رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احتفالًا بذكرى انتحار جوبلز!



جوزيف جوبلز، هو مؤسس فن أو علم الدعاية السياسية الرمادية. وكان أهم أدوات ترويج الفكر النازى، وتسويق أدولف هتلر للألمان على أنه منقذهم وأمل بلادهم والعالم كله. وهو صاحب القاعدة، التى يسير عليها الإعلام الألمانى، إلى الآن: «اكذب.. ثم اكذب حتى يصدقك الناس».
فى مثل هذا اليوم، منذ ٧٥ سنة، أى فى ١ مايو ١٩٤٥، أطلق وزير دعاية هتلر وألمانيا النازية الرصاص على زوجته، ثم على نفسه. وقبلها استخدم الزوجان مخدر المورفين وكبسولات السيانيد السامة فى قتل أطفالهما الستة: هيلجا «١٣ سنة»، هيلدجارد «١١ سنة»، هيلموت «١٠ سنوات»، هولدين «٨ سنوات»، هيدفيدج «٧ سنوات»، وهايدون «٥ سنوات». خمس بنات وولد تبدأ أسماؤهم، كما هو واضح بحرف إتش: الحرف الأول من لقب القائد النازى. وبعد يوم واحد من الحادث، أصيب السوفيت بالذهول حين دخلوا ملجأ الفوهرر، وعثروا على جثث الأطفال الستة بإحدى غرف النوم، ثم اكتشفوا جثتى جوزيف وماجدا جوبلز متفحمتين جزئيًا.
فى ٢٩ مارس الماضى، أى بعد ٧٥ سنة، إلا شهرًا ويومين، عثرت الشرطة الألمانية، على جثة توماس شيفر «٥٤ سنة»، وزير مالية ولاية هيسن، على قضبان قطار سريع بمدينة فيسبادن، عاصمة الولاية. وانتهت التحقيقات الموسعة، وشهادات الشهود إلى انتحار الرجل الذى ينتمى إلى حزب المستشارة أنجيلا ميركل: الحزب «المسيحى الديمقراطى».
يومها، يوم انتحار شيفر، كان عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا المستجد فى ألمانيا تجاوز الـ٥٠ ألفًا بقليل، وبلغ عدد الوفيات ٣٨٩ شخصًا فقط. ومع التزام عائلة الوزير المنتحر الصمت، لم نعرف، إلى الآن، محتوى رسالة الوداع التى تركها لزوجته وابنته وابنه، وإن كان بإمكانك استنتاجه من تصريح فولكر بوفييه، رئيس وزراء الولاية، بأنه كان يعتزم لقاءه، ظهر يوم الانتحار، لبحث سبل مواجهة تفشى الوباء فى الولاية.
مع ذلك، نجح أحفاد جوبلز، الذين يديرون الآن غالبية وسائل الإعلام الألمانية، فى تحقيق نجاحات غير مسبوقة، وجعلوا بلادهم، كما أوضحنا فى مقال سابق، تهزم الوباء دعائيًا، دعائيًا فقط. وعبر استعمال الأُجراء والوزراء، استطاعوا كما استطاع جدهم، الذى علمهم السحر، أن يضحكوا على العالم كله وأجبروه على تصديقهم وحركوا الأمور وفقًا لرؤيتهم.
هكذا، تتعالى الأصوات المادحة للمستشارة الألمانية، و«حتى وسط الأطلال فى سوريا تجد ميركل التقدير»، بحسب تقرير نشره موقع «دويتشه فيله»، أمس الأول، الأربعاء، زعموا فيه أن نمط قيادة ميركل فى الأزمة أصبح «سلعة شحيحة» فى العالم، حتى فى الولايات المتحدة وبريطانيا. ونقل التقرير عن أميخاى شتاين، المراسل الدبلوماسى لهيئة البث الإسرائيلى «مكان» أن «وسائل الإعلام فى إسرائيل تراها (ميركل) أقوى شخصية قيادية فى العالم».
على عكس ذلك، تقول الأرقام إن ألمانيا تحتل المرتبة السادسة فى عدد الإصابات، وتجاوزت الصين فى عدد الوفيات. كما أظهر استطلاع «مؤشر العلوم» الخاص بوباء كورونا، الذى تم إجراؤه بتكليف من مبادرة «العلم فى حوار»، دبليو أى دى، وتم نشر نتائجه الثلاثاء الماضى، أن ٨١٪ ممن شملهم الاستطلاع يتفقون تمامًا، أو نوعًا ما، مع أنه يتعين على القيادة السياسية مراعاة المعرفة العلمية فى مواجهة الوباء. ومنذ أيام، تظاهر الأطباء الألمان وهم عراة احتجاجًا على نقص معدات الوقاية، ما يجعلهم عرضة بشكل أكبر للإصابة بالفيروس.
الصور العارية انتشرت بكثافة على شبكات التواصل الاجتماعى لحث السياسيين على ضمان توفير أدوات الحماية للأطباء. ووضعت طبيبة، حول عنقها سماعة طبيب وعلى أنفها وفمها كمامة قماشية حمراء اللون، وأمسكت لافتة مكتوبًا عليها: «تعلمت خياطة الجروح، فلماذا يجب أن أتعلم الآن خياطة الكمامات؟». وقال الأطباء العراة إن عدم رعاية المصابين خارج المستشفيات يضعهم على خط المواجهة فى معركة احتواء فيروس كورونا.
كان إجمالى عدد الإصابات فى العالم أقل من ١٠ آلاف، بالضبط ٩٨٠٠ إصابة، أواخر يناير الماضى، حين هلل أحفاد جوبلز لتصريحات أنيا كارليتشيك، وزيرة البحث العلمى، عن اقتراب تطويرهم للقاح مضاد للفيروس. وكان عدد الإصابات ١٣٨ ألفًا، مع ٤ آلاف و١٩٣ وفاة، حين قال ينس شبان، وزير الصحة، فى ١٧ أبريل، إن الفيروس بات «تحت السيطرة»، وإن بلاده صار بإمكانها إدارته والتحكم فيه. وأمس الخميس، تجاوز عدد المصابين ١٦٠ ألفًا وكسر عدد المتوفين حاجز الستة آلاف و٥٠٠ حالة!.
لا نعرف إن كان جوبلز قد ترك أبناء آخرين، غير الستة الذين قتلهم أم لا. لكن ما نراه يؤكد أن له أحفادًا كثيرين يديرون، الآن، غالبية وسائل الإعلام الألمانية، ونجحوا فى تحويل فشل بلادهم فى مواجهة الوباء، إلى نجاح، وتمكنوا من التعميم على الأوضاع الكارثية التى دفعت وزيرًا، إلى الانتحار. وأثبتوا أن جدهم كان محقًا عندما قال: كلما كبرت الكذبة كان تصديقها أسهل.