر مع دول أجنبية» و«محاولة عزل أمير البلاد عن الحكم بالقوة» و«حمل السلاح ضد دولة قطر» و«إفشاء أسرار عسكرية»!
فى المحاكمة، التى امتدت بين نوفمبر ١٩٩٧ إلى مايو ٢٠٠١، كان بين شهود الإثبات حمد بن جاسم، وزير الخارجية القطرى وقتها، وعبدالله بن خليفة، رئيس الوزراء آنذاك. وصدرت الأحكام بإعدام ١٩ متهمًا شنقًا أو رميًا بالرصاص والسجن المؤبد لـ٢٠ آخرين وبراءة ٢٨ متهمًا، بما يعنى أن كل من اشتركوا فى محاولة الانقلاب المزعومة هم هؤلاء الـ٣٨ الذين صدرت ضدهم أحكام. والطريف أن الوالى القطرى، أو حمد بن خليفة، أصدر قرارًا بالعفو عن هؤلاء، فى مايو ٢٠١٠، بوساطة سعودية أو بأوامر أمريكية.
انتهاء الصلاحية، هو المصير المحتوم للأستاذة موزة وولدها تميم، كما كان مصير زوج الأولى ووالد الثانى المفترض أو المحتمل، ومصائر كل من سبقوهم، منذ تأسست تلك الدويلة سنة ١٨٧٠، خاصة منذ استقلت عن بريطانيا سنة ١٩٧١ وحكمها أحمد بن على آل ثانى، الذى أطيح به بما زعموا أنه «انقلاب عسكرى» قاده ابن عمه خليفة بن حمد. وبتلك القاعدة، أو بهذا الشكل، يمكنك التعامل مع الخناقة التى دارت، أو أى خناقات مرتقبة داخل القصر الأميرى القطرى، وكذا مع ما تردد، أو سيتردد، عن استبعاد الفتى «تميم» أو العائلة الضالة كلها.